قبل أشهر قليلة من الآن كان التسول لطلب المساعدات الحكومية في الولايات المتحدة من قبل أي من الشركات في صناعة التكنولوجيا المتقدمة يعتبر أمراً غريباً ومستهجناً، أما في هذه الأيام فقد أصبح الدعم الحكومي والكيفية التي يتم إنفاقه بها يثير الحماسة والجدل في كافة أنحاء الصناعة· ومن أجل تفهم هذا التغير الجذري الذي حدث فإن الصناعة أصبحت تتطلع للاستفادة بشكل كبير من الحزمة المالية الهائلة التي يستعد باراك أوباما الرئيس الأميركي لضخها في عروق الاقتصاد بقيمة تبلغ 819 مليار دولار· وإذا ما تمكن أوباما من المضي قدماً بنجاح في مسعاه فسوف يتم إنفاق 37 مليار دولار على صناعة التكنولوجيا منها 20 مليار دولار في تحديث وأتمتة (أي جعلها رقمية بالكامل) السجلات الصحية والاجتماعية، ومبلغ 11 مليار دولار على شبكة جديدة أكثر ذكاء للطاقة في الولايات المتحدة، بينما يتم صرف المبلغ الباقي بقيمة 6 مليارات دولار على ارتباطات الانترنت عالية السرعة في الدولة· بيد أن أميركا ليست الوحيدة التي بدأت تراهن على التكنولوجيا من أجل المساعدة على إنعاش اقتصادها المتعثر، فعلى الرغم من أن الأرقام لم يتم الكشف عنها بدقة بعد فإن الحزم التحفيزية في الدول الغنية الأخرى بات من المرجح أن تنطوي على ضخ جرعات كبيرة من الإنفاق على قطاع التكنولوجيا· كما تقول ساشا وونش فينسنت الخبيرة الاقتصادية في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التي تقوم بتحليل ومراجعة أكثر من 20 من هذه الخطط المقترحة ''جميع هذه الخطط تتبنى شعار ''موجة عريضة للجميع'' الذي تلقفته فيما يبدو إحدى الدراسات الحكومية البريطانية التي صدرت مؤخراً وهي تحمل عنوان ''بريطانيا الرقمية'' فالموجة العريضة (أو النطاق العريض كما يسميها البعض) كما تشير الدراسة، بإمكانها أن تعزز اقتصادات الدول بنفس الطريقة التي فعلت بها السكك الحديدية والطرق السريعة في أوقات سابقة''· ولقد كشفت البحوث أن التكنولوجيا ذات الأغراض العامة لا تقتصر آثارها فقط على صناعة الاتصالات الهاتفية وإنما على كافة أنحاء الاقتصاد، بحيث تساعد على إيجاد العديد من النماذج والموديلات الجديدة في الأعمال التجارية والمعالجات والخدمات، بل إن العديد من الدراسات قد خلصت إلى أن الموجة العريضة في الاقتصادات المتعثرة تعني جلب المزيد من الوظائف إلى السوق، حيث يتنبأ معهد بروكينجز في واشنطن بأن أي زيادة بنقطة مئوية في اختراق الموجة العريضة على مستوى الدولة ستتبعه زيادة في التوظيف والاستخدام بنسبة تتراوح ما بين 0,2 و0,3 في المئة في كل عام، أي ما يعادل 300 ألف وظيفة في الولايات المتحدة الأميركية· أما في الاتحاد الأوروبي فإن الوفرة الكبيرة في ارتباطات الموجة العريضة للإنترنت بإمكانها أن تخلق أكثر من مليوني وظيفة بحلول عام ·2015 وهنالك دلائل تشير إلى أن الاستثمار في الأنواع الأخرى من تكنولوجيا المعلومات بإمكانها أن تعزز فرص النمو، إذ تقدر مؤسسة تكنولوجيا المعلومات والاختراع المعنية بالبحوث في أميركا أن استثمار مبلغ 10 مليارات دولار لفترة عام واحد في التكنولوجيا المتعلقة بالصحة خاصة في ترقية وتحسين السجلات الالكترونية الصحية سوف يؤدي إلى استحداث أكثر من 200 ألف وظيفة· أما إنفاق مبلغ 50 مليار دولار خلال خمسة أعوام من أجل تحسين شبكة الطاقة بتكنولوجيا جديدة مثل عدادات الكهرباء ''الذكية'' فمن شأنها أن تستحدث 240 ألف وظيفة في كل عام، كما تشير التقديرات· ولكن وحتى إذا ما كانت هذه الأرقام صحيحة فإن صرف الأموال الحكومية على التكنولوجيا ربما لا يصبح السبيل الأفضل الوحيد لتحقيق هذه الأهداف· فهناك طرق أخرى يمكن من خلالها زيادة معدل اختراق الموجة العريضة قبل النيل من الخزائن العامة· ولقد تضمنت دراسة أجراها مؤخراً فرانسيسكو كايو المدير التنفيذي السابق لشركة كيبل آند وايرليس لمصلحة الحكومة البريطانية بعض هذه السبل بما فيها ضرورة الإسراع في الإفراج عن طيف الراديو والعمل على تعزيز المنافسة والتخفيف من حدة القوانين التي تمتع الشركات من الارتباط بالكوابل العمودية· عن مجلة ''ايكونويست'' وبالإضافة لذلك فمازال ليس هناك فشل واضح في السوق يتطلب التدخل الحكومي، كما يدعي مايكل نيلسون الاستاذ في جامعة جورج تاون· وبالطبع فإنه وعلى الرغم من أن أميركا تأتي في المرتبة الخامسة عشرة ضمن الدول الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي في مجال اختراق الموجة العريضة فإن شركات الاتصالات الهاتفية في الدولة قد شرعت أصلاً في انفاق مليارات الدولارات في بناء الشبكات من الجيل المقبل· لذا فإن ''أتمتة'' السجلات الصحيحة أو تحسين انتشار الموجة العريضة ربما لن يتمكن من الآثار الاقتصادية المرغوبة بدون الاستثمار في ذات المجالات التي سوف تستخدم هذه التكنولوجيات مثل الصحة والتعليم