أزهار البياتي (الشارقة)

على مدى دورات انعقاده الأربع، أكد المهرجان الدولي للتصوير الفوتوغرافي «إكسبوجر»، والذي اختتم فعاليته أمس، أهمية فن تصوير الوجوه «البورتوريه»، حيث تعددت المعارض الشخصية والأعمال الإبداعية التي ركزت على تصوير ملامح الوجه، ليستضيفها المهرجان برحابة من 19 إلى 23 سبتمبر الجاري في إكسبو الشارقة، وسلطت الضوء على ما تعكسه من مشاعر إنسانية مختلفة، ورصدت تعابير تعب يقابلها راحة، أو غضب يواجهه سكينة، أو فرح يحل مكانه حزن، وأمل، خلال لحظات تسجلها عدسات المصورين في غفلة من الزمن، فتؤرخ عبرها أثر ومعنى وتعبير بليغ يغني عن ألف كلمة وكلمة.

أبعاد جمالية
المصّور عامر العلي، كشف من خلال معرضه، «وجوه من الحضارة الإماراتية»، عن أبعاد جمالية أخرى لفن «البورتوريه»، ملتقطاً صوراً متعددة لوجوه نساء ورجال من عمق البيئة المحليّة، مسطراً من خلال ملامحهم حقبات مضت من مراحل حياة الأولين وماضي الآباء والأجداد، وكيف تركت تكاليف الحياة آثارها عليهم، ورسم الزمن خطوطه على وجه كل منهم، بحيث تروي نظراتهم حكايات تعب وجهد، تكللت بمنجزات حضارية وإنسانية غاية في التألق والنجاح.
وقال: لطالما كنت شغوفاً بالتقاط صور الوجوه، خاصةً تلك الإماراتية ذات الملامح الأصيلة، والتي تعكس قيمة زمن الماضي الجميل، وتؤرخ لعناصر من الثقافة الإنسانية والاجتماعية السائدة آنذاك، كاشفةً عن جوانب من معيشتهم، وما واجهوه من صعوبات خلال مسيرتهم العمرية.. وبالأبيض والأسود رصدت مشاهد «البورتريهات»، واللذين أضفيا بتباينهما مزيداً من القوة والأثر على كل لوحة وصورة، وعكسا بشفافية متناهية انطباعات المشاعر وخلجات الروح، متعمقاً بإظهار العيون كمرايا مضيئة كاشفة لتفاصيل الحياة.
وفي رواق آخر، يتألق بين أروقة إكسبوجر الشارقة، معرض الأميركي جيه توماس لوبيز، والذي جاء إلى المهرجان بـ 18 صورة ترصد وجوه أشخاص غير معروفين، كلّ منهم يحمل حكاية مختلفة، خطوط وجوههم يكشفها الضوء، ويأخذنا معها إلى عوالم بعيدة تقف خلف السكوت، قارئةً في ملامحها تعابير الشجن، الحزن، الفرح، الدهشة، وراوية مسيرات حياتية طبعت تشعّباتها في النفس البشرية.

ملامح الوجه
ونوه لوبيزو إلى اختياره لفن تصوير «البورتريه»، واصفاً كيف تجوب عدسته، وتجول على تقاطيع الوجوه، تخترقها، وتؤطرها، كون هذا النوع من التصوير الشخصي يعتني بإظهار التعابير وملامح الوجه بدقة وعن قرب، وكأن المصّور يفتح كتاباً ليقرأ ما بين السطور، مكتشفاً عوالم من السحر والغموض، مغلّفةً بأطياف الضوء، اللاعبة الأدوار الرئيسية فيه، فهو بطل الحكاية كلّها، إذ يمكن للمصور أن يضمّن صوره بإضاءة عالية ومكثفة أو أخرى خافتة وباردة، في سبيل الوصول في النهاية إلى غاية واحدة، تختزل للمتلقي في حالة وقوفه أمام العمل الفوتوغرافي حواراً إنسانياً شائقاً.
كما استعرض إكسبوجر، 4 أعمال فردية أخرى لمصورين محليين وعرب وأجانب، ركزت بدورها على فن «البورتريه»، برز من بينهم الإماراتي راشد المزروعي، والذي شارك في فعاليات المهرجان، من خلال لوحة تصويرية لوجه سيدة مسنّة، استطاع رصد تعابيرها وخطوط وجهها خلال مصادفتها، أثناء سفره إلى منطقة نائية تقع ما بين حدود التبت وكشمير، وهو يصف هذه المصادفة: بحكم عشقي للسفر والتجوال وتعلقي بالكاميرا، أحاول على الدوام قراءة البشر من خلال تصوير ملامحهم، وما تعكسه من آثار الزمن، ولقد شدني وجه سيدة ريفية مسنة، حيث التجاعيد والنظرة والخطوط المرسومة على وجهها، عكست جوانب من روحها الجميلة.

«الصورة التي غيرت مجرى حياتي»
خلال جلسة بعنوان «الصورة التي غيرت مجرى حياتي»، أكد المصور العالمي فلوريان ليدوكس أن احترافه مهنة التصوير جاء بعد أن أخذه والداه في رحلة إلى القطب الشمالي في طفولته، مؤكداً أن تصوير الجليد كشف له خطورة التغير المناخي على البيئة، وأدرك أن أجمل الكائنات في العالم ستصبح لاجئة خلال سنوات قليلة، مشيراً إلى أنه انبهر بجمال الطبيعة الجليدية في ذلك الوقت، وبدأ باستخدام الكاميرا والتقاط الصور المختلفة للحيوانات والطيور والطبيعة الجليدية.
وقال فلوريان ليدوكس: عند عودتي لوطني فرنسا قضيت الوقت في تصوير حديقة المنزل، وبدأت أبحث عن جماليات الطبيعة وأوثقها في صور لا علاقة لها بالاحترافية، لكنها كانت مصدر سعادتي.
ولم يكتفِ فلوريان بالتصوير كهواية، بل قرر احترافه، وأشار إلى أنه انضم للقوات العسكرية الفرنسية في بداياته، وقال:«أردت أن أحترف التصوير الضوئي، فطلبت من مسؤولي أن يساعدني، فشغلت منصب مصور في القوات العسكرية.
وروى حكاية خوضه لتلك الرحلة التي غيرت حياته بقوله:«طلبت من مسؤولي في العمل أن يعطيني إجازة لكي أتمكن من المشاركة في الرحلة، فرفض وأخبرني بأني لا أملك أيام إجازات كافية، وأنني إذا تأخرت ستتم معاقبتي وسجني.
وتابع: «قررت أن أجازف بكل شيء، وجمعت مدخرات حياتي، وتركت القوات العسكرية إلى الأبد»، لافتاً إلى أن الصور التي التقطها في الرحلة إلى (جرين لاند) هي الصور التي غيرت مجرى حياته بالكامل، ثم شارك عدداً منها مع الجمهور وشرح ظروف كل واحدة منها.
من أهم تلك الصور مجموعة التقطها للدب القطبي، رصد فيها كيفية تعامله مع العائلة ومهاراته في الصيد والعيش والاستمرار وسط ذوبان الجليد، بجانب صورة أخرى لوحيد قرن البحر وهي صورة التقطها بعد عناء طويل في مراقبة هذا الكائن، كونه يعيش في الماء، بالإضافة إلى صورة لعيني ثعلب الجليد.
وتحدث فلوريان ليدوكس عن الجوائز التي نالها بسبب صور (جرين لاند)،: كنت أشعر بالفخر بما وصلت إليه، وبالإنجازات التي حققتها، لكني شعرت بأنني لم أصل بعد إلى هدفي.

10 أعمال تتناول علاقة الصورة بالكتاب
يستضيف مهرجان «إكسبوجر»، معرض «القراءة والكتابة والابتكار في أفريقيا»، للمصور السينغالي العالمي عمر فيكتور ديوب، انسجاماً مع احتفالات الإمارة بنيلها لقب العاصمة العالمية للكتاب للعام 2019، واحتفاءً بعلاقة الكتاب والصورة.
ويروي المصور عمر فيكتور ديوب، في معرضه الذي يجسد، وعبر 10 أعمال، أهمية الكتاب في مسيرة التطور الحضاري الإنساني، ويجمع فيها بتقنياته الفنية بين الصورة الفوتوغرافية والعمل التركيبي، ليقدم هويته الإبداعية المتفردة، ويبرز جماليات الكتاب، وأثر رمزيته المعرفية على القُراء.
ويوظف ديوب في أعماله، رمزية الكتاب لدى المتلقي، وما يشير إليه من دلالات المعرفة والاكتشاف والبحث عن الحقيقة، حيث يلتقط لشخصيات أعماله صوراً مرة وهم يقرأون الكتب، وأخرى وهم يحملونها على رؤوسهم.
ولا يكتفي ديوب بذلك، وإنما يشتغل على انفعالات الوجوه في صور الشخصيات، فتظهر شخصية المثقف الهادئ الرزين، والسيدة المتزينة، والمرأة المشغولة، التي تستبدل سلال الطعام والخضار على رأسها بسلال مليئة بالكتب.
وتنكشف تجربة ديوب المتفردة، في قدرته على المجازفة في توظيف الزخارف وأشكال الرسوم الأفريقية التراثية، إذ يستخدم هذه الأشكال في خلفية شخصيات أعماله، وفي ملابسهم، والقلائد والأقراط التي تزينها، ليحوّل بذلك انتباه المتلقي إلى وجه الشخصية والكتب البيضاء التي يحملونها.
يشار إلى أن الفنان السنغالي ديوب، ولد في العاصمة السينغالية داكار عام 1980، وأظهر موهبته في وقت مبكر، متخذاً منهما وسيلة لإبراز تنوع المجتمعات، وأساليب الحياة العصرية في أفريقيا، مستمداً إلهامه من التراث البصري الإفريقي الغني.

3 مصوري حرب يروون تجاربهم
استعرضت جلسة «ما هو الحافز للمخاطرة» في «إكسبوجر» تجارب 3 مصوري حرب متخصصين اعتبرهم مدير الجلسة راي ويلز محظوظين لعودتهم من المخاطر المميتة: هم مايكل كريستوفر براون، وأفشين إسماعيلي، وبول كونروي.
وقدم المصور راي ويلز المصورين على أنهم أشخاص غير اعتياديين، شاهدوا أموراً لا يتمنى أغلبنا مشاهدتها، واختبروا أموراً غاية في البشاعة لا نريد أن تحصل لأي منا، وعرض فيديو لخص تجربة المصورين.
وتحدث المصور مايكل كريستوفر عن تجربة تغطية أحداث الحرب لاسيما وأنه ترعرع في بيئة هادئة للغاية في غرب أميركا، وكان والده طبيباً.
وقال: «عشت الأحداث في ليبيا قبل 7 سنوات وخضت هذه النزاعات والقصف وأصبت جراء انفجار في يدي، وخسرت نصف دمي جراء تلك الإصابة.. وتعتقد بأنك لن تعود كصحفي إلى تلك المنطقة لاسيما وأنك أصبت إصابة خطيرة، لكنك في نهاية المطاف تشعر بأنك منخرط في القضية».
أما بالنسبة لأفشين إسماعيلي، فالموضوع مختلف تماماً كونه ولد وترعرع في منطقة نزاعات، حيث إنه عاش في منطقة جبلية بين إيران والعراق ووالده كان محارباً وقال: لم أعش طفولة طبيعية، وخسرت العديد من أفراد أسرتي في الحرب.
وتوقف بول كونروي عند بعض الصور في ذاكرته التي لايزال يتذكرها، حيث إن الغارات في سوريا استمرت 18 ساعة في اليوم، والحطام انتشر في كل مكان، ورائحة الدماء كانت واضحة في المكان.