أحمد الهواري: الحروف العربية متعة للعين واللسان
بدأ فنان الخط العربي أحمد الهواري علاقته بالحروف العربية منذ أن وقعت يداه على اللوحة المشهورة للخطاط حليم أفندي “هو الله” وحاول أن يكتبها ويحاكي شكل الحروف فيها على سبورة مدرسته الابتدائية الأزهرية بالطباشير الأبيض مستخدماً اصبع الطباشير بعرضه في محاولة لتقليد سمك الحرف في تلك اللوحة وسط ثناء وانبهار أقرانه في الصف الدراسي، حتى عرفه المدرسون الجدد من خلال ثناء زملائه.
ويقول الهواري إنه لم يكن يعلم سر تعلقه في فترة دراسته الابتدائية بتلك اللوحات التي كانت تقع عليها عيناه في شوارع بلدته بمحافظة دمياط، وذلك الإعجاب الذي يعتريه كلما نظر إلى تلك اللوحات أثناء مروره عليها، ولكنه كان يحس بمتعة وجدانية جعلته يمعن التفكير في كيفية كتابة تلك اللوحات الخطية، حتى أنه عندما وجد لوحة حليم افندي “هو الله” لم يكن يعرف نوع الخط الذي كتبت به أو اسم الخطاط الذي أبدعها، وكان يجول في داخله الجمال المحض الذي يراه من خلال حركة الحروف وشكلها في فراغ الورقة.
وأضاف أنه تعرف بعد ذلك على صديق أوضح له أن اللوحات الخطية تكتب بقلم البوص، وبالفعل أحضر قلم البوص إلاّ أنه عجز عن أن يقطعه كما هو معهود الآن في عالم الخط، ولكنه قام بقص قطعة واحدة وحرف سنها، ثم بدأ يكتب بها محاولاً أن يكون الخط جميلاً، ولم تكن لديه أدنى فكرة عن القواعد الأصولية لهذا الفن.
وفي السنة النهائية للمرحلة الثانوية شعر برغبة ملحة في الالتحاق بإحدى الكليات الفنية، خاصة كلية الفنون الجميلة بعد أن تزايد عشقه لفن الخط والرسم معاً، ولكنه علم أن الأزهر لا توجد به هذه الكليات النوعية أو ما يقابلها، وافتتحت في ذلك الوقت أول مدرسة لتحسين الخطوط العربية في محافظة دمياط بمدينة الروضة، فقرر الالتحاق بها، وكان أثناء دراسته في المرحلة الجامعية يذهب إلى الكلية صباحاً، وفي المساء يتلقى تعاليم قواعد فن الخط في مدرسة تحسين الخطوط، إلى أن حصل على دبلوم الخط العربي، وكان ضمن قائمة الأوائل على مستوى مصر.
وأوضح أنه بدأ مرحلة أخرى من الدراسة، بعد لقاء الخطاط أحمد فارس أثناء حفل تكريم الجمعية المصرية العامة للخط العربي في مركز الإبداع بالإسكندرية وشاهد لوحاته الخطية وانبهر بها، معتبراً أن ذلك هو فن الخط الحقيقي، وتتلمذ بعد ذلك على يديه لقرابة ثلاث سنوات في دراسة خط الثلث الجلي، وكان يأتي إلى القاهرة من دمياط أسبوعيا لهذا الغرض.
آفاق جديدة
وقال الهواري إنه اعتمد في دراسته لخط الثلث الجلي على توجيهات أستاذه التي كانت تفتح أمامه آفاقاً جديدة من الرؤية، ومعرفة التشريح الجمالي للحروف، ومن خلال ذلك استخرج حروف الخطاط سامي أفندي الموجودة على سبيل “سيركه جي” وقام بتحليلها ودراستها، وأقام عليها الكثير من المقارنات بعد النظر إلى أعمال تلاميذه أمثال محمد أمين ومحمد نظيف، وأثناء ذلك كان أستاذه يوجهه إلى النظر والاستفادة من حروف بعينها في لوحات معينة، ويوضح له أن هذا الحرف نموذجي ويجب عليه دراسته، واستفاد من طريقة تشريح الحرف.
وأكد أن تعلم الخط العربي يعتمد على الفهم العميق والدقيق لاتجاهات القلم في كل جزء من الحرف فحينما تربط شكل الحرف العام باتجاهات القلم في أجزائه سوف تخرج حرفاً سليماً، فالخط، خاصة خط الثلث الجلي له قواعد صارمة لا ينبغي الخروج عليها.
وحاول أحمد الهواري أن يكون اللفظ بشكل يعبر عن فحواه ويشعرك وكأن اللفظ يفيض بالمعنى، وتفتحت أمامه عوالم جديدة من الإبداع الفني ويعتقد أن فن الخط العربي ينفرد بها وأهمها إثراء المشاهد بالمعنى في شكل حرفي جميل وحاول تحقيق ذلك في أولى لوحاته باستخدام تكوين الحرف وشكله الجمالي في رسم صورة راقية للمعنى، حيث ركبه في تلك اللوحة “يا رجائي” تصاعدياً لأن الرجاء من الأدنى للأعلى وقام بعمل تناظر بحروف الألف تشعرك وكأنها الأذرع المرتفعة بالرجاء إلى المرجو منه عز وجل في وسط محراب زخرفي.
وأشار الهواري إلى أن أساس اختياره لممارسة فن الخط العربي كأحد أنواع الفنون كان وراءه التفرد العجيب لفن الخط وتخصيصه للأمة الإسلامية عن سائر الأمم الأخرى حيث يخرج الحرف عن معناه اللفظي إلى تشكيل جمالي يمتع الروح التي لا تنسى ارتباطه الخالد بالقرآن الكريم، موضحاً أن فن الرسم يخاطب البصر، أما فن الخط العربي فيخاطب البصر بجماله واللسان بنطقه، ولذلك فهو أقرب الوسائل في التعبير وأقواها وأمتعها على الإطلاق.
كتابة المصحف الشريف
يتمنى فنان الخط العربي أحمد الهواري أن تظهر له تجارب مميزة أخرى جديدة في هذا الاتجاه الفني وهوية خاصة به مع الارتقاء بمستواه الفني وخدمة فن الخط، معتبراً أن أهم ما يرجوه مثل جميع الخطاطين تتويج مجهوداته في مجال الخط العربي بكتابة المصحف الشريف ونشره للنفع في الدنيا والآخرة، وهي الغاية العليا له وثمرة عشقه لفن الخط العربي.
المصدر: القاهرة