هل تريد المؤسسة الرسمية مسرحا مستقلا في مصر· ام تشعر بالقلق من وجوده وتسعى لتجفيف منابعه أو السيطرة عليه ليعمل تحت مظلتها دون الخروج على النص· هذا التساؤل وغيره طرحته المائدة المستديرة الذي خصصها مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته العشرين هذا العام لمناقشة ''مشكلات المسرح المستقل في مصر بين الواقع الآفاق'' بمشاركة مايقرب من ثلاثين من ممثلي الفرق المستقلة والنقاد في مصر· وقالت المخرجة عبير علي ''فرقة المسحراتي'': نحن جزء من المشهد الثقافي الذي يجب أن تدعمه وزارة الثقافة المصرية ومن الصعب أن نطالب الفرق المستقلة بتمويل نفسها من عروضها لأنه حتى لو فتحنا شباك تذاكر لعروضنا لا يمكن أن نوفر تكلفة إنتاج العرض وهذا ما يحدث حتى مع إنتاج مسارح الدولة كما ان القطاع الخاص لم يعد قادرا في معظمه على أن يحقق أرباحا معقولة فتوقفت معظم فرقه والفن الجاد غير هادف للربح والفنانون المستقلون في حاجة الى بيت فني يقدم لهم الدعم والمساندة· ولابد أن تتم التفرقة بين الهواة وفناني المسرح المستقل المحترفين وأجد أن الهواة يتلقون مساندة من الدولة اكثر مما نتلقى نحن كفرقة مستقلة· وقالت المخرجة عفت يحيى مؤسسة فرقة القافلة المصرية عام 1992: مصيبتي أنني وقعت في غرام المسرح وركزت على المسرح النسائي وقدمت خلال رحلتي 16 عرضا اكتشفت انها لم تأخذ حقها من العرض لذلك أطالب بألية تعطينا الفرصة لتقديم عروضنا لفترات أطول وتوجهت للأطفال بأعمال فنية متنوعة بعد أن أصابني اليأس· مشاكل بلا حلول وقال المخرج محمد عبدالفتاح ''فرقة الساعة'': نواجه مشاكل بلا حلول ونحتاج لأماكن لتقديم عروضنا وقريبا سنجد أنفسنا في مواجهة مع النقابة ولي ملاحظة على الدعوات التي وجهت الينا لحضور المائدة المستديرة فقد كان يجب أن ندعى كفرق بينما دعيت باسمي دون ذكر شيء عن فرقتي وأتمنى أن تعاملنا إدارة المهرجان التجريبي كما تعامل الفرق المستقلة القادمة من الخارج· وقال عمر المعتز بالله ''فرقة تياترو المسرح المستقل'' ان جيل التسعينيات سبقنا الى وضع صيغ ومشاكلنا واحدة وأهمها الشرعية حيث ينقصنا الدعم واعتراف الدولة ولا أفهم أن يكون لدينا مركز إبداع ولا نقدم فيه أعمالنا· ووجه الناقد د·أحمد سخسوخ حديثه لممثلي الفرق المستقلة قائلا: حتى الآن لايوجد اعتراف من الدولة بهذا التيار وأنتم تحتاجون لشرعية ولن تكون الفرق مستقلة الا اذا رفعت الدولة وصايتها وأنتم كفرق مستقلة قادرون على انتزاع حريتكم رغم أنف الدولة· وقال محمد عبدالخالق ''أتيليه المسرح'': شاركنا في الموجة الأولى للمسرح المستقل في مصر وكان المهرجان التجريبي احد المحفزات لنا لكننا فوجئنا بالمهرجان يستبعدنا تماما بدلا من ان يستفيد من طاقاتنا وفوجئنا بتخصيص ندوة عن المسرح المستقل بينما لا توجد فرق مستقلة تمثلنا في المهرجان· وقال هاني عفيفي ''فرقة الساعة'': عملت بفرقة أتيليه المسرح قبل تأسيس فرقتي التي قدمت الاستثناء والقاعدة وأنا الان ميت وأخرجت لمسرح الدولة وأعد لتجربة على مسرح الغد والدولة تدعمني كمخرج ولا تدعمني كمستقل وأشعر الآن بحيرة شديدة هل أنا مستقل أم لا؟· وقال هاني المتناوي: فرقتي مثلت مصر في الخارج وفزنا بجائزة في مهرجان المسرح التجريبي تحت اشراف مركز الهناجر ونواجه دائما بيروقراطية ترفض أن نقدم عروضنا من انتاج مسرح الدولة الا بشرط أن نتخلى عن أسماء فرقنا وكان مركز الهناجر هو الوحيد الذي سمح لنا بالاحتفاظ بأسماء فرقنا على عروض أنتجها لنا وكان هذا استثناء· وقال سيد فؤاد ''فرقة الحركة'' ان فرقته أسسها الفنان خالد الصاوي عام 1989 وضمته هو وخالد صالح ونيرمين زعزع وبدأنا بإنتاج ذاتي لمستلزمات الديكور وتحملنا نفقات الانتاج وتعاونا مع مركز الهناجر واعتبر أننا من الفرق المحظوظة التي قدمت عروضا كثيرة من انتاج مركز الهناجر وعروضنا لا تتناسب مع التمويل الأجنبي لأنها في معظمها كباريه سياسي ويصعب توفير دعم أجنبي لها· وطالبت عزة الحسيني ''فرقة الغجر'' بضرورة الاستقرار على معنى المستقل فالفنان المستقل محترف والفن مصدر دخله وكثيرون من الممثلين أعضاء نقابة ولابد ان تتعامل الدولة مع هذه الفرق بثقة أكبر بدلا من أن تتسول الدعم من مراكز اجنبية· وقال المخرج طارق الدويري: رغم أنني عضو المسرح القومي المصري فإنني أعتبر نفسي مخرجا مستقلا ولم أعمل في مسرح الدولة الا مؤخرا وبعد أن حصلت على جائزة الدولة التشجيعية عن عرض قدمته كفرقة مستقلة وهي ''جماعة الخير المسرحية'' ويظل حلم الاستقلال يروادني واتمنى تحقيقه ولا داعي للحديث عن التاريخ ونحن أمام واقع صعب وكمسرحيين مستقلين ندفع ثمن خيارات أناس غير مدركين لحركتنا أو لهم حسابات أخرى وأنبه الى خطورة التمييز بين أجيال المستقلين حتى لا يتحول جيل التسعينيات في الحركة الى جيل رواد· وقال المخرج أحمد اسماعيل -صاحب تجربة مسرح القرية منذ عام -1972 أن الانجاز الذي يمكن أن يتحقق جماليا في الفن والمسرح معقود على المسرح المستقل واي تجديد لن يتم الا باستغلال كل الامكانيات الفنية وتأتي إمكانيات الدولة في مقدمتها وأعتقد أننا بحاجة لمسرح يجمعنا في مكان واحد· وقالت فاطمة المعدول، رئيس قطاع الانتاج الثقافي بوزارة الثقافة المصرية: أي فنان لابد أن يكون مستقلا حتى لوكان موظفا في الحكومة وأنا حزينة لما سمعته من المستقلين من سخرية في حق الحكومة ومركز الهناجر الذي دعم معظمهم تابع للدولة وعندما دعمنا موسم المسرح المستقل لم يكن تفضلا من احد· وأعتقد ان الدولة نفسها غير مقتنعة بالمسرح لذلك أقول لكم حاربوا وتمسكوا بحقوقكم دون أن تنكروا الدعم والمساندة لان هذا يحبط من يساعدكم· وقد عملت كمخرجة في مسرح الدولة وكنت أنظف المسرح بنفسي ولم استسلم للبيروقراطية ولهذا أطالبكم بمزيد من الكفاح ودعوتكم للمشاركة في هذا اللقاء دليل نجاحكم· مخاطر ودعم وقالت الناقدة د· نهاد صليحة ان فكرة إنشاء مؤسسة للمسرح المستقل في مصر مخاطرة خاصة وان لكل فرقة توجهاتها الفنية المختلفة ودائما سيكون هناك صراع بين الفرق في هذا الكيان كما ان هناك فرقا مستقلة ترفض فكرة البيت الفني للمسرح المستقل· وطالبت بضرورة السماح للفرق المستقلة بالمشاركة في مهرجان المسرح التجريبي· وأشارت الى تجارب أوروبية وأميركية لاتينية لدعم الفرق المستقلة لمدة معينة ويتم تجديد الدعم حسب التزام الفرقة وانتاجها· واقترحت ان يكون ذلك من خلال صندوق لدعم الفرق المستقلة دون انتظام في كيان أو مؤسسة واختلاف الفرق رحمة والتنوع مطلوب· وطالبت بالسماح للفرق المستقلة بعرض انتاجها على مسارح الدولة في فترات إغلاقها· وقالت الناقدة عبلة الرويني: مضت عشرون عاما من الـتأرجح بين الحضور والغياب وتوقفت فرق وأحبطت اخرى واعتقد أن الحركة أكدت وجود الفنان المستقل حتى لو لم تكن هناك فرق مستقلة وأفرزت الحركة أجيالا جديدة وطوال عشر سنوات تمثل الفرق مصر في مهرجانات وتفوز بجوائز وبسببها أصبح المسرح أكثر حيوية وحضورا، ومع احترامي لدور مركز الهناجر الذي قدم مساعداته للفرق المستقلة لكنها أيضا كانت مشروطة على الأقل بالالتزام بسياسته التي وضعها وتصوراته التي تحدد طريقة عمله· وقال الناقد المسرحي أيمن حلمي أن الدعم المادي وحده ليس الهدف والدولة ليست مجرد خزينة وهناك حاجة لدم معنوي مثل المادي· وقالت الناقدة رشا عبد المنعم: هناك حالة عدم ثقة بالحكومة فأحيانا تلوح الدولة بالمساندة ثم تعود لتتركهم والدولة ليست لديها رغبة حقيقية في دعم المسرح المستقل وهي مشغولة بثقافة الاستعراض لتقول ان لدينا مسرحا وعندما يتراجع تقوم بخطوة ايهامية ليكون هذ ا اللون من الفنون قائما ونحن نحتاج لتنمية حقيقية تتيح للفرق المستقلة إنتاج مسرحي متميز وتفريخ مواهب حقيقية· وقال الناقد المسرحي جرجس شكري أن وزير الثقافة المصري تحدث عن دعم كيان للمسرح المستقل بأن ذلك سيكون بمثابة تحضير عفريت لا يمكنه أن يصرفه والمؤسسة الثقافية الرسمية ليس لديها مانع من دعم هذا النشاط ماديا وفي نفس الوقت لديها مخاوف حقيقية من ازدهار المسرح المستقل·