أبوظبي (الاتحاد)

نظم مشروع «كلمة» للترجمة في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، ضمن مشاركة نادي كلمة للقراءة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، أمس جلسة نقاشية حول كتاب «رحلة إلى مصر»، لمؤلفه تيوفيل غوتييه، وشارك في النقاش كل من المترجم د. محمد الخولي، والروائي إبراهيم عبد المجيد، والكاتب والإعلامي محمد شعير، وقدمها الكاتب والباحث رأفت السويركي.
تحدث السويركي في بداية الجلسة عن مكانة مصر التاريخية على مر العصور، لافتاً أن الكتاب هو واحد من سلسلة طويلة من الكتب التي صدرت عن تاريخ مصر، بداية من هيروديت وابن بطوطة وابن جبران وغيرهم من الرحالة الذين كتبوا تاريخ الإنسان على الأرض، وصولاً إلى كتابات المؤرخين المعاصرين أمثال د. جمال حمدان ود. ثروت أباظة ود. جلال أمين وغيرهم. وأشار إلى أن كتاب غوتييه يطرح قضية مهمة جداً وهي الاستشراق، ونظرة الآخر تجاه الشرق، وما أحاط بكتابات المستشرقين من ربطها بأهداف دينية تبشيرية ومآرب اقتصادية.
بينما أوضح د. محمد الخولي أن كتاب «رحلة إلى مصر» تم تأليفه في أواخر القرن 19، وهو يمثل صفحة من صفحات كتاب أعمق وهو كتاب الشغف بمصر، وتحديداً شغف الفرنسيين بمصر التاريخ والحضارة ومساهماتها في تقدم الجنس البشري. مضيفاً: «يمثل الكتاب جزءاً من تجليات الولع الفرنسي الذي كانت بدايته، بحسب تصوري، في أواخر القرن 18 وأوائل القرن 19، مع حملة نابليون بونابرت إلى مصر، التي كانت في تلك الفترة تعيش في غيبوبة عصر المماليك، ما أحدث حالة من الصدام الحضاري بين مصر المماليك والثورة الفرنسية، وما كانت تشهده فرنسا من تطور في مختلف المجالات».
وأشار إلى أنّ تيوفيل غوتييه مؤلف الكتاب حضر إلى مصر في عام 1869، وهي سنة افتتاح قناة السويس، حيث أصابه الانبهار من المظاهر التي صاحبت افتتاحها، ولكنه لم يهتم بالإشارة إلى معاناة الفلاحين المصريين في حفر القناة، كذلك اهتم في الكتاب بوصف الحارة المصرية، وأهم مظاهر الحياة اليومية بها فوصف حتى «القرداتي» و«الحاوي»، لكنه نظر لهذه المظاهر بنظرة شمولية، فكان يشير أيضاً إلى ما قيل عن مصر من أشعار وما رسم عنها من لوحات المستشرقين، كما انبهر بخط السكة الحديد المصرية، وهي الثانية على مستوى العالم، فكتب عنها كما كتب عن الطقس والصحراء والزراعة في خلطة ضمها الكتاب.
وذكر د. الخولي أن الولّع بمصر لدى الفرنسيين، هو جزء من الولّع بالشرق، لافتاً أن كتاب «رحل إلى مصر» لم يمثل عند تأليفه مشروعاً متسقاً من أوله لآخره، ولكنها مجموعة من الرسائل التي كان يرسلها المؤلف للنشر في الصحيفة التي يعمل بها أو لابنته، ولكنه في النهاية يعكس مدى حب الكاتب لمصر.
وأشار الروائي إبراهيم عبد المجيد، إلى أن مؤلف الكتاب ينتمي إلى الحركة الرومانتيكية في أوروبا، مثل كثير من المستشرقين الذين قدموا إلى الشرق، ولذلك اتسم الكتاب بطابع أدبي. موضحاً أن غوتييه فُتن بمصر التي رسمها في خياله من كتابات ولوحات المستشرقين، وعند قدومه إليها سجل مشاهد من الحياة اليومية، وتنقل بين المدن والمحافظات المختلفة، مثل الإسكندرية وطنطا ودمياط وغيرها، ولم يكتف بالوصف، ولكن قام بعمل مقارنات بين ما رآه في ذلك الوقت، وبين الآثار الفرعونية القديمة، ولوحات المستشرقين عن مصر والشرق عموماً، مقدماً دراسة ومقالات نقدية، انطلاقاً من هذه المقارنات، كذلك ضم الكتاب فصلاً حمل عنوان «السيمفونية» تحدث فيه عن الصحراء والنوم، وأذان الفجر الذي يعتبر احتفاء ببداية الحياة ويوم جديد، أيضاً كتب عن الفنون التشكيلية في مصر، وعن الموت عند المصريين القدماء وقداسته وإيمان الفراعنة بالحياة بعد الموت، وكتاب الموتى المقدس لديهم.
وختم حديثه قائلاً: «خلال قراءتي للكتاب تساءلت: لماذا لم يكتب غوتييه عن الظلم الذي كان يعاني منه الشعب المصري، والضرائب الباهظة التي فرضت عليهم لتغطية النفقات الضخمة التي أنفقها الخديوي إسماعيل على حفلات افتتاح قناة السويس وتطوير البلد؟ ولكن رغم ذلك يظل الكتاب ممتعاً جداً، وإضافة مهمة في هذا المجال».
من جهته، طرح الكاتب والإعلامي محمد شعير في مداخلته، تساؤلاً حول ما إذا كان الكتاب استشراقياً أم لا، وإذا كان مؤلفه يعد مستشرقاً. مجيباً بأن الكتاب يحمل نوعاً من الفرح بالإنسانية أكثر من كونه ينتمي لأدب الاستعمار، حيث يُقدم صورة مُحِبة لمصر، يحاول بها تصحيح الصورة الاستعمارية التي رسمها المستشرقون من قبل. لافتاً أن المؤلف جاء محملاً بصور رسمها في خياله عن المنطقة من أعمال المستشرقين، ومن قراءته لكتاب «ألف ليلة وليلة».