نسرين درزي (أبوظبي)
الاستقطاب الجماهيري الملحوظ الذي سجله مهرجان الشيخ زايد التراثي لهذا العام والمستمر حتى بعد غد السبت، لم يقتصر على زيارة الوفود السياحية والزوار من الأفراد والعائلات، وإنما شهد حراكاً لافتاً على مدى الأسبوعين الفائتين من طلبة المدارس والهيئات التعليمية المرافقة. وتأكيداً لشعار المهرجان «الإمارات ملتقى الحضارات»، جاء التنسيق مع اللجنة المنظمة لتعريف الجيل الجديد من مختلف الفئات العمرية بأهمية الموروث الثقافي على المستويين المحلي والعالمي.
وكانت الجولات الميدانية للضيوف الطلبة أشبه برحلات إرشادية اطلعوا خلالها على الحي الإماراتي بكل ما فيه من مفردات العيش بحسب تقاليد الأجداد، واستمعوا إلى شرح واف عما يميز شعوب الأجنحة المشاركة من طقوس وعادات ومشغولات يدوية وأكلات وأزياء ولوحات فلكلورية.
الحي الإماراتي
بداية برنامج الزيارات من الحي الإماراتي المتمثل بمجموعة من الفعاليات والمسابقات التراثية والحرف ومنتجات الأسواق الشعبية تماماً كما كانت عليه قديماً. ومن خلال الورش التفاعلية الحية تعرف الطلبة من مختلف مدارس الدولة إلى خصوصية البيئات الأربع لمجتمع الإمارات، البر والبحر والواحة والجبل، وتوجهوا بعدها إلى الأحياء التراثية العالمية ضمن الأجنحة العربية والخليجية والآسيوية والإفريقية والأوروبية، والتي تعكس صورة عن حضاراتها عبر مبانيها التقليدية وأسواقها واستعراضاتها. وأكثر الفقرات تشويقاً عروض الحرفيين المتخصصين من حول العالم، وما يقدمونه من فنون عريقة في قوالب تعليمية محببة. كما شهدت قرية الأطفال اهتماماً متزايداً من صغار السن الذين قضوا فيها وقتاً ممتعاً في نهاية الجولات، وأبدوا إعجابهم بالبرامج التفاعلية التعليمية وبناء المكعبات الهندسية وركن الرسم على الوجوه وحلقات الطهي المباشر ومسابقات الحركة التطبيقية.
معمول روسي
المحطة الثانية كانت عند الجناح الروسي الذي يلقى استحساناً كبيراً من قبل الزوار، إذ تتنوع معروضاته بين الملابس الشتوية والقبعات الصوفية والحلي والقلائد وحقائب اليد المصنعة من الجلد الطبيعي. وتحتل ألعاب الأطفال ركناً كبيراً من الجناح وتتضمن مجسمات صغيرة تدخل البهجة إلى النفوس بأشكالها المختلفة. ومما يمكن مشاهدته كيفية تحضير الحلويات والمخبوزات والأكلات الشعبية الشهيرة ومنها المعمول بالطريقة الروسية.
بعدها انتقل الجميع إلى الجناح الهندي الذي يضم عناصر جذب متنوعة من منتجات يقبل عليها الزوار بشغف، ولاسيما أبناء الجالية المقيمون في الدولة. ومما يعرضه الجناح المليء بالألوان، أقمشة تزهو بالنقوش وسلاسل من فضة ومباخر وصناديق من الخيزران وسروج الخيل المطعمة بالأحجار. ومما يشهده الجناح من فعاليات احتفالية، عروض الفرق الهندية الشعبية التي تقدم على خشبة المسرح وسط الجمهور العريض.
نقوش أوزباكستانية
جناح أوزباكستان من الأجنحة المتميزة ضمن مهرجان الشيخ زايد التراثي لهذا العام. ويبدو الاهتمام واضحاً بتصاميمه المشيدة بلمسة جمالية إبداعية تجسد تراث وعراقة وحضارة الشعب الأوزباكستاني، إذ غلبت على محاله الصبغة الإسلامية، من النقوش الجذابة على الجدران إلى منتجاته الفنية الراقية. وعند زيارته أبدى الجميع من الكبار والصغار اهتماماً بالوقوف عند ما يميز هذه البلاد من ثروات زراعية مثل القرع العسلي والتفاح والرمان والبطيخ والليمون والفلفل الأخضر والأحمر. ويتزين الجناح بأكثر من محل يعرض مجموعة من الأعمال الفنية المتفردة، بينها لوحات ورسومات أبدعها فنانون محترفون على جلود الحيوانات مجسدين من خلالها نماذج من الحياة الأوزباكستانية. ومن المعروضات تحف عتيقة وصناديق مختلفة الأحجام ومتعددة الاستخدامات تم تزيينها بآيات قرآنية وزخارف إسلامية حفرت على الخشب وأطباق وحوامل مصحف وطاولات منحوتة. ومما يتباهى به العارضون هنا، تعريف الزوار إلى أهم الأكلات الشعبية من داخل مطبخ كبير تم تجهيزه في أحد أركان الجناح ويلقى إقبالاً متزايداً. والموقع مجهز بمقاعد وطاولات لتناول الأطباق وتذوق الوجبات الحلوة والمالحة، وكذلك أنواع المكسرات والمخللات. مع فتح المجال للاستمتاع بما تقدمه فرق الفنون الشعبية الأوزباكستانية، والتسوق من على المنصات التي تعرض مجسمات فنية صغيرة للخيول والجمال، إضافة إلى المشغولات الصدفية والجلدية من العرائس الصغيرة.
وخلال الجولة ظهرت ملامح قارة آسيا بوضوح في مهرجان الشيخ زايد التراثي من خلال الجناح التايلندي الذي يكشف ملخصاً محبباً للزوار وأبناء الجالية المقيمين داخل الدولة. وأكثرها لفتاً للأنظار المنتجات التراثية والعروض الفلكلورية وأكلات من المطبخ التايلندي المتأثر بالمطبخ الصيني. ويستقطب الجناح عشاق الصناعات الجلدية ولاسيما الحقائب على أنواعها والتي يسافر كثيرون إلى بانكوك لشرائها بأسعار رخيصة. وكذلك الملابس والقطن والمفارش المزركشة التي تباع منها الأشكال والأنواع في سوق الأحد وسوق باتونام والسوق الليلي على امتداد الجزر التايلندية.
عسل البوسنة والهرسك
يتميز جناح البوسنة والهرسك، بمشغولاته النحاسية ولوحاته الفنية من الألمنيوم التي يعمل أحد الفنانين على النقش بالآيات القرآنية عليها أمام الزوار. ويقبل الزوار على التسوق بكثرة وشراء أنواع العسل الطبيعي مثل عسل الطلح وعسل الكستناء والعسل بالمكسرات وعسل المن. ومن المنتجات المعروضة القفازات المصنوعة يدوياً من الصوف وأصناف الشاي المحضرة محلياً ومجموعة متنوعة من أعشاب التداوي من بعض الأمراض مثل ضغط الدم والأعصاب والمخ والأورام. ويعرض الجناح باقة من كريمات الوجه والبشرة المصنعة من مكونات خالية من المواد الكيميائية.
استعراضات كازاخستانية
المتجول بين المحال المكتسية بالأدوات التقليدية يلاحظ حجم الثراء الحرفي الذي يتميز به المجتمع الكزاخستاني على اختلاف مدنه العصرية ومناطقه القروية. والموروثات التي لا يُعرف عنها الكثير تتمثل هنا بالسيوف والخناجر والمجسمات الخشبية واللوحات الزيتية المستوحاة من طبيعة البلاد الخضراء، عدا عن الأحزمة والحلي الفضية وأساور العقيق والإكسسوارات المنزلية وقطع الصوف والسجاد المحاك يدوياً. ومع التوغل في الفعاليات التي تقدم على هامش منصات العرض، تطل الرقصات الاستعراضية بما فيها فنون «كورسار» و«أسا نايلق». ويظهر الراقصون جمالية الأزياء الكزاخستانية التقليدية المزركشة بالخيوط اللماعة إذ تضيء على فساتين المرأة الريفية وسترات الصيد للرجل الآتي من بيئة الجزر والبحار والمراكب.
«أطفال دار زايد» في زيارة للمهرجان
نظم أطفال دار زايد للرعاية الأسرية، أمس، زيارة لمهرجان الشيخ زايد التراثي في منطقة الوثبة، بهدف تعزيز الهوية التراثية، والحفاظ على ماضي الآباء والأجداد.
واطلع الأطفال على شواهد من حضارة دولة الإمارات العريقة ومعالم رمزية من ثقافات الشعوب الأخرى، واستمروا بزيارة جناح الرياضات التراثية الإماراتية مثل الخيل والهجن والصقارة، وقام الأطفال بأخذ صور تذكارية مع الصقارين، وتفاعل الأطفال مع الحرف اليدوية التي تظهر مدى أهميتها، وأنها كنز تراثي ثمين يجب الحفاظ عليه، وقد تعرفوا أيضاً إلى الإرث القديم لشعب دولة الإمارات الذي يجمع جوانبه المتعددة الثقافية والمعرفية والترفيهية، كما استمعوا أيضاً على حكايات الأوليين التي تسرد مراحل تطور الحياة ومعاناة الأجداد فيما مضى وصولاً إلى مجد الإنجازات التي حققتها دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقال نبيل الظاهري، مدير عام دار زايد للرعاية الأسرية، إن هذه الزيارة أتت في إطار ترسيخ ثقافة التسامح في نفوس الأطفال، خصوصاً بأن المهرجان ملتقى للحضارات بين الشعوب، مشيراً إلى الحرص في دار زايد للرعاية الأسرية على ربط الجيل الناشئ بماضي الآباء والأجداد، بالإضافة إلى تعزيز الهوية التراثية.