طوفان باكستان ورسالة الإمارات الإنسانية
في هذه الأيام وطوفان باكستان يتفاقم ونحو ثمانية ملايين إنسان تشردوا وتقطعت بهم السبل، ولأن ذلك الطوفان حدث في بلاد قريبة نسبيا منا جغرافيا ودينيا وإنسانيا واجتماعيا، فإن الناس تعايشوا مع الحدث وتعاطفوا مع المتضررين والناجين من طوفان الماء الذي نحبه ولا نستغني عنه في حياتنا اليومية، لكن نراه الآن وقد تحول إلى نقمة ولعنة، فقد دمر كل الحياة في تلك المساحات الشاسعة من بلاد باكستان فأهلك الحرث والنسل وغمر كل شيء في طريقه..
وعجيب أمر الطوفان فإن له على مر العصور ارتباط بحياة الإنسان حتى لو كانت نتائجه وخيمة وقد ارتبط بالأساطير والحكايات كما ارتبط بطقوس وتقاليد، أول طوفان تشهده الأرض كان طوفان نوح عليه السلام الذي أرسله الله لغسل الأرض وتنظيفها من الخطايا، ومن عصيان الناس في ذلك الوقت لدعوة نوح عليه السلام..
وفي مصر الفرعونية ارتبط هذا الفيضان بطقوس شبه مقدسة، حيث كانوا يقيمون احتفالات وفاء النيل ابتهاجا بالفيضان. كما قاموا بتسجيل هذه الاحتفالات في صورة نحت على جدران معابدهم ومقابرهم والأهرامات لبيان مدى تقديسهم لهذا الفيضان.
أما في هذه الأيام المباركة فقد يكون الثمانية ملايين باكستاني قد نجوا فعلا من الفيضان العظيم، لكنهم لم يصلوا إلى بر الأمان بعد، فأ??وضاعهم المأسوية لا تزال تهدد حياتهم بالخطر، فيما تواصلت موجة نزوح ساكني من المناطق المهددة بالفيضانات والتي كما يقول خبراء الأرصاد لا تزال معرضة في أي وقت لموجة أعنف من الفيضانات.
هناك حالة من الذهول على ما يبدو والتخبط والضياع تعيشها البلاد وهذه حال كثير من بلاد المسلمين عندما تنزل بهم نازلة، وبالرغم من أن المساعدات والتبرعات تنهال على الناس الغلابة المنكوبين غير أنها لا تصل إليهم، والله أعلم إلى أين تذهب، غير أن مساعدات الإمارات التي تعمل القوات المسلحة الإماراتية على إيصالها بالتنسيق مع الهلال الأحمر، الذين رأيت طريقة عملهم عن كثب فهم يحرصون على توزيع المساعدات بأنفسهم في الأماكن التي تشهد أزمات وكوارث..
تعمل الإمارات بجهد وبجدية من أجل الإنسانية بشكل عام ومن أجل إغاثة شعب باكستان المنكوب هذه المرة، بوجه خاص ومن أجل مشاركة شعبية في الخير فقد خصصت الدولة حملة شعبية وطنية لجمع التبرعات تضافرت فيها جهود ونوايا المحسنين فتمكنت خلال يومين فقط من جمع مساعدات وصلت لأكثر من عشرين مليون دولار لإغاثة المنكوبين، بالإضافة إلى خمسة ملايين أخرى كانت قد تبرعت بها بشكل رسمي.
وما تقدمه الإمارات وشعبها ليس غريبا ولا يعد سابقة فهي تفعل ذلك في صمت كعادتها عندما تفعل الخير لأنها بلاد الخير، ولأنها تؤمن بأن لها رسالة وحضوراً قوياً على الساحة العالمية من أجل المساهمة في كل ما يخص البشرية على هذا الكوكب..
ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى يعطيها ويزيدها من فضله، والله يضاعف لمن يشاء، وما وجد من ثروة في هذه الأرض، ها هو يعم خيرا على الإنسانية أينما كانت وكلما احتاجت ليصل الخير إلى أقاصي الأرض ومغاربها، وذلك من فضل الله الذي استخلف على بلادنا حكامها الذين يوقنون بروح الإسلام وبرسالته السماوية ويتصرفون انطلاقا من تعاليم الدين الذي عرف بحب الخير لجميع خلق الله..
غير انه ومع كل تلك الجهود العالمية تبقى المأساة متفاقمة في باكستان، ويبقى الأطفال دائما هم الضحية لأنهم الأضعف فقد أعلنت الأمم المتحدة أن حوالي اثنين وسبعين ألفا من أطفال منكوبي الفيضانات مهددون بالموت بسبب المجاعة والأمراض.
وفي الوقت نفسه وحتى نعرف حجم الكارثة الإنسانية، فقد وزع برنامج الغذاء العالمي حصصا غذائية تكفي لمدة شهر واحد على مليونين ومئتي ألف شخص من المتضررين، إضافة إلى نصف مليون لاجئ ونازح وهو ما يقل عن المساعدات المطلوبة لإغاثة ثمانية ملايين شخص في حاجة ماسة إلى المساعدات الطارئة..
همّ آخر يشغل بال الباكستانيين الذين فقدوا منازلهم وأشياءهم، فهم يواجهون مخاوف من فقدان مصادر رزقهم ومعيشتهم مع بدء نفوق مواشيهم بسبب الجوع والمرض والغرق، إضافة إلى هلاك مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية بسبب الفيضانات..
المصدر: أبوظبي