علي معالي (دبي)
تعد الثقافة وجهاً ملاصقاً للكثير من أوجه الحياة، ومنها بطبيعة الحال الرياضة، حيث تمثل الوجه الآخر للرياضة، والتي يختصرها البعض أحياناً في عبارة «الروح الرياضية»، ولكن الوصول باللاعب إلى مرحلة تثقيفه أمر مهم ليس سهلاً، خصوصاً مع الوصول للمرحلة التنافسية، ولذا فبناء الثقافة في الرياضي لا يمكن غرسها إلا من خلال المراحل السنية، بحيث تتم تهيئة وتنشئة اللاعب الصغير على كيفية التعامل مع المجتمع الخارجي، والثقافة مجالها واسع للغاية، لكن ثقافة الملاعب ربما يمكن تحديد إطارها والتحرك من خلالها في العديد من الاتجاهات، حتى نستطيع في النهاية إيجاد لاعب رياضي مثقف يمكن أن يكون قدوة في المجتمع.
ولا يمكن للنادي بطبيعة الحال أن يكون هو المنشأ الوحيد للثقافة الرياضية، فهناك دور للأسرة والأصدقاء أيضاً، لكن لا يغفل أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به بعض الأندية للوصول إلى مرحلة تساهم في تشكيل الشخصية الثقافية، ونتناول هل بالفعل النادي الرياضي الثقافي.. وهل يمثل حقيقة تفيد في بناء الجانب التثقيفي أم هو مجرد تقليد؟.
الجانب الثقافي يجب أن يكون جزءاً من تركيبة اللاعب بشكل عام، ولذلك يفترض مثلما يكون هناك اهتمام بالجانب البدني والرياضي والطبي أن يكون هناك اهتمام أيضاً بالجانب الثقافي، والثقافة في تعريفها المبسط هي طريقة تفكير وتغيير السلوك، وهي عبارة عن معلومات ومهارات وسلوكيات وتصرفات، وكل هذه الأمور يتغذى عليها اللاعب منذ نشأته التي يفترض أن تبدأ رياضياً من سن 5 أو 6 سنوات.
يقول د. صالح عبدالرحمن العبدولي مدير إدارة الأنشطة الثقافية والمجتمعية بنادي الوصل: «كرة القدم أصبحت مهنة في الوقت الراهن، وثقافة اللاعب تساعد في استمرارية استثماره الحقيقي في هذه المهنة، ومثلما هو الحال في وجود خطط تدريبية، فلابد أن يكون هناك خطط مماثلة لتثقيف اللاعب، بحيث تتماشى مع نموه المعرفي والعقلي والعاطفي والاجتماعي والبدني. وأضاف: «الأندية الرياضية مبنية على ثقافة مجلس الإدارة، وهذا مهم للغاية، فإذا كان أعضاء مجلس الإدارة يهتمون بالجانب التربوي، تجد النادي له نشاط ثقافي اجتماعي». وتابع: «في مجلس دبي الرياضي هناك برنامج اسمه «غرس»، يهتم بالقيم التربوية والرياضية والمعارف والسلوكيات، بالإضافة إلى مشاركة أكثر من جهة معنية في هذا الموضوع، ونحن كلجنة ثقافية مثلاً يتواجد لدينا هذا البرنامج من مجلس دبي، وإذا كان أعضاء مجلس الإدارة مقتنعين بهذا الأمر، سيطالبون بترتيب الجدول الخاص به، على أن يتم دفع اللاعبين للاستفادة منه».
وعن دور النادي يقول العبدولي: «اللاعب يتواجد بالنادي من ساعتين إلى 3 ساعات، هذا فيما يخص النشء مثلاً أو اللاعب الهاوي، بخلاف المحترف، ويجب استغلال جزء من هذا الوقت في تنمية الجانب السلوكي والعقلي».
وقال: «اللاعب المحترف، سواء الأجنبي أو المواطن، يحصل على راتب جيد للغاية، ومن المهم أن تكون هناك ثقافة مهمة للاعب في كيفية الاستفادة مما يحصل عليه من مال، لأن البعض ونتيجة لثقافته المحدودة لا يعرف كيف يدير أموره، وبالتالي نجد لاعبين كانوا كباراً في الملاعب، وعندما يعتزلون تتغير حياتهم، لدرجة من الممكن أن تصل إلى التشرد وهذا موجود في كل أنحاء العالم».
أما سليم عبدالرحمن المدرب المساعد لمنتخبنا الوطني لكرة القدم، فيرى أنه من المهم أن تكون ثقافة اللاعب مناسبة في أنديتنا من خلال الندوات وورش العمل في هذا المجال، قائلاً: «على اللاعب أن يجتهد لتثقيف نفسه كونها أشياء مهمة في مسيرته الرياضية، وما توفره الأندية أو رابطة المحترفين تكون بطبيعة الحال محدودة، وبالتالي يقع الدور الرئيسي في ذلك على اللاعب نفسه بعد ذلك».
وأضاف: «المدرب عندما يكون لديه لاعب مثقف تتضح الأمور من خلال النقاش والدردشة مع اللاعب، وبطبيعة الحال اللاعب المثقف يستوعب ما يريده المدرب بسرعة خلال التدريبات، كما أن ثقافة اللاعب تمنحه الكثير من الحلول في حياته الرياضية».
وتابع: «أثناء وجودي في التدريب بنادي الوصل كانت هناك ورش عمل وندوات ومحاضرات، ولكن كل هذه الأمور لن تكون الأساس في بناء الثقافة لدى اللاعب، الذي يقع عليه العبء الأكبر في أن يقوم بتطوير نفسه في المقام الأول، بحلول يضعها هو لنفسه، ووجود عالم الاحتراف يفرض على اللاعبين الكثير من الأمور، والثقافة تتواجد في حياة اللاعب في الكثير من الأمور، منها الثقافة الغذائية ونوعية الأكل مثلاً المفيد له، لأنها عوامل تؤثر على مستواه، واللاعب ليس مجرد آلة تجري، بل عليه أن يفكر جيداً في تهيئة صحته من خلال المعرفة والثقافة».
عيسى هلال: الحراك في المنطقتين الوسطى والشرقية
أكد عيسى هلال، أمين عام مجلس الشارقة الرياضي، بأن هناك تركيزاً كبيراً لدينا في الشارقة على هذا الجانب، وذكر أن هناك أندية تهتم بهذا الجانب كثيراً، ففي الأندية الوسطى والشرقية هناك تركيز كبير على هذا الجانب، وهناك أندية بها مسابقات ثقافية مثل نادي مليحة، وهناك اهتمام لكن يجب الاعتراف بأنه ليس على قدر الطموح.
وقال: «بدأنا في الوسطى والشرقية مع النشء، ولا يمكن في نفس الوقت إغفال الدور المجتمعي الكبير الذي يقوم به حالياً نادي البطائح، بالإضافة إلى نادي الذيد، من خلال وجود مركز ثقافي اجتماعي بهما على أعلى مستوى، منها محو الأمية الإلكترونية لأولياء أمور اللاعبين من السيدات، حيث يذهبون إلى بيوتهم إضافة إلى المراكز المتواجدة، وهناك حراك قوي في المنطقة الشرقية والوسطى».
أضاف: «في الصيف الماضي كان هناك برنامج ثقافي مركز في مدينة الشارقة من خلال استقطاب فئات من سن 7 سنوات حتى 12 سنة، وكان برنامجاً ثقافياً بعيداً عن الرياضة، يهتم بمهارات التواصل والاتصال». وتابع عيسى هلال: «لدينا هدف استراتيجي في الشارقة بصناعة القيادات الشابة من خلال الأندية الرياضية، لأن الولد الصغير يكتسب المهارات المختلفة من خلال تواجده بالنادي، من حيث تعلمه الالتزام بالمواعيد وكيفية التحدث مع الكبار والمحافظة على روح الفريق، والتعامل مع الحكام والخصم وحب الفوز وكيفية التعامل مع الهزيمة والإعلام.
المهيري: طرد الحسن صالح في السوبر خير دليل
ضرب إبراهيم المهيري، المحلل التحكيمي، مثالاً بغياب الثقافة الرياضية، بما فعله المدافع الحسن صالح، لاعب الشارقة، في مباراة السوبر أمام شباب الأهلي، وعرضه للطرد في المباراة، وإيقافه بعد ذلك 3 مباريات بالدوري، رغم أن اللعبة كانت خارج الملعب، قائلاً: «الثقافة مهمة للاعب، يتم إكسابها له، وتعليمه إياها، من خلال محاضرات تثقيفية مهمة، ومكان الحسن في تلك المباراة لا يحتاج للطرد، وهذه واقعة مهمة للغاية وقريبة، وكانت مؤثرة في مباراة بطولة». وقال إبراهيم المهيري: «لدينا العديد من الحكام القدامى، الذين يمكن الاستعانة بهم في أنديتنا لتثقيف اللاعبين في كافة الجوانب الحديثة في عالم الكرة، لكن إدارات أنديتنا لم تسع للاستفادة من الحكام القدامى في هذا المجال، بعكس أندية أوروبا». وقال المهيري: «تحضرني واقعة، حدثت له منذ سنوات طويلة، عندما تواجد فريق أوروبي في معسكر بالدولة عام 2009، وبعدما انتهيت من مباراة ودية للفريق، مع آخر أوروبي أثناء معسكرهما على أرض الدولة، وجدت حكماً دولياً كبيراً مع أحد الفريقين يدخل علي بعد المباراة، وسألته عن سر وجوده، فأخطرني أنه يعمل في الجانب التثقيفي بالنادي الأوروبي، وشرح لي العديد من الأدوار التي يقوم بها داخل فريقه، ومن هنا وجدت الفكر المختلف بين ملاعبنا وملاعبهم.
عبدالله صالح: التربية الأسرية المنبع الأساسي
اكد عبدالله صالح لاعب الفجيرة أن: «الثقافة ليست مرتبطة باللاعب فقط، بل يجب ربطها بالإدارات، خاصة بالأندية وكذلك فرق الكرة المختلفة، وقبل أن نقوم بتثقيف اللاعب، علينا أن نقوم أولا بتثقيف الإدارات لكي تقوم بتوصيل الفكرة التي تريدها إلى اللاعبين، وأنا مثلاً موظف ولاعب في نفس الوقت، ونعلم أن الكرة عبارة عن احتراف ووظيفة، حيث أعمل بالوظيفة صباحاً، وبالكرة مساءً».
أضاف: «في مثل هذه الحالة من الصعب أن أقوم بالبحث عن الثقافة لتواجدي ما بين العمل الصباحي والمسائي، ولكن من الممكن أن تكون لدي معلومات كروية وليست ثقافة بالمعنى الشمولي الواسع».
وواصل: «الثقافة أربطها في المقام الأول بالتربية، والمقصود به البيت الذي ينشأ فيه اللاعب، ونحن في مجتمع محافظ بنسبة كبيرة وأرى أن هناك عناصر لم يتحصل عليها اللاعب بالتعليم، لكن التربية في المنزل جعلت الالتزام عنوانا لهم، والبيت العائلي له دور في الثقافة، ومن الخطأ أن الأندية لا تبحث عن اللاعب المثقف، بل تهتم باللاعب صاحب المهارات في المقام الأول.
وقال: «لم أعش أي فقرات تثقيفية في الأندية التي لعبت لها سواء في الشعب أو الوصل من قبل، ولكن ما حصلت عليه محاضرات خاصة عن النزاهة والحكام وأمور بسيطة وكيفية التعامل والتحدث مع الإعلام ولم أر مبادرات من الأندية لكي نقوم بها».
وتابع: «قبل كأس آسيا التي جرت على أرض الدولة، قمت بمبادرة شخصية مني للأيتام في كأس العالم للأيتام، ودخلتها باسم نادي الوصل، ولكن المبادرة كانت شخصية مني فقط، وأرى أن معظم أنديتنا لا تهتم بالثقافة المجتمعية، ومثل هذه الأمور تأتي من جمعيات خارجية».
بدر رجب: 3 أضلاع مهمة للبناء السليم
قال بدر رجب المدير الفني لقطاع المراحل السنية بنادي الجزيرة: «يعتمد تثقيف اللاعب الناشئ على فلسفة تعامل المدرب، من خلال غرس روح حب الوطن والنادي واللعبة في نفوس اللاعبين الصغار، مع الوضع في الاعتبار أن المراحل السنية الصغيرة تكون معرضة للنسيان السريع، والاهتمام بالنواحي السلوكية مهم للغاية من البداية، وهذه الأمور يتم تكوينها بين 3 جهات، البيت والمدرسة والنادي.
وأضاف: «لابد أن يكون هناك ربط بين النادي والبيت والمدرسة من خلال الثواب والعقاب في أمور معينة، وتكون مرتبطة ببعضها البعض، من أجل بناء لاعب للمستقبل».
وتابع: «من سن 9 سنوات نهتم كثيراً ببناء ثقافة النادي من خلال المشاركات، وسلوك اللاعبين الصغار مهم للغاية، وهناك اهتمام كبير داخل قلعة نادي الجزيرة ببناء جيل مثقف رياضياً ومجتمعياً، ولدينا أفضل أكاديمية على مستوى الدولة بشهادة الجميع».