منى الحمودي (أبوظبي)

«الولادة القيصرية».. هل هي رفاهية أم ضرورة طبية؟
هذا السؤال يتجدد من آنٍ لآخر، في ظل رفض «التأمين الصحي» الكثير من الطلبات من هذا النوع، وبالطبع «التأمين» له مبرراته التي يعزوها إلى أن معدلات طلبات الولادة القيصرية في الدولة تجاوزت المعدل العالمي لهذه العمليات، والبالغة نسبتها 15% من إجمالي عمليات الولادة. لكن الأطباء لهم رأي آخر، حيث أكد متخصصون في طب النساء والولادة أنهم يعانون تعقيدات الموافقات الطبية المتعلقة بنوعية الولادة، سواء كانت طبيعية أم قيصرية، حيث أوضحوا لـ«الاتحاد»، أن بعض حالات الولادة قطعاً تحتاج للولادة القيصرية، بينما ترد الموافقة الطبية من الشركة الوطنية للتأمين الصحي لشركة «ضمان» بالموافقة على الولادة الطبيعية، ما يتسبب بحالة من الإرباك والقلق للحامل وعائلتها والطبيب المشرف.
بينما أكدت شركة «ضمان» أن رفض إجراء «القيصرية» يكون لأن المبررات المقدمة غير طبيّة ولا تستند للمعايير العالمية.
قالت الدكتورة «هـ» أخصائية أمراض نساء والتوليد: «هناك حالات توليد يعتبر الاستطباب فيها قطعياً، وهو أمر متفق عليه عالمياً، لبعض الحالات، على سبيل المثال توليد النساء اللاتي خضعن لعدة عمليات قيصرية سابقة في التوليد، والتي من الاستحالة ولادتها ولادة طبيعية بعد تلك العمليات القيصرية».
وأوضحت أن من تخضع للولادة القيصرية عدة مرات، فإن هناك فترات يحددها الطبيب للتمكن من الحمل مرة أخرى، وبعضهن قد لا يستطعن الحمل والإنجاب إلا بعد سنوات قد تمتد لأكثر من سنتين، وذلك بسبب ضعف المرأة وعدم تحمل جسدها الحمل بطفل جديد، لافتةً إلى أن مثل هذه الحالات لا يمكنها الولادة إلا بالعملية القيصرية.
وأشارت إلى الوقت المستغرق في إرسال التقرير وانتظار الرد الذي يأتي بالموافقة على الولادة الطبيعية، في حين أن الحالة تحتاج لولادة قيصرية، وقد يتسبب ذلك بتأخير عملية الولادة، ما يشكل نوعاً من الخطر على الأم وجنينها.
ولفتت إلى أن أطباء التوليد على يقين بأن الولادة الطبيعية أفضل من دون أدنى شك من الولادات القيصرية، إلا أن تعثر الولادة يدفع بالأطباء للعملية القيصرية لتجنب المضاعفات التي قد تحدث للام أو للجنين، مؤكدة أنه لا يوجد أحرص من الطبيب على صحة الحامل، وأن الطبيب دائماً ما يلجأ لأفضل الطرق للتوليد، حتى لا تعاني الحامل أية مضاعفات بعد الولادة، والتي قد تُعتبر مجازفة وخطرة في بعض الأحيان، خصوصاً فيما يتعلق بالعملية القيصرية التي تضع المرأة في وضع صعب من ناحية ممارسة حياتها الطبيعية بعد أول خمسة أيام من الولادة، مثل الاعتناء بالرضيع وباقي أبنائها، أو تنظيف المنزل أو الحركة والمشي.
وطالبت الدكتور «هـ» بأن يتم اعتماد التقرير الطبي الأولي عن حالة الحامل منذ البداية، خصوصاً في وجود اعتبارات معينة حول الحالة الصحية للحامل والجنين، بدلاً من كتابة تقرير في كل مرة، كون ذلك يعتبر سبباً في إضاعة وقت الطبيب وجهده بدلاً من رؤية مرضى آخرين. ويمكن اختصار الأمر بتقرير تفصيلي، للمرة الأولى، في ملف الحامل الذي يوضح وضعها، والذي من الممكن أن ينتج عنه حالة مرضية، مثل ارتفاع ضغط الدم، أو وجود توضع منخفض للمشيمة، وغيرها من الحالات المرضية.

عنصر المفاجأة
من جانبها، أكدت الدكتورة «س» اختصاصية أمراض نساء والتوليد، أن طب النساء والتوليد يعتبر من أكثر التخصصات التي تحمل عنصر المفاجأة، وأنه لا يمكن التنبؤ بحالة الحامل وولادتها، وبعض الحالات على الرغم من أن تقاريرها الطبية سليمة بشكل تام، فإن بعض الأمور المفاجئة قد تطرأ على حالة الحامل تكون سبباً في خضوعها لحالة الولادة القيصرية، والتي قد يرفضها التأمين الصحي بحجة أن جميع الولادات السابقة طبيعية.
وأشارت إلى أن بعض التعقيدات المتعلقة بالموافقة الطبية، تكون سبباً في تأخير عملية التوليد، حيث تصاب عائلة الحامل بالحيرة والتوتر من إجراء عملية الولادة أو المخاطرة بالولادة الطبيعية، بناءً على الموافقة الطبية للتأمين الصحي، لتجنب دفع المبلغ المترتب على الولادة.

المشكلات الصحية
من ناحيتها، ذكرت الدكتورة «أمل» استشارية أمراض نساء والتوليد، أن الطبيب يلجأ للولادة القيصرية في الحالات الأكثر تعقيداً، وفي حالة تعثر الولادة الطبيعية نتيجة لبعض المشكلات الصحية للحامل، مثل عدم اتساع عنق الرحم، أو وجود ورم ليفي في طريق مرور الطفل، أو ضيق الحوض خصوصاً في حالات التوأم. بالإضافة لارتفاع ضغط الدم أو إصابة الأم بتسمم الحمل، مما يتطلب إنهاء الحمل في مرحلة معينة منه بالعملية القيصرية. وكذلك بعض الحالات كخضوع الأم لعمليات سابقة، مثل عملية قلب مفتوح، نقل كلية، استئصال ورم بالمخ أو عملية الغضروف، وذلك لتفادي الولادة الطبيعية وما يصاحبها من آلام أثناء الطلق. وبالإضافة للأسباب السابقة، قد يلجأ الطبيب للعملية القيصرية في حالة وجود عقدة في الحبل السري حول الجنين والتي قد تحدث في الساعات الأخيرة قبل الولادة، وإن كانت مخططة طبيعية، وفي حالة انفصال المشيمة عن الرحم، ويحدث هذا الأمر في الغالب في الأشهر الثلاثة الأخيرة.
وأشارت إلى أن بعض النساء اللاتي خضعن لعمليات قيصرية للولادة، دائماً ما يتم تحذيرهن من قبل الأطباء بتجنب الحمل وعدم الحمل إلا بعد مرور سنتين على الأقل، إلا أنهن يحملن، وبالتالي يخرج الجنين للحياة بعملية قيصرية أخرى، وبالتالي ضرورة العمليات القيصرية للمرأة.
وفيما يتعلق ببعض الحالات التي تسببت الموافقة الطبية للتأمين الصحي، الإرباك لها، يروي «س.أ» معاناة زوجته التي خضعت لعمليتين قيصريتين في السابق، وأصبحت حاملاً للمرة الثالث بتوأم، مما يجعل ولادتها بشكل طبيعي أمراً صعباً وفيه الكثير من المجازفة بحياة الأم والأطفال.
وأشار إلى أن زوجته بدأت تعاني ألماً في مكان العمليات القيصرية السابقة، وأتت الموافقة على الولادة الطبيعية، ما أدى إلى تأخر العملية وكان الجرح على وشك أن ينفتح، ما يتسبب بخطر كبير على الأم والطفلين، لولا تدارك الطبيبة للموقف حيث بدأت العملية القيصرية لإنقاذ حياتهم، لافتاً إلى تحمله في ذلك الوقت هماً كبيراً لسببين، أحدهما صحة الأم والتوأم، والأخرى المتعلق بالموافقة الطبية وتكاليف عملية الولادة التي تفوق مقدرته المالية، إلى أن قام بمراجعة شركة التأمين الصحي وشرح الأسباب الطبية المتعلقة بحالة الأم حينها مع التقارير الطبية التي أرسلتها الطبيبة.
وفي حالة أخرى، ذكرت سيدة حامل أنها خضعت لعملية تجميلية سابقة، عندما قررت أنها لن تحمل مرة أخرى بعد خمسة أبناء بولادات طبيعية، وحدث حمل جديد مما زاد الأمر تعقيداً، حيث إنه لا مفر من الولادة بعملية قيصرية. وعندما حان وقت الولادة، جاءت الموافقة الطبية للولادة على الولادة الطبيعية، ما كان سبباً في تعرض صحتها وصحة الجنين للخطر جراء التأخير في الولادة.