ساسي جبيل (تونس)

انطلقت مؤخراً الحملة الانتخابية بين مرشحي الرئاسة التونسية الـ 26 في مشهد سياسي ربما يفتح الباب على مصراعيه أمام الكثير من المفاجآت، وفي مبادرة غير مسبوقة في تونس، تقرر تنظيم مناظرات تلفزيونية بين مرشحي الانتخابات الرئاسية، حيث تم تقسيم المناظرات على ثلاث حصص، يشارك فيها كل المرشحين باستثناء المرشح ورجل الأعمال نبيل القروي الموجود حالياً في السجن.
ويبلغ العدد النهائي للناخبين المسجّلين في كشوف في الانتخابات، 7ملايين و155 ألفاً بزيادة بلغت مليوناً و490 ألفاً على العدد المسجّل في آخر محفل تصويتي شهدته البلاد.
تبث المناظرات التي اختير لها عنوان «الطريق إلى قرطاج - تونس تختار» على 11 قناة تلفزيونية، بينها قناتان عامتان، وعبر أثير نحو عشرين إذاعة.
وقدم97 شخصا ملفات ترشحهم للرئاسة، وتقلص العدد إلى 26 مرشحاً، وأعلنت الهيئة العليا للانتخابات في أن العدد النهائي للمترشحين الذين سيتنافسون في انتخابات الرئاسة المقررة في 15 سبتمبر 26 مرشحاً، وهم نجي الرحوي، محمد عبّو، عبير موسي، نبيل القروي، محمد لطفي المرايحي، المهدي جمعة، حمادي الجبالي، حمة الهمامي، محمد المنصف المرزوقي، عبد الكريم زبيدي، محسن مرزوق، محمد الصغير نوري، محمد الهاشمي الحامدي، عبد الفتاح مورو، عمر منصور، يوسف الشاهد، قيس سعيّد، إلياس الفخفاخ، سليم الرياحي، سلمى اللومي، سعيد العايدي، أحمد الصافي سعيد، الناجي جلول، حاتم بولبيار، عبيد بريكي، سيف الدين مخلوف.
ويرى مراقبون ومحللون للشأن السياسي في تونس أن وجود 26 مرشحاً في الانتخابات الرئاسية هو رقم كبير، خاصة في وجود جدل سياسي غير مسبوق وصراعات أجنحة مختلفة..
«الاتحاد» استطلعت آراء عدد من المهتمين من إعلاميين وسياسيين لتلقي الضوء على هذا الملف قبيل الاقتراع المنتظر في 15 سبتمبر.

البرامج الانتخابية
يقول الدكتور عبدالحميد لرقش، المنسق الوطني للائتلاف المدني، إن المرشح الأقدر على تجميع التونسيين هو وزير الدفاع عبدالكريم الزبيدي لأن أغلب المرشحين في الانتخابات الرئاسية، سواء ممن كانوا في الحكم أو خارجه، عجزوا عن تقديم برنامج مقنع، وجلهم يتحمل المسؤولية لما آلت إليه الأوضاع العامة من تردٍ، معتبراً أن الزبيدي مستقل عن كل الأحزاب رغم أنه لا يعاديها، وبرنامجه الانتخابي يركز على إقامة دولة قوية ومهابة، ويحظى بثقة أغلب التونسيين.
من جانبه، يرى نجم الدين العكاري، رئيس تحرير صحيفة أسبوعية، أن حظوظ المرشحين للرئاسة متفاوتة بين الأعضاء الستة والعشرين، لكن ثلاثة منهم سيكون لهم أوفر الحظوظ في الفوز وهم دون ترتيب تفاضلي، عبدالكريم الزبيدي، المستقل والمدعوم من حزبي النداء وآفاق تونس، ويوسف الشاهد رئيس الحكومة الحالي، رئيس حزب تحيا تونس، ومهدي جمعة، رئيس الحكومة السابق، زعيم حزب البديل.
وأضاف: هناك مجموعة أخرى تحاول خلق المفاجأة وتضم كلاً من نبيل القروي المسجون حالياً في قضية فساد، وحمادي الجبالي الذي يدخل الانتخابات مستقلاً.

توعية التونسيين
أما الكاتب والإعلامي علي الخميلي فيقول: «يلاحظ في قائمة المرشحين الـ26 أنها وبقدر ما تجمع بعضاً من رجال الدولة القادرين على تحمل المسؤولية، فإنها تضم أيضاً أسماء بعيدة كل البعد عن مثل هذه المهام، خاصة أنها لا تمتلك المشاريع ولا البرامج التي يمكن بها خدمة البلاد بالشكل الإيجابي خلال المرحلة المقبلة، حيث منها التي جرّبت وفشلت سواء في الترشح أو حتى في ممارسة الحكم، ومنها الفولكلورية التي تعتبر ظاهرة كلامية في بعض المنابر الإعلامية دون أن تتجاوز تلك المسألة، ومنها المتهمة بشتى التهم وكان عليها تسوية وضعياتها مع القضاء قبل التقدم لهذه الانتخابات».
وأضاف: «على ضوء ذلك يجب توعية الشعب بأكثر حزم وجدّية، على حسن الاختيار لتأمين مرحلة من الاستقرار خلال السنوات المقبلة، حتى لا يكون الصندوق الانتخابي عبثاً قد لا يفرز غير من اعتمدوا المال القذر، سواء من مالهم الخاص أو عبر دعم دول أخرى لا تحب الخير لتونس، «وهو الأخطر»، وهم في الأصل من الفاشلين العاجزين».

مراكز النفوذ
أما الكاتب والمخرج السينمائي غانم غوار فله قراءته الخاصة، حيث يقسم الأمر إلى صنف أول ذي حظوظ وافرة، وراءهم أحزاب أو مراكز نفوذ وضغط، ولهم حيثية اجتماعية وسياسية ولا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، وصنف ثانٍ بحظوظ ضعيفة لضعف أحوالهم أو أدائهم أو برامجهم أو الجهات التي تسندهم وهم الأغلبية من المرشحين وهم قرابة 15 مرشحاً، وصنف ثالث عبارة عن مرشحين ليس لديهم أي حظوظ.
وقال إنه مشهد تتداخل فيه السياسة والمال، وطبع في نفوس التونسيين نظرة سوداوية لا تشجع على العمل والإنتاج، خاصة أن فضائح الإفلات من العقاب أصبحت السمة الغالبة.
كما أشار مسعود الكوكي الكاتب التونسي الساخر إلى أن 26 مرشحاً للرئاسة التونسية أمر يحمل في طياته فائض زعامات وهمياً في أغلبه.. ولدوا من رحم وضع تونسي بعملية قيصرية لا تبدو مضمونة العواقب، فأغلب هؤلاء أرقام في السباق إلى قصر قرطاج، وسيكون الفوز ثنائياً في المرحلة الأولى، ولا أستبعد في النهاية أن يقبل الطرف الفاشل الهزيمة، وهو ما سيلقي بظلاله على المرحلة القادمة، وما نتمناه جميعاً هو أن يكون النجاح حليف التنوير والتحديث.

خطورة الإخوان
أعرب الكاتب والناشط السياسي محمد الزمزاري عن اعتقاده أن أخطر المرشحين في الانتخابات الرئاسية التونسية، هم الحاملون للفكر الإخواني، سواء كان الظاهر منهم وهم من المنتسبين لحركة النهضة، أو المخفي الذي أيضاً يتعامل مع «النهضة»، ويجد الدعم والمساندة من قطر وتركيا، مؤكداً أن الإخوان لا يؤمنون بالوطن ولا بالدولة ولا بالعلم ولا بأي شيء غير التدمير والعبث.
وتابع: «أما قائمة الـ26 فلا أنكر أن العدد كبير جداً، وكان من المفروض أن لا يتجاوز الـ 5 أو الـ 6، من الممثلين لمختلف الشرائح، ومن القادرين فعلاً على الرئاسة والتفاعل مع طموحات الشعب، وبالتالي فإن الأصوات في هذه الحالة قد تتشتت، وهو ما يخدم «الإخوان» الذين في صورة صعود رئيس منهم، يصبح السيناريو المصري أيام مرسي وارداً، وعندها تعود تونس إلى نقطة الصفر».
وفي الإطار نفسه، دعا الناشط السياسي محمد الصالح الحميدي إلى عدم التصويت لـ«النهضة»، ففي هزيمتها هزيمة للمشروع الإخواني. وقال إن الشعب التونسي من المفروض أن يكون قد كسب من الوعي ما يؤهله لحسن الاختيار هذه المرة بعد أن احترقت أيدي أفراده بسبب صعود «الإخوان» في الانتخابات التشريعية السابقة وقبلها في عام 2011 لكتابة الدستور، وبالتالي للحكم، سواء ما سموه بالتوافق أو بالسيطرة البرلمانية، وبالتالي عليهم عدم التصويت لكل إخواني، من حركة النهضة أو من خارجها، من ضمن الـ 26، باعتبار أن الإخوان لا يعترفون بالدولة التي يعتبرونها «اختراعاً غربياً».
وأضاف: «الانتخابات الرئاسية المقبلة تشكل مفصلاً خطيراً في التاريخ التونسي الحديث، ومن خلاله سيؤكد الشعب حقيقة تمدنه، وضرب كل نفس إخواني».