أشرف جمعة (أبوظبي)

فنان لا تفارقه الابتسامة التي يراها جواز السفر الحقيقي للعبور إلى قلب الجمهور، ويوم أن كانت اليد عاجزة عن أن تفي بتكاليف الحياة كان القلب عامراً بالرضا والرغبة في تحقيق حلم بعيد، فقد كان الفنان الإماراتي عبدالله أبو عابد يمشي ما يقرب من نصف ساعة على قدميه لمدة عامين من مسكنه في الشارقة بمنطقة المصلى إلى موقع المسرح الحديث الذي احتضن بداياته مع أول مسرحية قدمته للجمهور «مهر العروس»، الذي تقاضى عنها أول أجر يحصل عليه في حياته، وكان لا يزيد عن 100 درهم «وجهاز مسجل قديم» يحتفظ به بين ذكريات العمر في خزانة الأيام، وقدم أبو عابد 65 عملاً مسرحياً للكبار والصغار منها 23 مسرحية للأطفال ونحو 15 عملاً درامياً والعديد من المسلسلات الإذاعية والبرامج ومن أشهر اعماله «بوعابد في الغابة - ويوميات بوعابد».

أبوعابد يسترجع حكاياته الفنية القديمة وهو يرويها بروحه المرحة رغم العارض الصحي الذي يعيشه هذه الأيام، إذ يروي ذكرياته مع أحب أعماله الدرامية «للخيوط أسرار» والمسرحية «ريشة في البقعة»، ويروي بقلب متعطش لتذكر الأمكنة وأسماء من عاش معهم أيام كان التلفزيون يطل على الجمهور بالأبيض والأسود إلى عصر الألوان وتبدل الحياة، ويذكر أنه ليس بيده الغياب عن الدراما لمدة عامين أو لا دخل له بعدم اهتمام المنتجين والمخرجين بمن مثله من القامات في عالم الفن والذين يظن الجمهور أن إبداعاتهم غاصت مع الزمن رغم أنهم في أوج العطاء.

مسرح الطفل
وعن المواقف الأكثر تأثيراً في نفسه والتي جعلته يهتم بمسرح الأطفال تأليفاً وإخراجاً وتمثيلاً، يقول الفنان عبدالله أبوعابد: من حق الأطفال أن يفرحوا بالحياة، وكان عملي الوظيفي سبب غيابي عن طفلي - الذي كبر الآن وصار محامياً - حيث كان محتاجاً في هذه المرحلة إلى من يعمر قلبه بالنصائح ويملأ روحه بالبهجة، لافتاً إلى أن الذي أكمل هذا المشهد هو أنه عندما سأل أحد الأطفال بعد عرض مسرحي قدمه مع من جئت لتشاهد هذه المسرحية؟ فأخبره بأنه جاء مع الخادمة فنذر نفسه بعد هذين الموقفين لمسرح الطفل ليكون هو الوعاء الذي يبث عبره أفكاره وقيمه ومُثله، ويمد من خلاله حبل الحنين لكل طفل يحتاج إلى من يجيب عن أسئلته ويقدم له الإرشادات الحياتية.

رفاق العمر
وبقلب لا ينسى البدايات رغم بلوغ الستين عاماً، يبين أنه ذهب للمسرح وهو في عمر 18 عاماً ومن يوم أن عرف خشبته، وهو لا تفارقه الابتسامة، ولا يزال يتذكر الأجواء العائلية التي كانت تجمعه برفاقه في «أبو الفنون» متذكراً صاحب الفضل الأول عليه في بداياته المسرحية، وهو رائد الإخراج المسرحي في الإمارات عبدالله المناعي، وفي الدراما المخرج عبدالله الأستاذ، وأنه كان سعيداً للغاية بتقاضي مبالغ مالية لا تذكر في البدايات بخاصة أنه يؤمن بأن الفنان الحقيقي لا يضع المال شرطاً لتقديم رسالة فنية راقية، وأن من أحب المسرحيات إلى قلبه «ريشة في البقعة» التي تحمل مضموناً مهماً للصغار، وأنه أول مرة وقف فيها أمام الكاميرا كان مع جاسم عبيد وأنه كان ينسى الكلام بمجرد وقوفه أمام الممثلين الكبار في ذلك الوقت، إلى أن تغلب على النسيان وقهره بالإتقان.

من أجل الفن
وعن حال الفن في هذا الزمن يشعر أبوعابد بأن كل شيء تغير، خاصة أنه لم يقدم أعمالاً درامية منذ عامين، وأنه على يقين بأنه مهما تغيرت بوصلة المنتجين والمخرجين، فإنه ورفاقه الذين قدموا فناً من أجل الفن ولا تؤذيهم قلة الطلب بخاصة أنه متفرغ للمسرح ويمضي في طريقه من أجل مواصلة مشوار بدأه بحلم، وسيمضي فيه حتى تكتمل الرؤى ويجمع الجمهور كباراً وصغاراً على مسرح يحمل الكثير من المفاجآت.

وفاة الوالدة
ولا ينسى يوم أن باعت والدته أسورتها وهو في سن العاشرة من أجل أن تشتري له دراجة هوائية يلهو بها مثل الصغار، وأنه لا يزال حزيناً عندما أن فارقت الدنيا، متذكراً حكاية تبدأ تفاصيلها عندما تعاقد للتصوير في برنامج شهير آنذاك اسمه «الوادي» في لبنان، وأنه قبل حضور الحلقة الأولى بثلاثة أيام توفيت والدته واضطر للذهاب متغلباً على أحزانه حتى يفي بوعده، لكنه يؤكد أنه لم يستطع أن يخفي حزنه، مبيناً أن كل من رآه طوال فترة تسجيل البرنامج شعر بأنه يمر بحالة حزن لا تنتهي، ويؤكد أنه اتخذ من مراحل كفاحه في الحياة - كونه نشأ في أسرة فقيرة - دروساً جعلته ينجح ويقاوم العقبات بخاصة أن والده توفي وهو في سن الثامنة من العمر.

أنا والزعيم
يقول عبدالله بوعابد: عندما جاء الزعيم الفنان عادل إمام لعرض إحدى مسرحياته في الإمارات شاركت بدور فيها، وأنه كلما التقت عيناه الزعيم أثناء الأداء كان يغالب نفسه حتى لا ينفجر بالضحك أمام الجمهور، خاصة أن عادل إمام عندما كان يرفع حاجبه تنقلب الدنيا ويضحك الجميع، وأنه لا يزال سعيداً بهذه التجربة والمواقف التي جمعته بالفنان الشهير في ذلك الوقت.

فتره نقاهة
يشعر الفنان عبدالله أبوعابد بالامتنان لكل من سانده في أزمته الصحية من كل أنحاء الوطن العربي، ويعيش فتره نقاهة في الوقت الحالي، ويستعد للسفر إلى الخارج لاستكمال العلاج، متمنياً أن يعاود نشاطه الفني في أقرب وقت، ليسعد وجمهوره وكل من يبحث عن الفن الهادف والابتسامة الحقيقية التي تحقق السعادة والبهجة.