سعيد ياسين (القاهرة)

توفيق الدقن.. أحد أشهر الفنانين الذين لعبوا أدوار الشر في السينما العربية، أسس لمدرسة متفردة في إبداعاتها وإمكانياتها، استندت إلى الأداء السهل الممتنع الذي لم يتوقف أمام الشكل والكم، غاص في المضمون، وكان يشكل خلطة سحرية، وأحد الأوراق الجاذبة في أفلام الخمسينيات والستينيات ومنتصف السبعينيات من القرن الماضي.
ولد الدقن في 3 مايو 1924 في محافظة المنوفية، وعشق الفن منذ طفولته، ورغم أنه عمل أثناء دراسته في السكك الحديدية في القاهرة لمساعدة أسرته، إلا أنه حرص على صقل موهبته بالدراسة، حيث التحق بمعهد التمثيل من دون أن يخبر والده، الذي كان يريد أن يكون مثله رجلاً أزهرياً.
علمت والدته بالتحاقه بالمعهد، وكانت ترسل له الأموال في أرغفة الخبز، وأعلنت موافقتها على اتجاهه إلى التمثيل شريطة أن يصبح مثل محمود المليجي، وكبر هذا الحلم داخله وصار واقعاً، وأصبح صديقاً له منذ أول تعاون بينهما في فيلم «أموال اليتامى»، وارتبط كثيراً به في الأفلام والحياة.
تخرج توفيق في الدفعة الثانية من معهد التمثيل العام 1947، وكان من زملائه صلاح منصور، وعبدالمنعم مدبولي، وسعد أردش، وزهرة العلا، وعمل عقب تخرجه بالمسرح الحر لمدة سبع سنوات، قبل أن يعمل لعامين في فرقة إسماعيل ياسين.
والتحق الفنان الكبير بالمسرح القومي، وظل عضواً به حتى إحالته إلى التقاعد، وكان واحداً من أبرز نجومه، واشتهر بأدوار الشر التي اختلطت بخفة الظل، ومنها اللص والبلطجي والشرير وزعيم العصابة، وهي الأدوار التي كان يخاف منها زملاؤه ويعتذرون عنها، وكان أجرأ منهم في قبولها، وهو صاحب مقولة «ليس هناك دور كبير وآخر صغير، ولكن هناك ممثل كبير وآخر صغير».
عمل الدقن مع جميع المخرجين والكتاب الكبار، ومنهم نجيب محفوظ، وإحسان عبدالقدوس، وتوفيق الحكيم، ويوسف السباعي، وثروت أباظة، ووضع الجميع ثقتهم فيه، وكون لفترة طويلة ثلاثياً شهيراً مع محمود المليجي، وفريد شوقي، أثمر عشرات الأفلام الناجحة.
قدم خلال مشواره ما يقرب من 200 فيلم، منها: «درب المهابيل»، و«ابن حميدو»، و«سر طاقية الإخفاء»، و«الناصر صلاح الدين»، و«مولد يا دنيا»، ومن المسرحيات، «عيلة الدوغري»، و«بداية ونهاية»، و«سكة السلامة»، و«المحروسة»، و«الفرافير»، وعشرات المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية، ومنها: «سمارة»، و«المحروسة 85»، و«القط الأسود»، و«هارب من الأيام»، و«مارد الجبل»، وحصل على العديد من الأوسمة وشهادات التقدير، ومنها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1956، والاستحقاق والجدارة في عيد الفن 1978.
قال ابنه المستشار ماضي لـ «الاتحاد»، إن والده كان صاحب قصة كفاح فيها تحد وإرادة، مثل كل قصص الكفاح، وأنه كان رجلاً جاداً في الحياة، وكان الجانب الإنساني غالباً عليه، لافتاً إلى أن نجمه بزغ مع بداية ثورة يوليو 1952، وارتبط بالمشروع القومي المصري. وأضاف ماضي، كان والدي أحد أعمدة المسرح القومي.
وكشف أن والده لم يكن يحب مشاهدة أعماله، وكان دائم الانتقاد لنفسه، وأن أغلب قفشاته «أفيهاته» كانت من بنات أفكاره، ومنها: «استر ياللي بتستر»، و«أحلى من الشرف مفيش»، و«يا عيني ع الصبر»، و«آلو يا همبكة»، و«آلو يا أمم».
تزوج الدقن من خارج الوسط الفني، وأنجب ماضي وهالة وفخر، وتوفي في 27 نوفمبر 1988.