عقيل الحلالي (صنعاء)

هلل الإصلاحيون والحوثيون، بعد صلاة الجمعة في ساحة الاحتجاج بشارع الستين بالعاصمة اليمنية صنعاء في الثالث من يونيو 2011، ابتهاجاً بأنباء عن مقتل الرئيس علي عبدالله صالح في تفجير استهدفه وهو يؤدي صلاة الجمعة بالمسجد الرئاسي جنوب العاصمة. لكن صالح نجا من موت محقق بعدما ظل 14 يوماً في غيبوبة تامة في إحدى مستشفيات الرياض، وأجبر لاحقاً على التخلي عن السلطة لنائبه عبدربه منصور هادي الذي سارع للارتماء في أحضان ما سمي بـ«قوى الثورة الشبابية» الخاضعة لـ«الإخوان» والحوثيين، بهدف إقصاء سلفه من المشهد السياسي برمته.
ومنذ ذلك التاريخ، لعب تنظيم «الإخوان» بأيديولوجيته الدينية الإقصائية، أدواراً سلبية دفعت اليمن إلى أتون صراع داخلي مدمر، بعد أن كان اليمنيون يتنفسون الصعداء لتواري شبح الحرب الأهلية، بقبول الرئيس علي عبدالله صالح التنحي بموجب المبادرة الخليجية التي نجحت بالفعل في منع انزلاق اليمن إلى الهاوية خلال احتجاجات 2011.

انتهازية مقيتة
عمل تنظيم «الإخوان»، بانتهازية مقيتة ونشوة انتصار زائفة، على تلغيم المشهد السياسي في اليمن، بعيد انتخاب هادي في سباق رئاسي شكلي جرى يوم 21 فبراير 2012، عبر مهاجمة الرئيس السابق، بدءاً بمقاطعة احتفال رمزي لتسليم السلطة بالقصر الرئاسي أواخر فبراير العام ذاته، ثم محاولة استفزاز صالح بالتلويح بمحاكمته وتنظيم مسيرات مناوئة له قرب منزله وسط صنعاء، للضغط عليه لاعتزال العمل السياسي والتخلي عن رئاسة حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان يشغل هادي منصب الرجل الثاني فيه.
ومثلت هيمنة حزب «الإصلاح» على الحكومة الانتقالية برئاسة محمد سالم باسندوة، التي تشكلت أواخر العام 2011، عاملاً رئيسياً لتفاقم الاضطرابات في اليمن، حيث استغل «الإصلاح» نفوذه على سلطة هادي في توجيه المشهد السياسي والأمني والاقتصادي لتنفيذ مخططاته، متخذاً من أسماهم بـ«الفلول» شماعة لكل الإخفاقات والصعوبات التي واجهت الحكومة الجديدة.
وخلال الشهور الأولى على هيمنة «الإصلاح» على مؤسسات الدولة، تنامى نشاط تنظيم «القاعدة» الإرهابي بشكل لافت، خصوصاً في صنعاء التي شهدت خلال 2012 هجمات إرهابية بانتحاريين وسيارات ملغومة أودت بحياة العشرات من الجنود والمدنيين، واستغلها تنظيم «الإخوان» في إنفاذ أجندته الهادفة لاقتلاع نظام صالح من جذوره.
وقد وافق حزب «الإصلاح» على قيام دولة اتحادية ذات نظام فيدرالي من عدة أقاليم، كحل لقضيتي الجنوب وصعدة، لكنه في ذات الوقت عارض، وبشدة، مطالب القوى الجنوبية، بما في ذلك أطراف سياسية حليفة له ضمن تكتل اللقاء المشترك، إعلان الجنوب إقليماً واحداً، مصراً على ضرورة عزل محافظتي حضرموت والمهرة، الغنيتين بالنفط، إضافة إلى محافظة المهرة في شرق البلاد، عن محافظات عدن ولحج والضالع وأبين. كما عارض حزب «الإصلاح»، وبشدة، مقترح الحوثيين بضم محافظتي الجوف وحجة لإقليم واحد يضم أيضاً محافظة صعدة.
وقد أدى تشدد «الإخوان» في الأسابيع الأخيرة للحوار الوطني أواخر العام 2013، إلى تفاقم الاحتجاجات الشعبية في الجنوب رفضاً لتقسيم الجنوب إلى إقليمين، رافقها تحرك عسكري للحوثيين لبسط هيمنتهم على كامل محافظة صعدة، والتوغل غرباً باتجاه ميناء «ميدي» الاستراتيجي على البحر الأحمر في شمال محافظة حجة.

التمدد الحوثي
وفيما كانت السلطة الجديدة في صنعاء تتهيأ للاحتفال باستكمال ماراثون الحوار الوطني في يناير 2014، كانت صعدة تشهد صراعاً مسلحاً بين ميليشيات الحوثي والجماعة السلفية في «دماج»، التي خذلتها سلطة صنعاء «الإخوانية» كعقاب على رفض الجماعة الدينية تأييد احتجاجات 2011، فتركتها وحيدة في معركة مصيرية انتهت سريعاً بمرسوم رئاسي قضى بخروج السلفيين من صعدة.
وقد أدى الخذلان «الإخواني» لـ«السلفيين» في صعدة إلى تمدد الحوثيين إلى محافظة عمران ووصولهم، في فبراير 2014، إلى معقل عائلة الشيخ صادق عبدالله الأحمر، زعيم أقوى القبائل اليمنية، والتي قاتلت وحيدةً الميليشيات المتمردة لتنتهي المعركة سريعاً بانتصار الطرف الثاني وتقدمه، بداية مارس العام ذاته، إلى تخوم مدينة عمران، حيث اللواء 310 مدرع، أهم معسكرات اللواء الأحمر وحزب «الإصلاح».
وفي صنعاء، كانت القوى السياسية والاجتماعية والقبلية والعسكرية تحشد للدفاع عن العاصمة من ميليشيات الحوثي التي تقترب من المدينة بذريعة، إلا أن معركة صنعاء لم تستمر 4 أيام، آخرها 21 سبتمبر 2014، بسبب خذلان وتواطؤ «إخواني» جديد دافعه تجنيب العاصمة وسكانها إراقة الدماء، وإفشال «مؤامرة إقليمية» تستهدف «الإصلاح» وتنظيمه السري، بحسب مزاعم هذا الحزب الذي وجه، عبر وزارة الداخلية التابعة له، القوات الأمنية والعسكرية بتسليم كافة مقرات ومؤسسات الدولة، بما في ذلك السيادية، للميليشيات المتمردة.
سقطت صنعاء وفر اللواء علي محسن الأحمر إلى خارج البلاد، وغادر «الإخوان»، قيادات وأفراداً، العاصمة إلى مدن أخرى ليستمر التمدد الحوثي جنوباً وغرباً وشرقاً، في ظل غياب كامل للدولة اليمنية التي أسقطها تنظيم «الإخوان» في العام 2011.
ومع انطلاق حملة التحالف العربي في اليمن أواخر مارس 2015، استغل تنظيم «الإخوان» الدعم العسكري والمالي في بناء قوات عسكرية تابعة له تحت مسمى «الجيش الوطني»، وتحسين مصادر إثراء قيادات العسكرية والأمنية والقبلية.
انتصر الجنوبيون بدعم من التحالف العربي، خلال أشهر فقط نهاية 2015، في معركة تحرير عدن ومحافظات لحج وأبين وشبوة من ميليشيات الحوثي، وتقدموا أواخر 2017 ومطلع 2018 إلى الساحل الغربي ومحافظات الحديدة وتعز والبيضاء، بينما فشلت القوات التابعة لـ«الإخوان»، المنضوية في الجيش، في تحقيق انتصارات نوعية ضد الحوثيين، فكانت قوات التحالف هي التي حررت وأمنت محافظة مأرب في أكتوبر 2015، وهي التي اقتحمت واستعادت ميناء ومديرية «ميدي» في محافظة حجة.
ومنذ أواخر 2015، لم تحرز ميليشيات «الإصلاح» تقدماً باتجاه العاصمة صنعاء التي تبعد فقط 40 و50 كيلومتراً من مواقع تمركز هذه القوات في نهم وصرواح.
وقد اتضح كذب «الإصلاح» أواخر أغسطس الماضي، بإرساله قوات عسكرية كبيرة من مأرب إلى محافظات شبوة وأبين ولحج وعدن، قطعت أكثر من 600 كيلومتر، بذريعة الحفاظ على وحدة البلاد ومسنودة بفتاوى دينية، في سيناريو مشابه لحرب صيف 94 التي تبرأ منها التنظيم ورفض تحمل تداعياتها وآثارها السلبية.