«الضاحك الباكي» يواجه المجهول في ذكرى رحيل الريحاني
مثلما واجه الفنان الراحل نجيب الريحاني حظاً عاثراً في حياته، واجه المصير ذاته بعد وفاته بأكثر من 60 عاماً، حيث تعطل مشروع مسلسل تلفزيوني يتناول قصة حياته منذ أكثر من ثلاثة أعوام، ودخل ثلاثة مؤلفين في صراع حول كتابة مشواره في مسلسل، وبعد أن حسم المؤلف محمد الغيطي الصراع لمصلحته العام الماضي، وقطع شوطاً كبيراً مع المخرج محمد أبوسيف لتنفيذ العمل الذي وافق على بطولته عابد فهد، دخل الغيطي في صدام مع المخرج والمنتج، وهو ما أدى الى اعتذار عابد عن المسلسل، وتم إسناد شخصية الريحاني الى صلاح عبدالله، على أن يخرج المسلسل عز الدين سعيد، ولكن تجددت المشاكل ثانية، فتأجل تصوير العمل الى العام المقبل.
تلقائي وعفوي
وها هي الذكرى الثانية والستون لرحيل الريحاني التي تحل في 8 يونيو من كل عام، تمر مرور الكرام، ومن دون عرض أي من أفلامه القليلة، والتي لاتزال بمثابة مدرسة في فن التمثيل التلقائي والعفوي والصادق ينهل منها الفنانون بشكل عام، ونجوم الكوميديا بشكل خاص، علماً بأن مكتبة الاسكندرية احتفت بذكراه العام الماضي باحتفالىة كبيرة حملت عنوان “ذكريات وتراث نجيب الريحاني” شاركت فيها ابنته الوحيدة “جينا” من زوجته الألمانية، وضمت معرضاً للفنان حمدي الكيال وكان عبارة عن لوحات مستوحاة من أعماله الفنية، إضافة إلى أفيشات أفلامه وبعض مقتنياته، ومجموعة هائلة من صوره الشخصية وصوره في أفلامه، كما عرض فيها فيلم “نجيب الريحاني في ستين ألف سلامة” الذي أخرجه الدكتور محمد كامل القليوبي.
ظروف قاسية
ولد الريحاني في حي باب الشعرية بالقاهرة في 21 يناير 1889 لأب من أصل موصلي كلداني مسيحي اسمه “إلياس ريحانة” كان يعمل بتجارة الخيل، واستقر به المقام في القاهرة ليتزوج سيدة مصرية قبطية أنجب منها ولده نجيب الذي بدت عليه ظاهرة الانطوائية أثناء دراسته بمدرسة الفرير الابتدائية، وحين أكمل تعليمه ظهرت عليه بعض الملامح الساخرة، ولكنه كان يسخر بخجل أيضاً، وعندما نال شهادة البكالوريا، كان والده قد تدهورت تجارته قبل أن يتوفى عام 1903، فاكتفى بهذه الشهادة ليعول والدته، والتحق بوظيفة كاتب حسابات في شركة السكر بنجع حمادي في صعيد مصر.
ولم تشبع هذه الوظيفة البسيطة التي كان يتقاضى منها راتباً شهرياً قدره ستة جنيهات، رغبته، فاستقال منها وعاد إلى القاهرة ليجد أن الأمور قد تبدلت وأصبح الحصول على عمل في حكم المستحيل، وأصبحت لغته الفرنسية التي يجيدها غير مطلوبة، بعد قدوم لغة أجنبية ثانية لمصر، حيث استتب الأمر للإنجليز وسيطروا على البلاد.
نقطة فارقة
قادته المصادفة ذات يوم إلى شارع عماد الدين الذي كان يعج آنذاك بالملاهي الليلية، وقابل صديقه محمد سعيد الذي كان يعشق التمثيل، وعرض عليه أن يكونا معاً فرقة مسرحية لتقديم الاسكتشات الخفيفة لجماهير الملاهي الليلية.
جاء تعرفه في عام 1918 على الكاتب بديع خيري بمثابة نقطة فارقة في حياته، حيث أصبح صديق عمره وتوأمه في الفن، وقدم معه 33 مسرحية منها “الجنيه المصري” و”الدنيا لما تضحك” و”الستات مايعرفوش يكدبوا” و”حكم قراقوش” و”قسمتي” و”لو كنت حليوة” و”الدلوعة” و”حكاية كل يوم” و”الرجالة مايعرفوش يكدبوا” و”الدنيا بتلف” و”حسن ومرقص وكوهين” و”تعاليلى يا بطة” و”بكرة في المشمش” و” كشكش بك في باريس” و”وصية كشكش بك” و”خللي بالك من إبليس” و”شارلمان الأول” و”خللي بالك من إميلب” و”شيخ الغفر زعرب” و”مجلس الأنس” و”قنصل الوز” و”المحفظة يا مدام” و”الرفق بالحموات” و”ياما كان في نفسي”.
وقدم خلال الفترة من 1931 وحتى وفاته في 8 يونيو عام 1949 عشرة أفلام هي “صاحب السعادة كشكش بيه” و”حوادث كشكش بيه” و”ياقوت أفندي” و”بسلامته عايز يتجوز” و”سلامة في خير” و”سي عمر” و”أحمر شفايف” و”لعبة الست” و”أبو حلموس”، كما شارك في عدد من الأوبريتات منها “قولوا له” و”العشرة الطيبة” و”الشاطر حسن” و”أيام العز”.
وتحدث ذات يوم مع الفنانة الراحلة ليلى مراد، وأخبرها بأنه يتمنى أن يمثل معها لأنه يشعر باقترابه من الموت فذهبت الى زوجها الفنان أنور وجدي، وأخبرته برغبة الريحاني في التمثيل معها، وسرعان ما تحقق له ما أراد من خلال فيلم “غزل البنات” الذي يعد من أجمل الأفلام المصرية، وشاركه بطولته عدد كبير من نجوم السينما المصرية منهم ليلى مراد وأنور وجدي ويوسف وهبي ومحمود المليجي وفريد شوقي، وظهرت هند رستم للمرة الأولى ككومبارس، وقدم فيه مشاهد قليلة نظراً لوفاته نتيجة إصابته بمرض التيفود، أثناء تمثيله، وهو ما أدى الى تعديل نهاية الفيلم.
زواج وغيرة وطلاق
تزوج الريحاني الراقصة بديعة مصابني، ولكنه سرعان ما طلقها بسبب غيرتها الشديدة عليه، وعاش حياته في هدوء أقرب إلى الوحدة، وهو ما دفع الأديب يحيى حقي إلى أن يقول عنه في كتاب له “إنه كان واحداً من الأجانب الذين أكرمت مصر وفادتهم، ولكنه عاش طوال حياته يشعر بفارق مكتوم بينه وبين المصريين، وهذا سر وحدته الملحوظة في حياته العامة والخاصة”.
المصدر: القاهرة