أشرف جمعة (أبوظبي)

أن تفتح كتاب حياة نجمة خاطبت الجمهور من القلب طوال 42 عاماً في المسرح والسينما والدراما فكأنك تفتح خزائن الأيام، وتستثير ذاكرة الأمكنة وتقلب بعفوية الأوراق الندية التي تحتشد بتفاصيل الحلم الأول عندما عانقت الفنانة مريم سلطان خشبة المسرح بالصدفة البحتة، وحينها لم تسأل عن الأجر أو ترتيب اسمها ومكان الصورة الشخصية في صفحة الإعلان الخاص بالعمل الفني، لكنها كانت تفكر في لحظة الظهور الأول وأن تشبع رغبة الفن داخلها خاصة بعد أن تصادف أن يكون الدور الأول تجسيداً للأمومة وبكل الصدق والعفوية.
وتذكر سلطان أنها في أول مرة وقفت فيها أمام الكاميرا تركتها بعد ثوان قليلة، وغابت في زحمة الارتباك والقلق بحثاً عن شجاعة مؤقتة تجعلها أكثر جسارة وبعدها بوقت قصير توالت الأعمال الدرامية التلفزيونية والإذاعية التي حققت لها النجومية وحب الجمهور إلى أن ابتعدت عن المسرح بحكم العمر وضعف الحركة، وقلت أعمالها في الدراما والسينما في السنوات الأخيرة إلا من أعمال قليلة لم تزل محفورة في الذاكرة، وفي هذه الأيام التي ينشرح فيها القلب للأحفاد لم تزل تتابع ظلال الحركة المسرحية وتراقب خشبة أبو الفنون من مقاعد المتفرجين.

دور أم
تقول الفنانة مريم سلطان: كان حلماً صغيراً يسكنني هو أن أكون فنانة مسرحية وفي لحظة يفتح المسرح نافذة لي ويختارني روحاً تتحرك على خشبته عندما دعاني أحد الصحفيين للمشاركة في أحد الأعمال حيث كان البحث جارياً عن عناصر نسائية آنذاك وجسدت دور أم في مسرحية «هارون الرشيد في القرن العشرين»، مبينة أنها أخلصت للمسرح الذي كانت تقضي فيه أوقاتا طويلة حتى إن أبناءها الصغار لم يفارقوها في تلك اللحظات وكأنها تقاسم الحب اثنين: فلذات الأكباد والمسرح الذي يسكن أعماقها، مشيرة إلى أنها لم تمارس الفن لتتكسب منه إذ تذكر أنها أنفقت من مالها الخاص على تجهيز وخياطة ملابسها التي تؤدي بها الأدوار المسرحية إلا الأزياء التاريخية في الأعمال التي تتناول حقب تاريخية معينة حيث كان صناع المسرح آنذاك هم الذين يدبرونها، وهو ما جعلها تؤمن بأن المسرح لا يطعم خبزاً.

صداقة وألفة
وتلفت إلى أنها كانت إبان وهجها الفني تعد المسرح بيتها، موضحة أنها كانت تتناول طعام الغذاء يوم الجمعة مع زملائها المسرحيين في مكان العمل وهو جعلها تشعر بأنها تتفاعل مع المسرح بألفة وصداقة وإنسانية لافتة إلى أنها لا تنسى مطلقاً يوم أن ماتت والدتها وكيف خيم الحزن عليها وأنها لم تتخل عن واجبها رغم آلام الفقد وقدمت العمل المسرحي في الوقت المزمع له رغم ما كانت تمر به من أحزان، وتورد سلطان أنها كانت تشعر بسعادة عندما تتقاضى قديما خمسمئة أو ألف درهم نظير دورها في مسرحية، خاصة أنها تؤمن بأن كل زمن وله طبيعته في الفن، فالمسرح الذي عرفته قديماً ليس الذي تشاهده في هذه الأيام، وأنها لم تزل تعتز باللقب الذي أطلقه عليها المخرج صقر الرشود «أم المسرحيين»

ساعة عادل
وتوضح سلطان أن المسرح الذي عرفته قديماً ليس الذي أشاهده في هذه الأيام ولا تخفي أنها لم تشعر أبداً بالضيق عندما تبتعد عن التمثيل، خاصة أنها لا توافق على الكثير من الأعمال التي تعرض عليها والتي لا تتناسب ومع تاريخها الفني الذي أفنت فيه حياتها وأخلصت له وأعطته كل وقتها، ومن الأشياء التي تذكرها أيضاً ساعة عادل ابنها.. الهدية التي لم تزل تحتفظ بها وتعد ركناً مهماً في سجل ذكرياتها عندما أهداها لها بعد أول راتب تقاضاه من عمله، لافتة إلى أن هذه الساعة هي جزء من حياتها لأنها من ابنها الغالي عادل الذي وافته المنية ولم يتبق له منه سوى هذه الساعة والذكريات القديمة التي لا تنسى.

تواريخ لا تنسى
وتشير إلى أن أول راتب تقاضته من أول وظيفة التحقت بها كان 235 درهماً وأنها تزوجت في عمر 14 عاماً كما أنها تأخرت في دخول المدرسة لأن والدتها رفضت في البداية فالتحقت بها في عمر 9 سنوات وأنها التحقت بالتمثل وهي في عمر 26 عاماً وأنها عضو مؤسس في مسرح دبي منذ عام 1976 وأن ثاني عمل مسرحي قدمته في حياتها الفنية كان بعنوان « شمس النهار» وأن أول عمل درامي قدمته هو «مملكة الثعابين» وأن هذه التواريخ لا يمكن نسيانها لأنها الركن الأول في مسيرتها الحياتية والإبداعية.

عمل جديد
تؤكد الفنانة مريم سلطان أنها شاركت في فيلم سينمائي سيعرض قريباً، لافتة إلى أنها لا تشارك إلا في الأعمال التي تشعر بأنها قريبة من روحها، ومهما تأخرت مشاركاتها في أعمال فإنها تظل على يقين بأن تاريخ الفنان الجيد لا يذهب جفاء لكنه يظل لامعاً مثل الذهب الخالص وأنها ستظل محافظة على هذا التاريخ من خلال اختيار الأنسب والذي يتوافق مع قيمتها الفنية ويتناسب أيضاً مع المرحلة العمرية التي تعيشها حالياً.