أشرف جمعة (أبوظبي)
للزي المدرسي بهاؤه الخاص وجاذبيته التي تشعر طلاب المدارس بأنهم في مهمة نبيلة تبحر بهم نحو شطآن المعرفة، ومع بداية كل عام دراسي يبتهج الأولاد والبنات بهذا الزي وتصميمه وطابعه الذي يعبر بهم من حدود عالمهم المنزلي والاجتماعي إلى الألفة المدرسية، والمهابة العملية، ومنذ أن بدأت المدارس في الماضي تستقبل طلابها، وبعض هؤلاء الطلاب يسعون للحفاظ على هذا الزي كونه جزءاً من وجاهتهم الصباحية، ودليل ترددهم على دور العلم، وقد تنوع هذا الزي عبر السنين والأيام في أشكال مختلفة بالنسبة للأولاد والبنات، وخلال العام الدراسي الجديد يرتدي الطلاب زياً موحداً، بعد أن اعتمدت وزارة التربية والتعليم توحيده لجميع الطلبة في المدارس الحكومية على مستوى الدولة، لكن تظل هناك حكايات يرويها الزمن حول الزي قديماً وحديثاً، لا تزال تسكن الذاكرة وتتناقلها الأجيال.
قميص أبيض
يقول الباحث في التراث الشعبي الدكتور راشد المزروعي: لا زلت أذكر تلك الخطوات الأولى إلى المدرسة حيث البهجة التي لا تنسى، وأنا أشعر بالانبهار بزيي المدرسي الذي كان عبارة عن قميص أبيض وسروال أزرق، ومن ثم مشاهدة الأقران الذين كان عددهم قليلاً، حيث كنت أسكن في إمارة الشارقة واختلف إلى مدارسها التي كان عددها قليلاً، لافتاً إلى أنه يتذكر أن عدد الطلاب وهو في الصف الثامن كان لا يتعدى 6، وأنهم كانوا يلتزمون بهذا الزي، بخاصة أن كل طالب كان يتسلم زيين وأنه من الضروري أن يتم الحفاظ عليه.
وأوضح أن الانتقال من الكندورة إلى هذا الزي كان يشعر الجميع بالسعادة؛ إذ كانت تعبر الكندورة عن الحياة الاجتماعية، أما هذا الزي آنذاك، فقد كان يعد من مظاهر تحول الأولاد إلى الشعور بأنهم في مهمة مختلفة تفرضها المؤسسة التعليمية، ويفرضها هذا الزي أيضاً الذي يعبر عن الوجاهة، حيث كان الطلاب يبدون فيه مختلفين، وهو ما كان يشعرهم بأنهم جزء أصيل من العملية التعليمية، بخاصة أنه في مرحلة الستينيات كانت المدارس قليلة، والشغف بالتعليم كان يجعل الطلاب يشعرون بأنهم يعيشون في بيئة مختلفة، وأنه لزاماً عليهم أن يتعلموا بجدية، ويذكر أنه لم يعاصر تحول الزي المدرسي إلى الكندورة التي أقرت بعد ذلك، لكنه يرى أن أي زي هو جزء من نسيج الحياة التعليمية، وحلقة وصل بين الطالب ومحيطة المدرسي، طالما أنه يراعي القيم الإماراتية ويعبر عن الهوية الوطنية.
خطوة مهمة
وتورد الدكتورة عائشة بالخير، مستشارة البحوث في الأرشيف الوطني، أن الزي المدرسي بطابعة المغاير لما يرتديه الأبناء يمثل قيمة تعليمية، حيث يعبر عن شخصية الطالب التعليمية ويمنحه هوية أخرى، موضحة أنها تذكر، وهي في المراحل التعليمية الأولى، أن زي البنات كان عبارة عن «مريول» أزرق وقميص أبيض، وأنه كان يمثل أهمية كبيرة لجميع الفتيات، وأنهن كن يخشين عليه من التلف، أو الاتساخ، وفور العودة من المدرسة يتم وضعه في مكانه بالبيت حتى يظل نظيفاً، وأن كل طالبة كان لديها زي آخر جاهز للارتداء، وتلفت إلى أن توحيد الزي في المدارس حالياً خطوة مهمة، بخاصة أنه يعبر عن الهوية الوطنية، وأن كل الطلاب يشعرون بهيبة هذا الزي كونه يتسق مع العادات والتقاليد، ويتأقلم مع البيئة الإماراتية التي تراعي دائماً القيم.
مظهر حضاري
ولا يخفي خالد الحوسني، معلم، أنه لا يزال يحتفظ بذكرياته حول الزي المدرسي الذي كان يرتديه في الثمانينيات وأنه كان معبراً، وأن الفتيات أيضاً كن يرتدين زياً له رونقه، مشيراً إلى أن الزي المدرسي في كل الأحوال له بريق، وأنه كان يرتدي الكندورة البيضاء في الإعدادية والثانوية، ويرى أن توحيد الزي في العام الدراسي الجديد يمثل خطوة مهمة نحو ترسيخه في المدارس الحكومية، ويجعل الطلاب والطالبات يرتدون نسيجاً واحداً، ويندمجون في إطار تعليمي يراعي المظهر الحضاري بشكل أمثل، بخاصة أن الزي المدرسي في الذاكرة الإنسانية هو روح العملية التعليمية، ويمثل الحافز الذي يشعر الطلاب بهيبة العلم ومكانته.
روح وطنية
ويبين سيف المرزوقي، اختصاصي اجتماعي في مدرسة العجبان للتعليم الأساسي، أنه في مرحلة الثمانينيات كان لديه زيان مدرسيان، وأن الزي كان عبارة عن كندورة، وأنه سعيد بتوحيد الزي المدرسي مع بداية العام الجديد، بخاصة أن بعض الطلاب يتنقل من مدرسة إلى أخرى، وأنه مع توحيد الزي فإنهم لن يضطروا -كما كان في السابق- إلى شراء زي جديد يتماشى مع قواعد المدرسة التي تم الانتقال إليها، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تنسجم مع الروح الوطنية وتعبر عن الهوية.
ضرورة مجتمعية
تقول لطيفة الحوسني -مديرة مدرسة- إنها لا تزال تذكر مراحل تعليمها الأولى، وأن الزي المدرسي كان بالنسبة لها ولجميع الطالبات آنذاك يمثل أهمية، وأنها كانت تخشى عليه من أي تلف، بخاصة أنها كانت تشعر بالسعادة بمجرد ارتدائه، وأنها سعيدة بالخطوة الجديدة التي أقرتها وزارة التربية والتعليم والتي تعبر عن توحيد الزي المدرسي، وأنها ترى أن توحيده ضرورة مجتمعية، كوننا نعيش في مجتمع يدمج العديد من الجنسيات في ربوعه، وأنه من الضروري أن تكون هناك هوية موحدة للزي المدرسي.
بين الفصول
أحمد راشد الحمادي، رئيس هيئة تدريس اللغة العربية في مدرسة زايد الثاني - حلقة ثانية، في أبوظبي، أوضح أن الزي المدرسي الجديد مناسب للطلاب، وسهل عليهم التنقل بين الفصول والحركة بوجه عام، وأن الألوان مناسبة أيضاً بخاصة للحلقة الثانية، لافتاً إلى أن الطلاب تأقلموا مع هذا الزي، وأن ارتداء الكندورة في الحلقة الثالثة في الصف التاسع وما فوق منسجم مع القيم الوطنية.
ويشير إلى أنه كان يرتدي في الثمانينيات الكندورة، وأنه في هذه المرحلة كانت الحياة التعليمية معبرة جداً عن الحياة المدرسية التي كان يخوض غمارها، وأن الزي المدرسي هو دائماً يعبر الهوية الوطنية.
إطار معرفي
يقول سالم الحوسني مدير مدرسة زايد الثاني في أبوظبي -حلقة ثانية: إن الطلاب منسجمون مع الزي المدرسي الموحد الذي أعطى هوية مدرسية للطلاب ووحدهم في إطار معرفي، بخاصة أن هذا الزي يرسخ لمفاهيم تربوية كثيرة، وأن جميع الطلاب يشعرون بالراحة منذ بداية العام الدراسي مع ارتداء هذا الزي، وأن هذه الخطوة مهمة في تعميق الهوية الوطنية وتعويد النشء على الالتزام بقواعد تربوية أصيلة، وأنه مع بداية العام الدراسي الجديد لاحظنا التزام الطلاب بالزي المقرر العام والرياضي، لافتاً إلى أن هذا الالتزام يؤكد مدى سعادة الطلاب بتوحيد الزي المدرسي في المدارس الحكومية.