الديني يلتقي بالدنيوي في إبداعات أحمد خليل
تأثر الفنَّان التشكيلي أحمد خليل بأعمال أستاذه الفنان عمر النجدي وبدأ منذ السبعينيات من القرن الماضي إنتاج أعمال فنية تعتمد على توظيف الحرف والخط العربي داخل اللوحة من دون الالتزام بقواعد هذا الخط، حيث استخدم الحروف بطريقته الخاصة في محاولة لابتكار أشكال وصياغات تشكيلية جديدة للخط لها علاقة بجماليات الحرف الشكلية لا اللفظية، لما يملكه الحرف العربي من جماليات قادرة على التشكيل في صور لا نهائية في استلهام لتراث الفن الإسلامي الذي بدأ مع الكتابات العربية.
وأكد أحمد خليل تأثير طريقة التعليم التي تربى عليها في القرية على منهجه الفني، وتذكر كيف كان الشيخ حسن يجمع الأطفال في يوم الجمعة بكُتّاب القرية للرسم بحرية تامة، وكذلك الدروس التي تلقاها فيما بعد في تحسين الخطوط، والتي بدأ بعدها ظهور شخصيته والاعتماد على الذات حين كان مدرس الرسم في المرحلة الإعدادية يتركهم يرسمون ما يحلو لهم بلا توجيهات تثبط الحس الإبداعي.
وحاول أحمد خليل من خلال تجربته مع الخط العربي وحروفه البحث عن هوية مصرية عربية، واستمر على ذلك ما يقرب من 6 سنوات واصل خلالها تطوير رؤيته للحروف العربية التي بدأت تأخذ منحى الزخرفة الإسلامية في عملية من التسطيح واتخاذ منظور عين الطائر متأثراً بأعمال الفنان العراقي محمود الواسطي الذي رسم مقامات الحريري، وهو يعيد فكرة التسطيح في الفن الإسلامي إلى عقيدة التوحيد الراسخة في روح الفنان المسلم وعلى أساسها قام بتحوير وتعديل معالم الطبيعة ونسبها وأبعادها وفق رؤيته الخاصة التي تعبر عن إيمانه بوحدة الوجود.
جماليات الحرف
وأضاف أن اهتمامه بجماليات الحرف العربي الذي يشكل عنصراً مهماً من هويتنا جاء مدخلا مستقلا عن تجارب الفنانين السابقين، لإنتاج فن إسلامي حديث يؤدي فيه الحرف وظيفة جمالية محددة، مؤكداً عدم اتباعه خطوات أستاذه عمر النجدي في أعماله الحروفية، وأن ذلك كان نوعاً من تقريب العمل الفني من المتذوق العادي بالاتصال البصري المباشر بشكل اعتاد عليه، حيث إن شكل الحرف العربي داخل لوحاته بسيط وواضح، فهو ضد انعزالية الفنان.
وقال إنه لم يكمل تلك التجربة معتقداً عدم نجاحها، حيث لم يكن في اهتمام الفنانين آنذاك الاتصال بالناس وإنما بالعمل نفسه.
وبعد تلك التجربة، سافر الفنان أحمد خليل للعمل في السعودية، وكانت زيارته الأولى للكعبة المشرفة بالغة الأثر في نفسه واهتزت بها مشاعره وأصيب بحالة وصفها بالغربية، جعلته يمكث بعد ذلك ليسجل الكعبة في جميع أوقات اليوم وشكلها في تكوين اللوحة بلفظ الجلالة مثل إحساس بما يردده الطائفون حولها، واستمر في إنتاج أعمال عنصرها الأساسي الكعبة لعدة سنوات.
وقال إنه أقام بعد عودته من رحلة العمل بالسعودية عدداً من المعارض موضوعها الخط العربي، وكان يكتبه بالخط النسخ تسهيلاً لقراءته، مع اللعب قليلاً في شكل الحرف خاصة إنتاجه في الثمانينيات وأعقب ذلك تنوعات لتشكيلات مختلفة لحرف الـ”و” فقط.
وأكد أحمد خليل أن كل ما أنتجه خلال حياته الفنية يختلف تماماً من الناحية النفسية عما أنتجه خلال السنوات الثلاث الماضية، تلك التي أعقبت عودته من الصين بعد إجراء عملية جراحية لزرع كبد، حيث اعتبر عمره الجديد - كما يسميه - إعادة حياة من الله منحها إياه كإضافة لسنوات عمره السابقة، وبدأ التحول في طريقة أدائه وتعامله مع المحيطين.
وقال إنه عاد ليعمل في رحاب الله وأن الفن واحد واللون بالألف وإذا كان هيرودوت قال إن مصر هي هبة النيل، وقال سليمان حزين إن مصر هي هبة الإنسان المصري، فإن الفنون التطبيقية - تخصصه الرئيس - هي هبة تذوق الإنسان المصري للحياة، حيث تدخل تلك الفنون في كل مناحي الحياة، والفنون الإسلامية جزء أصيل منها.
وأضاف أنه بعد العملية الجراحية أحس بأنه يعيد شبابه في الفن واتجه نحو الفن الإسلامي؛ لأن الله أعاد إليه الحياة والتزمت أعماله الفنية بتشكيلات متنوعة من لفظ الجلالة كنوع من التقرب إلى الله، وذلك دون استخدام نمط خطي معين، وأنه تعامل مع لفظ الجلالة بروحانية كبيرة لعشقه له والتي يرددها باللسان واللون، ويدونها على كل ما يقع تحت يده من خامات مختلفة، كما أنتج في تلك الفترة ما يقرب من 30 عملاً فنياً للكعبة المشرفة باعتبارها مركز الكون ومنطقة التواصل بين الأرض والسماء.
وقال إنه يتجه حالياً لرسم الزهور بأسلوب تعبيري تجريدي حينما أحس بفقدان الألوان من حوله، والزهور جزء من الطبيعة التي أبدعها الله، وانه وقع لا شعورياً تحت تأثير هذا الموضوع بلا تعمد، معتبراً أنه إذا وُجد اللون وجد الحب في معناه المطلق، وأنه يعيش مرحلة لونية جميلة يمكن أن يطلق عليها “فن اللحظة”.
التصوير والزخرفة
عاد أحمد خليل ليؤكد أن الفن الإسلامي يتميز بأنه يمثل حلقة متصلة، ويعتمد في جمالياته على عدم الفصل بين التصوير والزخرفة، وإذا كان الفن الإسلامي يتعلق بالزخارف والنقوش ولوحات الخط والمنمنمات وأنماط العمارة والزركشة، والتصاوير المعلنة أوالخفية، وعلى فنون السجاد والنسيج والزجاج وزركشة وكتابة المصاحف والمخطوطات، والفخار وزينته والخزف وصناعته والنقش عليه، فقد أفاد منه في أعماله الإبداعية من حيث الأسلوب، موضحاً أنه تناول الفن الإسلامي بلا قصد، كجزء من طبيعة إنسانية وفطرية، وهو ما يشكل المنهج الأصيل للفن الإسلامي، حيث التقاء الدنيوي التاريخي بالمقدس الديني.
المصدر: القاهرة