ناصر الجابري (أبوظبي)

منحت دائرة تنمية المجتمع في أبوظبي، 18 رخصة لدور العبادة لغير المسلمين في الإمارة، كما أعلنت تسجيل قيد 5 دور عبادة أخرى، وذلك تنفيذاً للقرار رقم 59 لسنة 2018 الصادر عن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بشأن الاختصاصات الإضافية لدائرة تنمية المجتمع، باعتبارها الجهة المنظمة لدور العبادة في إمارة أبوظبي.
جاء ذلك خلال الحفل الذي نظمته الدائرة أمس في قصر الإمارات تحت عنوان «دعوة للتآلف»، بحضور معالي الشيخ عبدالله بن محمد بن بطي آل حامد رئيس دائرة الصحة، ومعالي الدكتور مغير خميس الخييلي رئيس دائرة تنمية المجتمع، ومعالي عويضة المرر رئيس دائرة الطاقة، والمستشار السيد علي الهاشمي مستشار الشؤون الدينية والقضائية بوزارة شؤون الرئاسة، إضافة إلى عدد من مدراء عموم الجهات الحكومية وممثلي السفارات وكبار القيادات الدينية من الطوائف المختلفة.
وأكد معالي الدكتور الخييلي، أن حفل تسليم رخص دور العبادة لغير المسلمين، يجسد المساعي التي تنتهجها إمارة أبوظبي، نحو تعزيز مبادئ الأخوة الإنسانية والمحبة والتآلف بين كافة شرائح المجتمع، بما يسهم في تعزيز سمعة الإمارة على المستويين الإقليمي والعالمي، باعتبارها داعية للسلام والتآلف المجتمعي والأخوة الإنسانية، حيث حرص الأب المؤسس المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، على تأسيس مجتمع متماسك، يتشارك الجميع فيه لبناء وتنمية ونهضة الوطن، كما قام بالعمل على الاهتمام والرعاية لكافة أطياف المجتمع، ما أسهم في أن تصبح أبوظبي أنموذجاً فريداً في صون حقوق الإنسان واحترام حقه في الحصول على حياة كريمة وآمنة ومستقرة.
وتابع معاليه: إن قيادتنا الرشيدة وبتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، تحرص على تحقيق كافة سبل العيش الكريم لأفراد المجتمع وتأمين احتياجاتهم وحقوقهم كاملة، بما يعزز من دورهم في الدفع بعجلة التنمية، حتى باتت بلادنا اليوم وجهة مفضلة للسكن والسياحة والاستثمار والعمل، مشيراً إلى أن الدائرة تعمل ومنذ انطلاقتها على توفير حياة كريمة لكافة أفراد المجتمع وضمان تحقيق التكاملية في القطاع الاجتماعي وتوفير أعلى معايير الرفاه والسعادة، علاوة على الاستباقية في التعرف على احتياجات كافة شرائح المجتمع، ما يعزز من جودة حياتهم.
ولفت معاليه إلى أن دور العبادة موجودة منذ عشرات السنين، وتعد أحد الشواهد التاريخية والحضارية للإمارة، إذ تحتضن كنيسة سانت جوزيف والذي تأسست منذ ستينيات القرن الماضي، إضافة إلى ما تم اكتشافه في موقع كنيسة ودير صير بني ياس، والذي يعد أول موقع مسيحي يتم اكتشافه في الدولة، ولذلك تواصل جهودها في تنظيم دور العبادة.
ومن جانبه، قال سلطان المطوع الظاهري، المدير التنفيذي لقطاع المشاركة المجتمعية والرياضة في دائرة تنمية المجتمع: إن حفل تسليم رخص دور العبادة، يصوغ مفاهيم جديدة في التعاضد الإنساني والتآزر، حيث تحرص الدائرة على تقوية النسيج الاجتماعي بين كافة شرائح المجتمع، وذلك وفق الخطط والمبادرات والمشاريع التي تنفذها الدائرة لكافة المستفيدين، وبما يحقق الأهداف التي وجدت من أجلها.
وأضاف: تحتضن إمارة أبوظبي مجتمعاً متنوعاً في ثقافاته وجنسياته، متوحداً في حبه وعطائه وخدمته للوطن، ولذلك عملت الدائرة وبالتعاون مع الشركاء، بوضع الأطر القانونية والسياسات والإجراءات التي تضمن لرعايا كافة الديانات ممارسة شعائرهم الدينية بكل يسر وسلاسة، بما يتوافق مع القوانين والنظم المعمول بها في الدولة، ودون المساس بأصالة العادات والتقاليد الإماراتية.
وأشار إلى أن الدائرة ومن منطلق دورها بصفتها الجهة المنظمة لدور العبادة في إمارة أبوظبي، التقت بكافة القائمين على دور العبادة والرموز الدينية من مختلف الديانات والطوائف وتم تعريفهم بالشروط الواجب توافرها والسياسات الواجب اتباعها، لكي تتمكن دور العبادة الموجودة في الإمارة من الحصول على التراخيص لممارسة أعمالها.

رجال دين: مبادرة لترسيخ الإخاء الإنساني والتآلف بين الجميع
أشاد عدد من القيادات الدينية من مختلف الأديان بدور إمارة أبوظبي وجهود دائرة تنمية المجتمع في ترسيخ قيم التسامح والتعايش والتآلف بين الجميع، حيث أصبحت الإمارات معلماً مشرقاً ومنيراً بوجود النموذج الحقيقي الناجح في اجتماع الثقافات والحضارات في أرض واحدة، وسط بيئة من السلام والطمأنينة، بما يجعلها تجربة متفردة ومتميزة بفضل الرؤية الحكيمة للقيادة الرشيدة الراعية لكافة الجهود التي تسهم في ترسيخ مفهوم الإخاء الإنساني.
ولفت كبار رجال الدين إلى أن إطلاق ترخيص دور العبادة ومنح التراخيص في المرحلة الأولى لدور العبادة القائمة، ووجود الرؤية تجاه استقبال الطلبات الجديدة في المراحل اللاحقة، يدعم الجهود المقدمة لتنظيم دور العبادة في أبوظبي وما تشهده من فعاليات وملتقيات، حيث يشكل وجود جهة محددة في الإمارة، عنصراً مساهماً في توحيد الجهود الداعية لنشر ثقافة التسامح وتعزيز الخطاب المشترك الذي يدعو إلى الحوار والتعايش في مواجهة خطاب الكراهية والعنف.
وقال المطران بول هندر النائب الرسولي في جنوب شبه الجزيرة العربية: إن دولة الإمارات تمثل منصة سلام عالمية بجهودها الرائدة والمتواصلة لتحقيق التواصل الحضاري المطلوب، وهو ما تجسد عبر الحرص على تنظيم اللقاءات الأخوية بين كبار قادة الطوائف الدينية، نظراً لأهمية الحوار في الوصول إلى المقترحات والتوصيات التي من شأنها الوصول إلى عالم أكثر استقراراً وأمناً، وهو ما تطمح الدولة لتحقيقه عبر مختلف المبادرات والتي تعكس نهجاً أصيلاً في دعم خطاب التسامح والتعايش.
وأضاف: إن الإعلان عن منح التراخيص لعدد من دور العبادة يمثل خطوة مهمة، لها العديد من الآثار الإيجابية ومنها إيجاد قناة حكومية للتواصل المباشر مع رعايا الطوائف في الدولة ووجود مظلة تشريعية حول الاشتراطات المطلوبة والإجراءات اللازمة لدور العبادة سواء القائمة منها أو الدور تحت الإنشاء أو الجديدة مستقبلاً، بما يسهم في توحيد الجهود الوطنية التي تهدف إلى ترسيخ قيمة التسامح باعتباره الأساس لتنمية المجتمعات وازدهار الشعوب.
ومن جهته، قال غريغورس خوري، مطران الروم الأرثوذكس في أبوظبي: إن تنظيم دور العبادة يعد خطوة داعمة لتوضيح كافة الإجراءات حول ما يقام في دور العبادة ويسهم في دعم الجهود المشتركة مع بقية الوجهات الدينية لتعزيز المفاهيم والقيم النبيلة والمطلوبة في عالمنا المعاصر، حيث تلعب دائرة تنمية المجتمع دوراً رئيساً في التواصل الحضاري والثقافي بين كافة رجال الدين وتعريفهم بواجباتهم والآليات والقواعد المنظمة لعمل دور العبادة في بيئة من التسامح والمحبة بين الجميع.
وأضاف: تتسم رؤية دولة الإمارات بأنها بعيدة المدى؛ ولذلك بدأت الجهود منذ الستينيات في تدشين دور العبادة التي تتناسب مع احتياجات الجاليات والطوائف الدينية، بما يراعي أماكن تواجدهم وكثافتهم السكانية، ولذلك نرى مزيجاً حضارياً مميزاً في كافة الميادين والقطاعات بالدولة والتي يشارك فيها الجميع يداً بيد نحو تحقيق الرؤى والمستهدفات، مع محافظة الإمارات على هويتها وعاداتها وتقاليدها بالتوازي مع الانفتاح على الجميع وتوفير كافة متطلبات العيش الكريم.

نطاق قانوني منظم
ومن ناحيته، قال القس يوسف فرج الله، راعي الكنيسة الإنجيلية في أبوظبي: يمثل إطلاق نظام التراخيص لدور العبادة مبادرة إضافية من المبادرات التي تقدمها أبوظبي لدعم الجهود التي تعزز من مفاهيم التسامح والتعايش بين الجميع، ضمن إجراءات تشريعية وقانونية واضحة تسهم في عمل كافة دور العبادة ضمن نطاق قانوني منظم يسهم في إنجاز العمل المشترك بين دائرة تنمية المجتمع ودور العبادة، بما يحافظ على الحقوق والواجبات لكافة دور العبادة.
وأشار إلى أن الجميع في دولة الإمارات يعيش ضمن بيئة متسامحة ومتعايشة، حيث يتصف المجتمع الإماراتي بأنه منفتح على ثقافات الآخرين ويقدر معتقداتهم ومفاهيمهم الدينية ويتقبل الآخر، ولذلك يعيش في الإمارات نحو 200 جنسية والذين يشكلون نسيجاً مجتمعياً واحداً.

منارة للتسامح والإنسانية
ومن ناحيته، قال القس بيشوي فخري، راعي كاتدرائية القديس العظيم الأنبا انطونيوس للأقباط المصريين الأرثوذكس بأبوظبي: إن دولة الإمارات تعد منارة للتسامح والإنسانية والعطاء بجهودها المتواصلة لترسيخ كافة القيم المؤدية إلى تعزيز التواصل الإيجابي بين الأديان، وهو ما له الأثر في توحد العالم لمواجهة مختلف التحديات وتجاوزها، بوجود الإرادة الحقيقية والجهود المتواصلة التي تمكن القيادات الدينية من ممارسة دورهم المطلوب في تعزيز المفاهيم الإيجابية للعيش المشترك.
وأضاف: يسهم ترخيص دور العبادة في وضع الأطر القانونية اللازمة والمنظمة لإطار عمل دور العبادة والتي ساهمت في مجتمع أبوظبي خلال السنوات الماضية في كافة القطاعات، حيث انخرط الجميع في مسارات التنمية والعمل والإيجابية بوجود القيادة الداعمة لكافة الجهود التي تؤدي إلى التواصل الفاعل بين الأديان، وهو ما تجسد عبر عام التسامح والمبادرات المصاحبة له وغيرها من القرارات التي تدعم دور الدولة في إيجاد التوافق والتآلف بين ممثلي الطوائف كافة.
التواصل الحضاري بين الطوائف الدينية
ووصف المطران ميسروب ساركسيان، مطران الأرمن في دولة الإمارات، تسليم الرخص لدور العبادة بأنه حدث تاريخي، بما يمثله من أهمية في نشر السلام وتعزيز التواصل الثقافي والحضاري بين الطوائف الدينية، نظراً للتواجد الكبير من قبل ممثلي مختلف الأديان في مكان واحد، وهو ما يؤكد قدرة العالم على توحيد الرؤى والبحث عن المشتركات وإيجاد المفاهيم التي يتوافق عليها الجميع، ونبذ كافة أشكال الخلاف والتفرقة، للوصول إلى مجتمعات يتم فيها احترام المعتقدات أسوة بدولة الإمارات.

رسالة سلام
وقال القس آندي تومسون، كبير القساوسة في كنيسة القديس آندرو الأنجيليكية: تواصل دولة الإمارات جهودها في توفير كافة المستلزمات والاحتياجات التي تسهم في أداء الجميع لمعتقداتهم بكل حرية وطمأنينة وأمان، وهي رسالة السلام التي تؤكد عليها دوماً دولة الإمارات سواء عبر الجهود الدولية الملموسة في مختلف بقاع العالم، أو من خلال المبادرات المحلية الوطنية التي تمثلت في إصدار القوانين والتشريعات التي تسهم في ضمان الإجراءات المتبعة في دور العبادة.
وأشار إلى أن الاحتفالية والتي نظمت تحت عنوان «دعوة للتآلف» تمثل تجسيداً عملياً على الجهود المبذولة للتآلف والمحبة، وهو الأمر الذي يتحقق بالجهود التي ترسخ من التواصل بين الأديان المختلفة والحوار المستمر والبناء الذي يواجه التحديات المختلفة ويعمل على تحويلها إلى فرص لتعزيز الجهود من قبل قادة الطوائف والذين لهم دور مهم في تعزيز خطاب التسامح خلال المواعظ الدينية.

تصميم شهادة رخصة دور العبادة
استوحت دائرة تنمية المجتمع، تصميم شهادة رخصة دور العبادة من جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي، كما كتبت كلمات الرخصة بخط خاص مستمد من الرسائل التي كتبها الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان «زايد الأول» بخط يده، ونظمت الدائرة على هامش الفعالية، معرضاً خاصاً تضمن الخط الزمني لتاريخ دور العبادة في إمارة أبوظبي وعدداً من الصور التاريخية والتي تجسد مدى الترابط المجتمعي بين رعايا كافة الأديان في الإمارات منذ عشرات السنين ومدى التعايش والتآخي بين الأفراد.