الشركات الصناعية متعددة الجنسيات تعود إلى أميركا
عندما تبحث مؤسسات أميركية عن بناء مصانع لها، من الأفضل لها أن تفعل ذلك داخل أميركا، ليس لأسباب وطنية ولكن لأن اقتصادات العولمة تتغير بسرعة.
فالاستفادة من انخفاض معدلات الأجور في الخارج خاصة في البلدان الفقيرة، لم تكن هي العامل الوحيد الذي يدفع الشركات متعددة الجنسيات للعمل في الخارج، لكنها من المؤكد لعبت دوراً كبيراً في ذلك. ومع الطفرة الاقتصادية للبلدان الناشئة ارتفعت الأجور. ففي الصين، على سبيل المثال، ارتفعت أجور العمال بنحو 69% في الفترة بين 2005 و 2010. لذا، فإن العائدات من موازنة العمل بدأت في التراجع هي الأخرى، وفي بعض الحالات بصورة غير ذات صلة.
ويقول هال سيركين، من مجموعة “بوستن الاستشارية”، “من المتوقع أن لا تعير الشركات الصناعية بحلول 2015 كثيراً من الاهتمام للإنتاج والاستهلاك في أميركا سواء كان موقعها في أميركا أو في الصين”. ويعني ذلك أن الأجور ستنمو بنحو 17% سنوياً في الصين مع بطئها النسبي في أميركا. كما من المتوقع أن يستمر نمو الإنتاج على وتيرته الحالية في كلا البلدين، بالإضافة إلى الزيادة المتوسطة في قيمة اليوان مقارنة بالدولار.
وتحتاج المصانع للمزيد من الوقت لإكمال بنائها قبل حلول 2015، لذا فإن المؤسسات التي تخطط اليوم، للإنتاج غداً، تقوم بذلك بالقرب من موطنها. وأشارت “بوستن الاستشارية” إلى عدد من الأمثلة للشركات التي أعادت بالفعل مصانعها ووظائفها لأميركا مرة أخرى.
فقد قامت “كاتربيلر” لصناعة المعدات الثقيلة بتحويل نشاطها لإنتاج آليات الحفر من الخارج إلى ولاية تكساس. كما أعادت “ساودر” الأميركية لصناعة الأثاث، خطوط إنتاجها من البلدان التي تتميز بانخفاض الأجور، إلى أميركا. وبالمثل، نقلت “أن سي آر” العالمية للتقنيات، إنتاج ماكينات الصرف الآلي من الخارج إلى ولاية جورجيا. وقامت “وام أو” العاملة في صناعة اللعب والمعدات الرياضية المشهورة في العام الماضي بتحويل نصف إنتاجها من الصين والمكسيك، إلى أميركا.
وتتوقع “بوستن الاستشارية” أن تشهد أميركا عصراً للنهضة الصناعية، بالرغم من الشكوك التي تحوم حول ذلك. وكان نمو الناتج الصناعي في العام الماضي أو نحوه، متعلقا باستعادة الأراضي المفقودة إبان فترة الركود. وعلاوة على ذلك، فإن بعض المصانع الجديدة في أميركا اعتمدت على المساعدات التي ربما لا تستمر طويلاً. لكن لا تزال اقتصادات موازنة العمل الجديدة قادرة على صنع الفرق.
ويقول جاري بيسانو الاقتصادي في “كلية هارفارد للاقتصاد” “وبدلاً من أن يشكل ارتفاع الأجور في الصين عائقاً يقف في طريق عودة بعض المصانع إلى أميركا، فربما يدفع بعض المؤسسات التي كانت تفكر في تقليص نشاطها هناك للاحتفاظ بخياراتها مفتوحة من خلال الاستمرار في تشغيل مصنع واحد على الأقل في أميركا”.
وما يعضد نقطة جاري، إعلان “جنرال موتورز” في مايو الماضي استثمار 2 مليار دولار لتضيف نحو 4,000 وظيفة جديدة في 17 مصنعا منتشرة حول أرجاء أميركا. وربما لا تضيف الشركة العديد من الوظائف الجديدة، لكنها تحتفظ بالوظائف الأميركية التي كان متوقعاً بدلاً عن ذلك أن تقوم بإرسالها إلى الخارج.
وحتى في حالة ارتفاع الأجور في الصين إلى مستويات كبيرة، ستواجه بعض الشركات متعددة الجنسيات صعوبة في إعادة الكثير من الوظائف إلى أميركا. وفي بعض المجالات مثل الأجهزة الالكترونية الاستهلاكية مثلاً، لم تعد أميركا تملك قاعدة الموردين أو البنية التحتية اللازمة. كما أن المؤسسات لم تدرك عند قيامها بعمليات التحول للبلدان ذات الأجور المنخفضة، أن بعض هذه العمليات لا يمكن الرجوع عنها بسهولة.
ومن المنتظر أن تستمر العديد من الشركات في بناء معظم مصانعها الجديدة في الأسواق الناشئة، ليس بغرض إعادة تصدير المنتجات لبلدانها، لكن نتيجة للارتفاع الكبير في الطلب هناك. كما أن شركات الدول الغنية الأخرى ربما تستمر في التمتع بفرص موازنة العمل أكثر من نظيراتها الأميركية. وأن تكاليف العمل لديها أعلى من الشركات الأميركية والتي ستظل على هذا المنوال ما لم ينخفض اليورو بصورة كبيرة مقابل اليوان. وتختفي فرص موازنة العمل بسرعة كبيرة في الصناعات الأساسية وفي الصين. كما تعرضت بعض البلدان والقطاعات لتأثيرات أقل. ويشير بعض الخبراء إلى أنه في الهند وبالرغم من الارتفاع السريع في الأجور، إلا أن قطاعات البرمجيات وتصدير الوظائف ربما تحتفظ بمزية التكلفة في المستقبل القريب نتيجة للنمو السريع في إنتاجها على الأقل.
ومع ذلك، بدأت عدد من الشركات متعددة الجنسيات خاصة من البلدان الغنية، في جني الفوائد نتيجة الاحتفاظ بالمزيد من عملياتها في مواطنها. وتشكل العمالة للكثير من المنتجات، نسبة صغيرة ومتضائلة من التكلفة الإجمالية. كما اتضح أن عددا كثيرا من سلسلة التوريدات، أكثر خطورة مما كانت تتصوره العديد من المؤسسات. وعندما ارتفعت أسعار النفط، شحت معها وسائل المواصلات. كما أنه وعندما انتشر مرض مثل “السارس” في أرجاء آسيا، أو عندما ضرب الزلزال اليابان، تعطلت معها سلسلة التوريدات.
وتحاول المؤسسات أيضاً تقليل تكاليف المخزون، حيث إنه ربما تحتاج الشركة التي تستورد من الصين إلى أميركا مثلاً، الاحتفاظ بمخزون يكفيها لمدة 100 يوم على الأقل. ويمكن تخفيف هذه التكلفة في حالة أن تتم صناعة السلع محلياً أو قريباً من المصدر.
كما تفكر الشركات في طرق أكثر تقدماً فيما يخص سلسلة توريداتها. ولم يعد المدراء يتمسكون بفكرة صناعة المنتجات في البلدان التي تتميز بأجور متدنية. وأصبح من المنطقي القيام بالعمليات الصناعية في أماكن مختلفة بما فيها أميركا.
نقلاً عن: ذي إيكونوميست