«الفنر» رفيق القمر ينير ظلمات البر والبحر
كان الفنر “الفانوس” الوسيلة الرئيسة للإضاءة قبل دخول الكهرباء إلى الإمارات ودول الخليج. وكان يصنع من الحديد أو النحاس أو المعادن الخفيفة، ويصبغ بألوان عدة، أغلبها الأزرق لون البحر. وشكّل على مدى مئات السنين الضوء الذي يبدد الظلام داخل وخارج البيوت، فاقتناه الأجداد في البر والبحر وخصوه بالعناية لأهميته لديهم ومكانته حداً شبّه الشعراء محبوباتهم بضيائه. يقول أحدهم:
“والنور نوره من ترى الليل قداه
مثل الفنر ولا القمر يوم باني”
بينما في عصرنا الحالي، وبعد أن منّ الله سبحانه وتعالى على الدولة بنعم كثيرة، شهدت مقومات وعطاءات عديدة، من بينها الكهرباء والماء والبنى التحتية والبنيان الشاهق والتحضر والرقي والإنجازات في كل المجالات. لم تعمد الحكومة الرشيدة إلى إهمال الفنر، بل عملت عبر أندية التراث في أبوظبي وإمارات الدولة كافة على إحيائه كتفصيل تراثي مهم في الحياة اليومية لأجدادنا في البيئات البرية والبحرية والزراعية، فانتشر في القرى التراثية والمناطق القديمة كافة، وزيّن كبرى الفنادق والمؤسسات الرسمية، ليظل نبراساً لدى الأبناء ينير ذكريات الماضي ويذكّر بها.
شكل ومضمون
إلى جانب أهمية الفنر كوسيلة إضاءة فهو يتصف بشكل جميل، حيث يأتي “على شكل قارورة زجاجية “غرشة” بيضاوية لها علبة -قاعدة- معدنية، وشرائط تسوّر الزجاجة وغطاء صغير أشبه بقبعة لها حامل يمكّن الناس من حمل الفنر والتنقل به داخل وخارج البيت ليضيء لهم خطوات دروبهم، حيث يعمل بواسطة إشعال الفتيل بداخله، فقاعدته المعدنية تتيح صبّ الكاز داخلها فيبلل الفتيل الذي ينقل النار إلى الأعلى حيث القارورة الزجاجية. وكان الناس غالباً يقومون بطلاء الجزء المعدني من الفنر بلون أزرق أو أصفر أو بحسب الرغبة.
يسمى هذا الفنر محلياً -بحسب أحد إصدارات نادي تراث الإمارات- “بوفتيلة” لأنه يحتوي على فتيل أبيض اللون مصنوع من قماش شاشي سميك “الهدوب” يغمره الكاز إلى نصفه تقريباً، وبقية الجزء يظل مخفياً داخل القاعدة.
استخدامات كثيرة
توضح شيخة محمد- باحثة في التراث، كيفية استخدام أجدادنا للفنر، تقول: “كان الأجداد قديماً يشعلون الفنر بواسطة خوصة من سعف النخيل في الفتيلة الظاهرة داخل الغرشة، وثمة قرص في القاعدة يتحكم في قوة الإضاءة وضعفها يتم تدويره يميناً أو يساراً ليضيء الخيام والبيوت والعريش المصنوع من جريد النخيل، حيث في كل حجرة يوجد فنر معلق في سقفها أو أعلى أحد جدرانها، فيما نجد فنراً إضافياً يستخدم للتنقل به داخل أو خارج البيت.. كأن يحمله أحدهم عند ذهابه إلى البئر “الطوي” أو عند التنقل في فناء الدار “الحوي” أو لفتح الباب عند قدوم ضيف، أو خلال التجوال ليلاً في الحي”.
أحجام متعددة
للفنر أحجام عدة فمنه الصغير والكبير ومتوسط الحجم، ولكل فنر مكانه الخاص في البيت، كما يتم إعداده للإضاءة وفق مراحل عدة يشير إليها زايد المنصوري- استشاري في “نادي تراث الإمارات” واصفاً الفنر القديم: “كان تنظيف وإعداد الفنر للإضاءة يتم قبل المغرب، حيث تستخدم شيشة أو سيخ يربط برأسه قماشة مبللة ويمسحون قارورة الزجاج من الداخل كي تزيل الدخان عنها، كما يمسح زجاج الفنر من الخارج بقماش جاف لإزالة الغبار العالقة بسطحها. ويتم قص رأس الفتيلة المحروق ويجهزونها لشب النار في رأسها، ويحركون قرصاً أو مفتاح القاعدة للتحكم بمرور الكاز إلى الفتيل وحجم الإضاءة لئلا تكون النار قوية فيسوّد زجاج القارورة أو ينكسر ويتشظى بفعل النار”.
نوع آخر
يشير المنصوري إلى نوع آخر من الفنر، ويقول: “هناك أيضاً “التريك” وهو أيضاً أداة إضاءة تشبه الفنر لكنه أكبر حجماً، وله منفاخ يسمى “بمب” مثله مثل “الجوله- بابور الكاز” لكنه يعمل بواسطه مطهّر “السبيرتو” وكلما ضربوا المنفاخ زاد الضغط فيه وزاد نوره. وكان أباؤنا وأجدادنا يجلبون “الفنر والتريك” من الحجاز بعد استيرادها من بلاد الشام، أو يشترونها من التجار القادمين من إيران والهند”.
وبذا كان الفنر لدى أجدادنا شريك الشمس والقمر حيناً وبديلهما في الليالي المظلمات حيناً آخر، رافقهم في البر والبحر وبدد الوحشة وأنار الدروب.
المصدر: أبوظبي