تامر عبد الحميد (أبوظبي)

تعيش المملكة العربية السعودية عصراً جديداً من التعاطي مع الفنون، وخصوصاً السينما والدراما والمسرح، وخلال الفترة الزمنية الماضية، عملت على إقامة مشروعات تؤسس للنهضة الفنية الجديدة بخطى ثابتة، وبما يحقق رؤية المملكة 2030، ويتماشى مع العادات والتقاليد الراسخة في المجتمع السعودي، من أجل ترسيخ مجموعة من الفنون التي ترتقي بالذائقة، وتلبي الطموحات بفضل التوجهات الحكيمة في المملكة.
يعود تاريخ السينما السعودية إلى ثلاثينيات القرن الماضي، إذ بدأت بأدوات بسيطة تمكنت عبرها من إنتاج أفلام وثائقية تثقيفية، وكان أول من أدخل دور العرض السينمائية إلى المملكة الموظفون الغربيون في «شركة كاليفورنيا العربية للزيت القياسي»، التي تحول اسمها فيما بعد إلى «أرامكو»، وكان أول فيلم سعودي أنتج عام 1950 وحمل عنوان «الذباب».
وكانت البداية الحقيقة للسينما السعودية وخصوصاً الشبابية في عام 2006 عندما أنتج فيلم «كيف الحال» بطولة هشام عبد الرحمن وعلي السبع وميس حمدان وهند محمد التي كانت أول ممثلة سينمائية سعودية، وبعد النجاح الكبير والانتشار الواسع الذي حققه الفيلم، تحمس المنتجون السعوديون على إنتاج أفلام أخرى أبرزها فيلم «مناحي» بطولة فايز المالكي وعرض عام 2009، وفيلم «وجدة» للمخرجة السعودية هيفاء المنصور عام 2012، كما تم إنتاج أول فيلم رسوم متحركة سعودي بتقنية 3D بعنوان «بلال» عام 2015، وتم عرضه في مهرجان دبي السينمائي الدولي، بعدها تم عرضه في صالات العرض التجارية.
وتزامناً مع افتتاح صالات العرض السينمائي في المملكة العربية السعودية، ودخول المملكة عصر صناعة السينما لتكون وجهة جاذبة لصنّاع الأفلام، أبرمت منذ فترة شركة «O3للإنتاج والتوزيع التلفزيوني والسينمائي» الذراع الإنتاجية لمجموعة «إم بي سي»، وشركة «إيمج نيشن أبوظبي»، شراكة يتم بموجبها تمويل وإنتاج سلسلة من الأفلام السعودية، لتعرض على الشاشات أمام الجمهور المحلي والعربي والعالم، وبموجب الشراكة بينهما من المقرر إنتاج أربعة أفلام سعودية طويلة، وتسعى المملكة من وراء إنتاج الأفلام إلى إتاحة الفرصة أمام المواهب السينمائية السعودية من الممثلين والمخرجين والمصورين، كي يتمكنوا من إظهار وتطوير مهاراتهم.
وأشادت مريم عيد المهيري، نائب رئيس مجلس إدارة twofour54 بعلاقات التعاون الراسخة والمثمرة بين الإمارات والسعودية في مجال الترفيه وصناعة المحتوى العربي، وقالت: تشهد المملكة العربية السعودية تطورات متسارعة على كافة الأصعدة وأبرزها مجال الترفيه وصناعة المحتوى حيث تتبوأ الدراما السعودية اليوم مكانة متميزة على خارطة الدراما العربية ونرى كل يومٍ تألق المواهب السعودية الشابة من الكُتّاب والمخرجين والممثلين الذين تمكنوا بالفعل من إيصال أعمالهم الفنية إلى جمهور عالمي.
وأضافت: نحرص في twofour54 على دعم وتشجيع المواهب السعودية الواعدة، وذلك من خلال توفير البيئة الإعلامية المتكاملة التي تُمكنهم من التركيز على رؤيتهم الفنية فيما يتكفل فريق عملنا بتنسيق كافة التفاصيل المتعلقة بإخراج عمل فني مثل خدمات اختيار مواقع التصوير وتسهيل عمليات الحصول على تصريحات التصوير والتأشيرات والموافقات على السيناريوهات وتخليص الجمارك، بالإضافة إلى توفير البنية التحتية من استوديوهات ومرافق عالمية المستوى مثل الاستوديو الخارجي التابع لـtwofour54 في مدينة خليفة الصناعية (كيزاد).
ونفتخر بتعاوننا مع MBC Studios وإيمج نيشن لإنتاج «الميراث»، أول مسلسل تلفزيوني عربي طويل في العالم والذي سيتم تصويره بالكامل في أبوظبي، كما ودعمنا أعمالاً سعودية عديدة نجحت في دفع حدود الدراما العربية إلى آفاقٍ جديدة مثل مسلسل «العاصوف» الذي استعرض حقبة تاريخية مهمة في تاريخ المجتمع السعودي قد لا يعرف عنها الكثير، والدراما السعودية «بنات الملاكمة» من بطولة شابات سعوديات اشتهرن على مواقع التواصل الاجتماعي وتمكن من سرد التحديات التي تواجههن وكيفية التغلب عليها على الشاشة الصغيرة.
واختتمت المهيري قائلةً: تتمثل مهمتنا الاستراتيجية في twofour54 في إرساء أسس قوية لصناعة إعلامية مستدامة في أبوظبي، ويمثل المحتوى العربي عصب هذا الإعلام الذي نسعى إلى بنائه. فإذا أردنا إعلاماً قوياً قادراً على المساهمة في تنويع الاقتصاد، لا بُدّ لنا من تشجيع تطوير محتوى عربي هادف يعكس ثقافتنا وهويتنا وينقلها لجمهور عالمي. والجدير بالذكر أن حجم المحتوى العربي المتاح اليوم لا يتناسب مع عدد المستهلكين، حيث تشير التقديرات إلى أن حجم المحتوى العربي على الإنترنت يمثل ثلاثة في المئة فقط من إجمالي المحتوى الرقمي المتاح. وتشكل هذه الندرة تحدياً كبيراً يواجه الإعلام العربي ويخلق فرص نمو كثيرة في نفس الوقت، ويلعب التعاون المشترك دوراً محورياً في إثراء المحتوى العربي، ومن هنا تنبع أهمية العلاقة الوثيقة بين الإمارات والسعودية في هذا المجال والتي تشكل تجربة ناجحة قادرة على إلهام وتحفيز المزيد من التعاون والشراكات بين كافة الدول العربية.

تطور الصناعة
قال مايكل غارين الرئيس التنفيذي لشركة «إيمج نيشن» في أبوظبي: لطالما نظرت «إيمج نيشن» بتفاؤل كبير لمستقبل تطور الصناعة الإبداعية في المملكة، ويمثل انفتاحها على صناعة السينما تطوراً بالغ الأهمية يمهد الطريق نحو فرص إبداعية وتجارية ضخمة للشركات العاملة في المنطقة، إذ تخطط الحكومة لافتتاح أكثر من 200 صالة سينما جديدة في جميع أنحاء المملكة.
وقال بن روس، رئيس محتوى الأفلام في «إيمج نيشن»: مع افتتاح السعودية لمرحلة جديدة من تاريخ صناعة السينما فيها، تكتسب الشراكة أهمية خاصة من كونها ستتيح الفرصة أمام خيرة صنّاع السينما السعوديين من العاملين أمام ووراء الكاميرا لإظهار مواهبهم، ونتطلع إلى تقديم المواهب السعودية الجديدة إلى الجمهور المحلي والعربي والعالمي.
من جهته، قال مازن حايك المتحدث الرسمي باسم مجموعة MBC، مدير عام العلاقات العامة والشؤون التجارية: بدأت مساعي المملكة العربية السعودية بـ«رؤية 2030»، أن تتحقق في الاتجاه نحو التنوع الاقتصادي والمعرفي، وعدم التركيز فقط على عائدات النفط، بالمزيد من الإنتاجات في كافة الميادين والاستثمار في صناعة السينما والدراما.