تزايد إقبال القطريين على شراء السفن الخشبية التقليدية زاد أنشطة المصنعين والحرفيين في هذا المجال، رغم صعوبة هذه الحرفة، وارتفاع تكاليفها، إلا أن هناك ناشطين ومهتمين في مجال الحفاظ على التراث الأصيل؛ ?فقديما كانت السفن بأنواعها “البوم”، “السنبوك”، و”الشوعي”، و”البغلة”، و”البتيل” تصنع في قطر، وتستعمل في الغوص، والنقل والتجارة. جاسم سلمان (الدوحة) - انتشرت وحدات لصناعة وصيانة السفن في كل من مدن الوكرة والخور والدوحة، ?وتقوم وحدات الصيانة بخدمة السفن التقليدية بكافة أنواعها، ونجح الصناع القطريون في إحياء هذه الصناعة أو بالأحرى الحرفة والمهنة شبه المندثرة، التي لم يعد لها وجود عربياً. وعلى الصعيد العالمي، لا توجد صناعة للسفن التقليدية إلا في الهند، واستطاعت ورشة قطرية صناعة أكبر سفينة من نوع “البتيل” وهو نوع قديم من السفن، كانت تستخدم في نقل البضائع والغوص قديماً. شهرة خليجية يقول علي الصايغ، أحد الصناع والمختصين في هذا المجال، “أجدادي اشتهروا في الخليج بصناعة السفن، وبعض الحرف والمهن الصناعية القديمة، نظراً للحاجة إلى السفن في السفر للهند وجلب البضائع، حيث كانت التجارة رائجة عبر البحر، إذ يجلب التجار الخليجيون الأخشاب والتوابل، والملابس من بلدان وأماكن بعيدة، لذلك كانت هناك حاجة ملحة لصناعة سفن بأحجام كبير”. ويضيف “اكتسب الحرفيون المهارات من الشعوب والدول الأخرى، وأصبحت السفن التقليدية الخليجية معروفة وذات شهرة واسعة”. ويتابع الصايغ “كان الصناع يمضون أعواماً في صناعة السفينة الواحدة، ولم تكن الصناعة كبيرة لدرجة تسميتها صناعة، بقدر ما هي حرفة يتعلمونها من الهنود، وكانت السفن وسيلة نقل مهمة حيث كانت تستخدم لنقل الحجاج، والخروج في رحلات الغوص والبحث عن اللؤلؤ في أعماق البحار”. ويوضح أنه قديما لم تتوفر سفن حديدية أو مراكب متطورة، وجلب السفن من الهند كان مكلفاً، لذلك فإن الناس يصنعون أو يطلبون من الحرفيين المحليين صناعة سفن تناسب أوضاعهم ومقاصدهم، ومنذ ذلك الوقت، وحتى منتصف القرن الماضي، والسفن الخشبية تملأ شواطئ المدن الخليجية المطلة على البحر ويستخدمها الناس في الغوص والسفر”. ويؤكد الصايغ أن “المراكب الحديثة أصابت هذه الحرفة في مقتل لأن صناعتها مكلفة فالأخشاب تجلب من الهند وماليزيا، وهناك تجارة منظمة للأخشاب، وطلب عالمي على شرائها، كما أن نقلها مكلف، وصناعتها صعبة ودقيقة، وتأخذ وقتاً طويلاً، ولم تكن هناك صناعة إلا لدى بعض الحرفيين المهرة، وهم قلة أصلاً، ولا يعطون سر صناعتهم لأحد، فكل حرفي معروف بشكل صناعته”. عملية دقيقة من جهته يقول الباحث في شؤون التراث خليفة الكبيسي “اشتهرت قطر في صناعة سفن من نوع السمبوك والبتيل، كما أن الدوحة سوق ومقصد لمحبي السفن الخشبية، ولا تزال مشتهرة بهذه الصناعة التي لم تندثر فالقطريون يمارسون الصيد والتنزه بالسفن الخشبية الصغيرة والكبيرة، ولم يندثر إلا السفر والغوص لظهور وسائل حديثة، وعدم جدوى الاستمرار في هذه الأنشطة اقتصادياً”. وفيما يخص كيفية صناعة السفن والطرق المستخدمة حالياً، يشير الكبيسي إلى أن “هذه الصناعة تمتاز في كون كل المستلزمات تصنع محلياً مائة بالمائة، من حيث المسامير والأخشاب والزخارف، ولا تتم صناعة أو جلب أي شيء جاهز من خارج الدولة”. وحول طريقة الصناعة، يقول الصايغ “وتبدأ صناعة السفينة بمد خشبة “البيص” وهي العمود الفقري للسفينة، ومن ثم يتم صف الأخشاب، التي تقص من الأشجار المستوردة، بعد أن يتم تشريحها، وفتحها لكي تجف وتتمدد، ومن ثم تشييد السفينة شيئاً فشيئاً، عن طريق عملية معقدة، وشاقة، ودقيقة، حتى يكتمل البناء، وتصبح السفينة جاهزة للإنزال في البحر، والاستخدام”. ?وعن المدة المستغرقة في صناعة كل سفينة، يقول “تستغرق صناعة السفينة الكبيرة عامين، بينما السفن الصغيرة 6 أشهر، وذلك لأن المعدات بدائية، وبطريقة حرفية، لتخرج هذه الصناعات على شكل تحف”. مراكب فاخرة يوضح الكبيسي أنه منذ القديم تعتبر السفن الخشبية مراكب فاخرة ومميزة ونادرة لتوفر مميزات كثيرة فيها فالأخشاب التي تصنع منها لا تمتص الماء، وتبقى لعقود من الزمن في الماء، دون أن تتلف أو تغيرها العوامل والتأثيرات المناخية، فضلاً عن صناعتها يدوياً، دون تدخل الآلة نهائياً، وهذا ما يساعد على مد عمرها الافتراضي، وأن تكون مصنعة بجودة عالية، غير موجودة في أي من بقاع الأرض في هذا الزمن. من جهته، يقول محمد باقر، صانع ومهتم بالصناعات التقليدية، “إننا تعلمنا واكتسبنا خبرة في مجال وضع الشكل البرتغالي أو العربي أو الهندي للسفن، كما أن الحرفيين والفنيين حالياً يطبقون الأشكال الهندسية في صف الخشب وربطه، ووضع المسامير عليه، وأكثر ما يميز هذا المجال هو وجود اهتمام بالسفن وعمل صيانة لها حيث إن خدمات الصيانة تبدأ من رفع السفينة من الماء إلى وحدة الصيانة، وفحص السفينة، ومعرفة الخلل، أو رصد المشكلة، وعمل اللازم لها”. وحول الأخشاب التي تبقى من صناعة السفن الكبرى، يقول باقر إنه لا يتم التخلص منها أو إلقاؤها، بل استغلالها والاستفادة منها، بصنع مجسمات للسفن، أو حتى سفن صغيرة، ما يوفر سفناً بأحجام مختلفة كبيرة وصغيرة، بدءاً من السفن التي تكون بحجم كف يد الإنسان، وحتى طول 100 قدم.? ولذلك فإن هناك سفنا تصلح للتنزه أو للصيد، تكون متوسطة الأحجام، كما أن هناك سفناً صغيرة، تستخدم أو تمنح كهدايا، وتكون مجسمات لأشكال السفن الكبيرة. ويشير باقر إلى وجود ورش نجحت في صناعة عدد كبير من السفن التراثية التقليدية، ودعمت أنشطة الحفاظ على الموروث الحضاري لدولة قطر، وأن هناك سفنا صنعت حديثاً وأطلق عليها مسميات مميزة، مثل “الجازي، فتح الخير، البوم”.