المرأة البخيلة في عصر الأزمات المالية المتلاحقة
حان موسم الإسراف والتبذير إذن فنحن نقترب من عيد الفطر، والواقع انه حتى خلال الشهر الفضيل كان الإسراف سلوكاً يومياً ومجتمعياً وفي كل شيء، فهناك إسراف في تجهيز الطعام ثم إسراف في تناوله وبعدها إسراف في رمي كميات كبيرة منه في حاويات القمامة، ثم هناك إسراف في النوم، يا سلام على النوم في شهر رمضان، كأنه يختلف عن النوم في بقية أيام الله..
وبالرغم من أن الأزمة المالية العالمية لا تزال تلاحق الناس في الشرق والغرب غير أن الحال لدينا في شهر رمضان ليس له علاقة بما يدور في العالم من أزمات، فالصرف والتبذير على الفاضي والمليان كما هو لم يتغير ويبقى مطلوباً ومحموداً وقد يتغير الحال في كل الشهور إلا في هذا الشهر الكريم..
غير انه لا يمكن تجاهل تأثير الأزمة المالية العالمية على نمط الحياة وعلى سلوكيات الناس لدرجة أن هناك مفاهيم تغيرت وتحورت لتتناسب مع الحالة الاقتصادية والاجتماعية لدى كثير من الشعوب.
وأكثر ما أثار إعجابي من تلك المفاهيم التي بدأت تأخذ اتجاهاً مغايراً عن المألوف هو دراسة بريطانية وجدت أن الرجال يفضلون المرأة البخيلة، بينما استمرت النساء بطبيعة الحال بحب الرجل الكريم..
غير أن الكرم الزائد عن حده يتحول إلى نوع من الإسراف والتبذير فهناك خط فاصل بين التبذير والكرم تتداخل كلما كان هناك نوع من الإفراط والإسراف.
والتبذير فيه تفريط بالمال أما البخل ففيه تفريط بالحقوق، والحكيم هو الذي يعرف قيمة المال ويضعه موضعه ولا يجعله بديلاً عن أمه وأبيه وصاحبته وبنيه، كما لا يكون عبده فهو سيد سيئ لكنه خادم أمين. غير أن التبذير والتقتير كلاهما مذموم لأنهما يوقعان الإنسان في شرك المعصية ومزيد من الأنانية، فالمبذر يسرف رغبة منه في الاستعراض أمام الناس الذين قد يصفونه بالكريم وهو ليس كذلك، وبأنه ثري ولا يهمه كيف ينفق المال، أما البخيل المقتر فهو غير مهتم بمديح الناس أو ذمهم له إلا أن الحرص والطمع يدفعانه إلى تجميع الأموال ومنعها عن نفسه وعن أقرب المقربين إليه وحتى عن أبنائه.
ومن المعروف أن ليس كل ما لدى الإنسان من مال هو حق خاص به وحده، فهناك جزء هو حق للفقراء والمحتاجين ولذلك كان التبذير في المال الذي بين يديك تبذير بحقوق هؤلاء الذين ننسى وجودهم في كثير من الأحيان، فالإنسان مسؤول أمام الله أولاً وأمام عقله وأمام مجتمعه فيما يجب أن يفعله بماله..
غير أن مسألة ترشيد الإنفاق صارت ملحة هذه الأيام، فإذا كان صناع القرار والحكومات وكبريات الشركات تنادي وتقوم حالياً بترشيد الإنفاق وخفض النفقات لمواجهة التحديات الجديدة في عالم هذا اليوم والأزمات المالية المتلاحقة فلابد أن تنتقل العدوى الى الناس، ولذلك كانت هناك كلمة ترشيد الإنفاق وليس خفض النفقات وصار مصطلح ترشيد كلمة جميلاً وغاية نبيلة يطمح الجميع لبلوغها في ظل الأزمات المالية المزمنة والخانقة..
فالترشيد جاء من الرشد والرشاد وهو الطريق الوسط الذي لا إفراط فيه ولا تفريط وهي سمة الدين الرشيد والطريق الرشيد، وهو سبيل الرشاد، والأمر الرشيد، والقرار الرشيد هو الأمر الذي يراعي كافة المصالح بحيث يوازن بينها ولا يهمل شيئاً منها.
وهذا يعني انه لابد من سلوك المنهج الوسط في الإنفاق فلا إسراف وهو التبذير، ولا بخل وهو التقتير وجاءت الكلمة وسطاً بينهما.
وقد قرر القرآن الكريم هذه المنهجية في إنفاق عباد الرحمن بمختلف هيئاتهم ومستوياتهم وتشكيلاتهم، في قوله تعالى: «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً»..
ومفهوم الترشيد يشمل تقليص ما هو غير ضروري، لكن مع بقاء الحد المسموح به، فإذا زاد التقليص عن هذا الحد به صار الأمر تقتيراً، وإذا تجاوز هذا الحد صار الأمر تبذيراً.
المصدر: أبوظبي