فاطمة عطفة (أبوظبي)
استعادت الموسوعة الشعرية في دائرة الثقافة والسياحة -أبوظبي، مساء أمس الأول «الاثنين»، في منارة السعديات، سيرة الشاعر العربي الأكبر، الذي ملأ الدنيا وشغل الناس الشاعر أبوالطيب المتنبي، وسلطت الضوء على ظاهرة الحكمة في شعره وحياته، وطبيعة علاقته بالسلطة ممثلة في علاقته بسيف الدولة الحمداني، وذلك في ندوة ثقافية أقيمت في ذكرى مرور 1054 عاماً على وفاته، تحت شعار: «المتنبي.. وما يزال مالئ الدنيا وشاغل الناس»، شارك فيها: الدكتور مفلح الحويطات من الجامعة الأردنية، والدكتورة هناء صبحي من جامعة السوربون أبوظبي، والشاعر جرير الكعبي الذي ألقى أبياتاً من قصائد المتنبي ورافقه عزف على العود للعازف محمد سعيد من بيت العود في أبوظبي.
وفي بداية الندوة أكد الكاتب والأديب الإماراتي جمال مطر، أن المتنبي يعد من أهم الشعراء العرب وما يزال شاغل الناس على الرغم من مرور 1054 عاماً على وفاته، وقصائده ما زالت خالدة وتحصد إعجاب جيل اليوم والأمس.
وقبل أن تتطرق لملامح الحكمة في شعر المتنبي، قدمت د. هناء صبحي لمحة موجزة عن سيرة الشاعر ونسبه إلى قبيلة كندة، مستعرضة لمحة من حياته التي عاشها في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب، مشيرة إلى أنه نظم أولى أشعاره وهو في التاسعة من عمره، كما اشتهر بمثابرته وحدة ذكائه وحكمته، مؤكدة أن «الحكمة» هي المفتاحُ السحريّ العجيب الذي فتحَ به كل القلوب.
ثم تناولت مصادر الحكمة في شعره، وحصرتها في نوعين: يتمثّل المصدر الأول في كون المتنبي يتمتع بموهبة فطرية، حيث برع في نظم الشعر منذ نعومة أظفاره كما كان ذا ذكاء مفرط وحافظة قوية وبديهة حاضرة وفكر منظم، فيما يتمثل المصدر الثاني في ارتحاله في مستهل شبابه إلى البادية حيث صاحب الأعراب وأخذ عن شيوخِهم كثيراً من شوارد اللغة. ورجع إلى الكوفة شاعراً حاذقاً عالماً باللغة وأسرارها. وأشارت د. صبحي إلى اختلاف النقاد في شخصية المتنبي وشعره، بين من يراه مغروراً متكبراً، ومن يراه فذاً لم تُنجب العرب مثله على مرّ الزمان، وقالت: «ولو لم يكن كذلك لما بقي خالداً إلى يومنا هذا وها نحن نحتفي اليوم به بعد مرور أكثر من ألف عام على وفاته»، ولفتت إلى صعوبة بل استحالة ترجمة شعر المتنبي، إذ «يُمكن ترجمة المعنى ونقل المفردات إلى اللغة الأخرى لكن لا يمكن لهذه اللغة أن تحتوي جمال القافية وموسيقى الأبيات وشعرية النصّ».
أمّا الدكتور مفلح الحويطات فقدم ورقة تحمل عنوان «جدل الشعر والسلطة، قراءة في البعد غير المعلن من علاقة المتنبي بسيف الدولة»، وقال: إن استجلاء الإشكالية التي جسدها شعر المتنبي في علاقته بالسلطة السياسية القائمة في عصره، لا يكتمل إلا بتفحص العلاقة التي قامت بين المتنبي وسيف الدولة الحمداني على مدى ما يقارب تسعة أعوام، مشيراً إلى أن المدقق في شعر المتنبي في هذه الفترة يلحظ ملامح الصراع الخفي الذي يتمظهر بأشكال من المواربة وعدم التصريح، وقد تبدى ذلك أكثر ما تبدى في سعي الشاعر وحرصه المتكرر على الإشارة إلى شعره والدور الذي لعبه في نشر شهرة سيف الدولة، وتخليد انتصاراته وبطولاته بين أهل الشرق والغرب، وهو يقيم تلازماً واضحاً بين أمجاد سيف الدولة وهذا الشعر، على نحو يوحي أن لا سبيل إلى فصل أحدهما عن الآخر.
وأشار الحويطات إلى أن حجم المكتوب عن المتنبي قديماً وحديثاً، فضلاً عن آلاف الدراسات التي تناولت شعره وما زالت، تشكل معضلة بالتأكيد تواجه كل من يحاول دراسة المتنبي أو الاقتراب من عالمه، ثم تابع: «ولكن من قال إنّ النصوص يمكن أن ينتهي فيها القول؟ إنّ هناك كما يقول روبيرت إسكاربيت على الأقل ثلاثة آلاف طريقة لارتياد الحدث الأدبي ودراسته. ثم إنّ جل ما كتب عن المتنبي كان عن الشخص وليس (الشاعر)، وحتى ما كتب عن شعره فإنه كان يتشكل بتأثير من هالة الشخص أكثر من انطلاقه من دراسة الشعر ذاته».
واختتمت الندوة بحفل توقيع كتاب «شعرية الصراع.. مقارنة نصية في شعر المتنبي» تأليف مفلح الحويطات الصادر عن مشروع إصدارات في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي.