شروق عوض (دبي)

أكد معالي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي، وزير التغير المناخي والبيئة، أن النقاش المفتوح المتطلع إلى حماية مستقبل البشرية من تداعيات التغير المناخي، والذي يتم تداوله في قمة «الأمم المتحدة للعمل المناخي 2019»، على هامش أعمال الدورة الـ74 من اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، مهدت له دولة الإمارات الطريق في شهر يونيو الماضي، حينما نظمت «اجتماع أبوظبي للمناخ» الذي تم فيه مناقشة مدى التزام الدول بمساهماتها الوطنية المحددة وتعهداتها وفقاً لاتفاق باريس للمناخ، والتوجهات المستقبلية لرفع سقف هذه المساهمات والتعهدات، واتخاذ كافة الإجراءات العاجلة للتعامل مع تحديات التغير المناخي.
وأوضح معاليه في تصريحات لـ«الاتحاد»، أن دولة الإمارات استهدفت عبر الاجتماع تعزيز العمل العالمي من أجل المناخ، وخرجت منه بالتركيز على أن 2019 هو عام للتعاون الدولي من أجل خدمة البشرية لمواجهة التحدي الأهم الذي يهددها حالياً، عبر تحفيز الدول لمزيد من الالتزام والعمل من أجل المناخ وتعزيز نظرتها للنمو الاقتصادي الذي يمكن أن يحققه العمل من أجل المناخ، وحجم فرص العمل والصناعات الجديدة التي يمكن أن يخلقها، وقدرته على رفع مستوى الصحة العامة للبشر والبيئة عبر زيادة الاستثمارات الخضراء عالمياً، إضافة إلى تحديد الطرق والإجراءات الأكثر تأثيراً للحد من تداعيات التغير المناخي، والعمل على التكيف معها.

مخرجات اجتماع أبوظبي
وذكر معاليه أنه خلال «اجتماع أبوظبي للمناخ» ناقش صناع القرار والمسؤولون والمختصون المجتمعون عدداً من المواضيع المهمة، ومنها ملامح السياسات والمبادرات العالمية الخاصة بالعمل من أجل المناخ، وضرورة توحيد الجهود، والالتزام بالعمل الجماعي كونه الوسيلة الأمثل لمواجهة التحدي الأهم الذي يهدد كوكب الأرض حالياً، والسبيل لإيجاد الحلول الأنسب لواحدة من أكثر الأزمات الإنسانية إلحاحاً في عصرنا، كما تم خلال الاجتماع عرض أفضل الطرق المتاحة لمعالجة وتجنب الآثار الكارثية المحتملة للتغير المناخي والعمل على التكيف معها، والتركيز على الدور العالمي للشباب في العمل من أجل المناخ وطبيعة احتياجاتهم ومتطلباتهم لتعظيم دورهم وتحقيق تأثير فعلي على المستوى العالمي، وضرورة تطويع امتلاك الجيل الحالي وسائل الثورة الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي، ما يمكنهم من جذب المزيد من الانتباه لقضايا التغير المناخي وإعطاء زخم أكبر لجهود مواجهة تداعياته على كوكب الأرض، وطرح فكرة تضمين المواضيع البيئية المتعلقة بمخاطر التغير المناخي وقضايا التنمية المستدامة في المناهج الدراسية عالمياً، وتعزيز جهود نشر حلول الطاقة المتجددة حول العالم، ودعم مساعي الدول لخفض اعتمادها على الفحم، بالإضافة إلى مناقشة كيفية تحفيز الصناعات ذات الانبعاثات الكربونية العالية على التحول نحو اقتصاد خال من الكربون.
وقال معاليه: «تتجه أنظار العالم إلى مدينة نيويورك لمتابعة أعمال الدورة الـ74 من اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي انطلقت بتاريخ 17 سبتمبر الجاري، وتستمر لغاية يوم الاثنين المقبل، وبالأخص ما ستطرحه وتناقشه وتخرج به قمة «العمل المناخي 2019» المقامة على هامش اجتماعات الجمعية العمومية، من زيادة وتكثيف وتطوير منظومة العمل من أجل مواجهة تداعيات التغير المناخي والظواهر المناخية المتطرفة التي باتت التحدي الأهم الذي يواجه البشرية حالياً».
وأضاف معاليه: كل هذا الزخم في النقاشات شكل أرضية صلبة لما تطرحه قمة العمل المناخي المنعقدة حالياً، وبالأخص موضوعها الرئيس، والمتمثل في التركيز على المساهمات الوطنية المحددة التي تعهدت بها الدول ضمن اتفاق باريس للمناخ 2015، ومتطلبات تعزيز الالتزام بتحقيقها، من خلال التركيز على تقنيات تحول الطاقة، وتوظيف التكنولوجيا في مواجهة تغير المناخ، وتكثيف جهود التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص للوصول إلى الأهداف المنشودة باعتبار أن المساهمات الوطنية المحددة أداة فعالة وطويلة الأمد لتعزيز التعاون بين مكونات المجتمـــع كافـــة قطاعات ومؤسسات وأفراد، إضافة إلى ضرورة تبني سياسات محددة للعمل على خفض نسب الكربون وإزالتها بشكل تدريجي من قطاعات الطاقة والنقل، والاستغناء عن الفحم بشكل تدريجي، والسياسات المتعلقة بالوقود الأحفوري، وتسعير الكربون، ومبادرات استصلاح التربة، وطرح مجموعة من الإجراءات مثـــل زيادة الاهتمام بالقطاع الصحي لحماية حياة الملايين من تداعيات التغير المناخي، وذلك عبر تعزيز مستوى الصحة العامة وخـــدمات الرعاية الصحية.

مبادرة الإمارات
وأكد معاليه أن العنصر الأهم في النقاشات التي تتناولها القمة يركز على ضرورة رفع دول العالم كافة لسقف مساهماتها الوطنية المحددة وزيادتها بما يضمن القدرة على مواكبة سرعة تفاقم أخطار تداعيات التغير المناخي، مضيفاً أنه كبادرة للتأكيد عن نموذج دولة الإمارات الفعال في العمل من أجل المناخ، ما أعلنت عنه حول القيام برفع مساهماتها الوطنية المحددة الطوعية، وهو مؤشر على قيادة الدولة لقاطرة الجهود العالمية التي تعي فعلياً حجم الخطورة والتهديد الذي يمثله التغير المناخي على مستقبل البشرية والكوكب بشكل عام.

تداعيات سلبية
وأشار معاليه إلى أن تداعيات التغير المناخي والتأثير السلبي للاحتباس الحراري لا تعرف الحدود بين الدول، ولذا يتوجب التعامل معها عالمياً عبر جهود موحدة ومكثفة تشمل الكوكب ككل ولا تقتصر على المناطق المتضررة أو القادرة على الإنفاق فحسب، حيث تواجه البشرية حالياً ارتفاع مستوى غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، ما يتسبب في تفاقم حدة الاحتباس الحراري ومعدل تلوث الهواء الذي يؤدي إلى وفاة 7 ملايين شخص حول العالم سنوياً، وارتفاع مستوى مياه البحار والمحيطات، والذي يمثل تهديداً كبيراً لكافة الدول والمدن المطلة عليها، وارتفاع درجات حرارة الكوكب، والذي يمثل التهديد الأهم لمنظومة الحياة بشكل عام.
وأكد أن نموذج دولة الإمارات في التعامل مع التحديات التي تفرضها تداعيات التغير المناخي يقوم على اعتبارها فرصاً سانحة لتحقيق نمو اقتصادي واجتماعي، حيث تستهدف استراتيجيات ورؤى الدولة زيادة نسبة الطاقة النظيفة من إجمالي مزيج الطاقة المحلي إلى 50% بحلول العام 2050، ما سيحقق بدوره حفضاً بنسبة 75% لمعدل الانبعاثات الناجمة عن قطاع الطاقة بشكل عام، كما حققت الدولة إنجازاً مهماً من خلال تسجيل التكلفة الأقل عالمياً لتوليد الكهرباء عبر استخدام الطاقة الشمسية، ودور الدولة في تقديم مساعدات تقدر بمليار دولار لنشر حلول الطاقة المتجددة في عدد من الدول النامية.
ولفت معاليه إلى أن تدشين مشروع «نور أبوظبي» للطاقة الشمسية بطاقة 1.1 ميجا وات، والإعلان عن مشروع جديد للطاقة الشمسية في منطقة الظفرة بقدرة إجمالية تصل إلى 2 ميجا وات، يمثلان نقلة نوعية جديدة في مسيرة الإمارات لتوسعة قاعدة استخدام حلول الطاقة المتجددة والنظيفة، كما تتمتع الدولة بنموذجين من التجارب، أولهما الطاقة الشمسية الكهروضوئية التي باتت أرخص مصدر للطاقة للدولة، بأقل من سنتين لكل كيلووات خلال النهار، مقابل سبعة سنتات للغاز الطبيعي، وثانيهما تجربة الدولة بالفرص الاستثمارية خارج قطاع الكهرباء، حيث تم خلال القمة الإعلان عن توسعة شركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك» لمشروعها لاحتجاز الكربون وعزله، وإزالة الانبعاثات والذي يعد الأكبر من نوعه عالمياً.
وأضاف: يشمل نموذج الدولة في التعاطي مع التغير المناخي كفرصة للنمو، جهود نشر حلول الطاقة المتجددة عالمياً، فخلال السنوات الماضية تمكنت شركة «مصدر» من استثمار ما يزيد على 12 مليار دولار، في تنفيذ ما يزيد على 49 مشروعاً للطاقة المتجددة على مستوى العالم، وباتت الآن تدير محفظة من الطاقة المتجددة تتجاوز قدرتها 4 ميجا وات.

رؤى إماراتية
وقال معالي ثاني الزيودي، إن دولة الإمارات تحرص عبر توجهاتها ورؤاها واستراتيجياتها كافة على تمكين الشباب وتعزيز مشاركتهم في رسم التوجهات والاستراتيجيات المستقبلية، كونهم الفئة الأكثر دراية بمتطلبات المستقبل والأقدر على إحداث تأثير في فئات ومكونات المجتمع كافة، حيث أطلقت الدولة من خلال وزارة التغير المناخي والبيئة مؤخراً استراتيجية شباب الإمارات من أجل المناخ والتي تهدف إلى توفير كافة الإمكانات والدعم اللازم لتعزيز مشاركة الشباب في العمل من أجل المناخ والاستفادة من قدراتهم في خلق حالة من التأثير والتحفيز المجتمعي، كما عكفت دولة الإمارات على تقييم تأثيرات التغير المناخي على الصحة العامة، والعمل على تطبيق منظومة للتكيف مع تداعيات هذا التغير لتفادي تفاقم تأثيرها وارتفاع تكلفة معالجتها، حيث اعتمدت منظومة متكاملة من الاستراتيجيات والمبادرات التي تستهدف تفادي ازدياد حالات الإنهاك الحراري، والأمراض الناجمة عن تأثيرات تغير المناخ، ورفع معدل جودة الهواء وخفض نسب الكربون.
وأشار معاليه إلى أن حركة التغير المناخي وتداعياته عالمياً باتت تفوق سرعة تحرك الدول لمواجهته، ففي كل أسبوع تشهد بعض البلدان كوارث طبيعية جديدة، تجبر أعداداً متزايدة من البشر على النزوح من مناطقهم، إضافة إلى تسجيل تقارير علمية عدة ارتفاع سرعة ذوبان الجليد في منطقة الهملايا، ما يؤكد أن الخطر والتهديد يزداد يوماً بعد آخر، ويتطلب تسريع وتيرة العمل، وتحقيق التزام فعلي لحماية البشرية والكوكب بشكل عام.
وكانت دولة الإمارات قد تعهدت وفقاً لاتفاقية باريس للمناخ، بتضمين ممارسات الاستدامة في كافة استراتيجياتها المستقبلية.

قانون اتحادي للمناخ قريباً
أعلن معالي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي وزير التغير المناخي والبيئة عن استعداد الدولة لاعتماد وإقرار قانون اتحادي للمناخ، خلال الفترة القليلة المقبلة، يستهدف وضع الإطار التشريعي المتكامل للعمل من أجل المناخ على مستوى الدولة بكافة مكوناتها، لتعزيز جهودها في تخفيف مسببات هذا التغير وتحقيق التكيف مع تداعياته.
جاء الإعلان خلال مشاركته في اجتماع اللجنة العالمية للتكيف على هامش اليوم الأول من أعمال قمة الأمم المتحدة لـ«العمل المناخي 2019»، وستشمل بنود القانون ضرورة قيام الجهات والمؤسسات المختلفة بتقييم التأثيرات المتوقعة لتداعيات التغير المناخي على كافة المشروعات المزمع العمل بها بشكل استباقي، وتقييم احتماليات تأثير هذه المشاريع على جهود تخفيف مسببات التغير المناخي والتكيف مع تداعياته.