هناء الحمادي (أبوظبي)

تظل الأزياء التراثية موروثاً وتراثاً وعادات تختلف في تفاصيلها وألوانها وطريقة حياكتها وأسلوب لباسها من دولة إلى أخرى، ومن شعب إلى آخر، ومسألة التمسك بها عبر الأجيال المختلفة، تتحكم فيها الثقافة العامة، ومسيرة تطور المجتمع، منذ أيام الصحراء وتحديات العصرنة والتجديد، ومجابهة مسارات زمن «السوشيال ميديا».
ولا عجب حين نرى تهافت الكثير من الفتيات وحنينهن للأزياء التراثية، التي باتت على كل وسائل التواصل الاجتماعي من التصميم إلى خيوط البريسم والزري، الذي يزين الكثير من الملابس التقليدية.

رائحة الماضي
تقول فاطمة المزروعي، رئيس قسم الأرشيفات التاريخية في الأرشيف الوطني: في الفترة السابقة خاصة خلال المناسبات السعيدة، مثل الأعياد وشهر رمضان المبارك، نلاحظ تسابق الكثير من المصممات في عرض تصاميمهن التراثية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتفنن في إحياء الأزياء التراثية من خلال الدمج بين القديم والجديد ليكون التنافس محموماً فيمن يرتدي تلك الأزياء التي تفوج منها رائحة الماضي الممزوجة بخيوط البريسم والزري والتطريز القديم على أقمشة بوتيلة التي هي عبارة عن كرة زجاجية صغيرة شفافة يلعب بها الصغار قديماً، والتيلة التي ترسم على القماش تكون بألوان وأحجام مختلفة، وكانت النسوة يلجأن إلى تطريزها أو «تخويرها» عند الرقبة والأكمام بمختلف أنواع الزخارف من الزري الفضي والذهبي أو البريسم والملون.
وتضيف، «جمال تلك التصاميم وزخرفتها واستخدامها للخيوط الذهبية والفضية وغيرها جعلها قريبة من الفتيات والنساء التي توارثنها من أمهاتهن وجداتهن»، لافتة «تنوع تلك القطع بين القطن والحرير والقماش المطرز بالذهبي والفضي إلى جانب قطع الساتان والشربت وبوتيلة كلها أقمشة تحرص أمهاتنا سواء في الماضي أو حالياً على اقتنائها وارتدائها في الأيام العادية وفي المناسبات الخاصة كالأعراس وغيرها،  كما أن البرامج والمسابقات التراثية وبالأخص برامج السنيار والشارة وشاعر المليون قد ساهم في انتشار، مثل تلك الأزياء والذهب القديم وشجع الكثير من المصممات الإماراتيات إلى دخول مضمار التصميم في هذا المجال وطرح العديد من الأفكار الحديثة مخلوطة بتصاميم قديمة وقد أخذت في الانتشار وخاصة بين جيل الفتيات فأصبحن يرتدينها ويتباهين في وسائل التواصل الاجتماعي وفي الزيارات والمناسبات الاجتماعية.
تتابع المزروعي «كما أن المناسبات التراثية، كالقرقيعان وغيرها والمهرجانات كمهرجان زايد التراثي وقصر الحصن ساهمت في عودة الأزياء الإماراتية والمخور والتلي ولبس البرقع والشيل، وجعلت الإعلام يقوم بالتركيز على هذا الجانب لما له أهمية في إبراز العادات والتقاليد، فالأطفال يرتدون الملابس التراثية في مناسبة القرقيعان بأشكال مختلفة، وتحرص الأم الإماراتية على اختيار أفضل الأقمشة وأفضل التصاميم لتلك المناسبة، فترى المسابقات لأجمل زي وأجمل تصميم وأجمل صورة وغيرها كل تلك المبادرات حتماً سوف تساهم في انتشار تلك الأزياء والتصاميم ذات الروح الإماراتي».

جمال الأزياء
تعد المشغولات اليدوية ذات الطراز القديم علامة حاضرة للصناعة المحلية، لتحكي جمال الأزياء في الزمن الماضي وتظهر بساطة معالمه، وعندما نتحدث عن المشغولات اليدوية، فلا بد أن نذكر الأزياء النسائية القديمة، التي لا تزال تستعرضها الكثير من المصممات على وسائل التواصل الاجتماعي. المصممة فاطمة المازمي الناشطة في وسائل التواصل الاجتماعي واحدة من اللاتي ما زلن يحافظن على الأزياء التراثية التي تفوح بالتراث القديم وبخيوط البريسم والزري في تصاميمها، تقول «من الجميل أن ينشأ الجيل الجديد على فهم المعنى الحقيقي لعودة الأزياء التراثية، مُضيفة أنَّ حضارة الأمم تقاس بمدى اهتمامها بتراثها، ومن هذا المنطلق وجدت نفسها تعيد إحياء ذلك من خلال تصاميم تتصف بروح الماضي من خلال النقوش والزخارف المطلية بخيوط البريسم تارة وتارة أخري خيوط الزري الذي ما زالت الطلب عليها يزداد يوما بعد يوم، مؤكدة أن العودة إلى الماضي لم يقتصر على الأزياء التراثية، بل طال أيضاً العبايات التي امتزجت بالكثير من تفاصيل الماضي الجميل من التور إلى الشيفون، وبات تطريز الشيلة أيضاً من كل الأطراف أو طرف واحد حسب ذوق الزبونة.

وسائل التواصل الاجتماعي
وترى الباحثة بدرية الشامسي، دكتوراه في العلوم التراثية، زن انتشار الأزياء التراثية على وسائل التواصل الاجتماعي ميزة إيجابية، يجب علينا تشجيعها، لما في ذلك من حفظ للتراث وتقديمه بشكل مواكب للعصر والزمن الذي نعيش فيه.
وتقول «مع الحرص على أسس ذاك التراث وأصالته، ووجود مثل تلك الحسابات المهتمة بالملابس النسائية التي تظهر بشكل تراثي حديث يجذب الفتيات الصغيرات قبل الكبيرات، فإن هذا ما نتمناه هو عودة وتمسك الجيل الجديد بتراثه وهويته، ولا مانع من مواكبة التطور والتحديث لتلك الأقمشة وظهورها بشكل حديث وبإطار تراثي.
وأشارت إلى أن الجيل الجديد من بناتنا يحرصن على لبس «الكنادير المخورة» في المناسبات العامة، كالعيدين وشهر رمضان واليوم الوطني والاحتفاء بيوم المنتصف من شعبان «حق الليلة»، كما نلاحظ عودتهن للحلي الإماراتية القديمة، فيحرصن على ارتداء المرية والمرتعشة والحيول. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على حبهن لتراثهن وحرصهن على هويتهن. وهذه ظاهرة صحية يجب على الجميع تشجيعها. لأنها تعزز الهوية وتحافظ على التراث.

ماض جميل
وتحرص سارة البلوشي، «طالبة جامعية»، هي وأخوتها على لبس الأزياء التقليدية في الأعياد والمناسبات، لأن لها نكهة خاصة تذكرهم بالماضي التليد،، لافتة إلى أنها وبنات جيلها يعدون هذه الملابس من أجمل الأزياء التي يرتدونها في هذه المناسبات. وتقول صفية محمد، «ربة منزل» من الضروري أن يهتم أبناء هذا الجيل بالتراث الشعبي للآباء والأجداد بشكلٍ أكبر مما هو عليه حالياً، مُتسائلة في الوقت نفسه عن جدوى الاهتمام بالتراث على أنه «موضة» فقط، خاصة في ظل اهتمام مواطني العديد من الدول الأخرى بإرثنا الحضاري، إلى جانب حرصهم الواضح على اقتناء أزيائنا الشعبية، مضيفة «هناك الكثير من السائحات الأجانب يهتمن بتفاصيل أزيائنا التراثية، فنراهن يتسابق لارتداء الجلابيات المخورة التي تتميز بالدقة والتطريز التراثي القديم من الفصوص وخيوط البريسم والزري والتور في المناسبات الوطنية ويوثقن ارتداءهن للزي من خلال حساباتهن من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
وتؤكد بدرية عبدالله مهتمة بالتراث أن الحنين للماضي من الأمور الجيدة عندما يكون الهدف منه حفظ التراث والاهتمام به دون التعلُّق به بشكلٍ يمنع من التطوّر والتطلّع للمستقبل، موضحة أن التراث له نكهة مميزة، حيث نلاحظ الأزياء التراثية الإماراتية تملأ الكثير من محلات الخياطة النسائية، كما أن الكثير من المصممات الإماراتيات أصبحن يملن إلى تطريز وتفصيل الكثير من التصاميم التراثية التي تتزين بحبات الخرز والتور والفصوص وخيوط البريسم والزري.

الأقمشة القديمة
تقول ميثاء علي إحدى الزبائن التي تعشق متابعة الكثير من مصممات الأزياء التراثية الشعبية إنها تعشق طلب الكثير من الجلابيات المخورة التي تحمل رونق الماضي وتفاصيل التراث القديم بأشكال حديثة، وتقول «رغم التطور والحداثة إلا أن دولابي يمتلئ بالكثير من تلك الأقمشة القديمة مثل بوطير والتلي ودمعة فريد والتي اعتبرتها من أزياء الطيبين لما لها من ذكريات طيبة من نفحات أمهاتنا وجداتنا، مؤكدة أن هذه النوعية من الأقمشة تستقطب جميع الأذواق، لما لها من قيمة تراثية تجعل الجيل الحالي راغباً في اقتنائها.