مصطفى عبد العظيم (دبي)
نعى مجتمع الأعمال الإماراتي أمس الوالد سيف بن أحمد الغرير، أحد أقطاب جيل الرواد الذين سطروا بإخلاصهم وتفانيهم وكفاحهم قصص نجاح ستظل خالدة عبر التاريخ، وإسهامات عديدة في مسيرة بناء دبي الحديثة وإثراء تجربتها التنموية بمشاريع ومبادرات إبداعية رسمت منذ أكثر من 7 عقود ملامح مستقبل التطور والازدهار في مختلف المجالات.
وتروي سيرة حياة الوالد سيف الغرير، الذي يصفه رفاقه في رحلة الكفاح والمثابرة والنجاح بفارس الأعمال «روكيفلر العرب» قصة ملهمة للأجيال المتعاقبة من رواد الأعمال، لما تتضمنه من دروس وتجارب عملية في القدرة على مواجهة التحديات والصعاب وصنع الفرص بالمثابرة وحسن التدبير والتفكير، وإعلاء راية التحدي والإصرار على تحقيق التميز.
ترأس سيف الغرير غرفة تجارة وصناعة دبي، واتحاد غرف التجارة والصناعة الإماراتي من 3/7/1977 ولغاية 11/2/1980. كما شغل عدة مناصب إدارية كعضويته في مجلس بلدية دبي والمجلس التنفيذي لدبي.
وبدأ سيف الغرير الذي وُلد في منطقة «الديرة» عام 1924، مسيرة كفاحه بالانخراط في مهنة العائلة في ذلك الوقت التي كانت صيد اللؤلؤ، ورغم أنّه كان في مقتبل العمر، فقد كان يُمضي أربعة أشهر متواصلة في عرض البحر، يعيش فيها على الأرُز والتمر والسمك.
وبما أنّه كان «النُوخذة»، أو قبطان المركب والممثّل لمالكها، كانت أهمّ واجبات السيد سيف هي الحفاظ على حبّات اللؤلؤ، حيث كان يضعها في صناديق خشبية صغيرة داخل المقصورة الّتي كان ينام فيها.
وبحلول الثلاثينيات، ومع ظهور اللؤلؤ الصناعي من اليابان، أصبحت مهنة صيد اللؤلؤ غير مجدية وغير مُربحة، فانتقلت العائلة إلى التجارة، وطُوّرت مراكب صيد اللؤلؤ الصغيرة لتقوم برحلاتٍ أطول، ولتحمل موادّ أثقل، وبدأ أفراد العائلة بنقل التمور من العراق إلى أفريقيا والهند الّتي كانوا يعودون منها محمّلين بالأقمشة والمنسوجات والأخشاب الّتي كانت تُصنع منها المراكب، ولاحقاً أضيف الذهب إلى تجارتهم حيث أصبحتْ دُبي مركزاً مُهمّاً في تجارة هذا المعدن الثمين.
وخلال إحدى الرحلات إلى الهند، الّتي تخلّلتها العواصف العاتية والرياح القويّة، سبّب اندفاع الأمواج القوية تهيّجاً مؤلماً في إحدى عينَيه، وقد قال في ذلك: «عندما وصلنا الهند كانت عيني تؤلمني بشدّة، فذهبتُ إلى أحد الأطبّاء الّذي أخبرني أنّه إذا أردتُ أن يزول الألم فسأخسر إحدى عينَيّ، فأخبرته أن يوقف الألم، والحمد لله أنّني سأخسر عيناً واحدة فقط». مع نهاية الخمسينيات، بدأت دبي تشهد نموّاً مُتسارعاً تحت حُكم المغفور له، بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، الّذي دعّم رؤيته الطموحة من خلال الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية، وهكذا بدأ اقتصاد دبي بالازدهار.
في تلك الفترة، أنشأ سيف الغرير عام 1960 «مجموعة الغرير» لتجمع تحت لوائها الأعمال الخاصّة بالعائلة، ومع الوقت وتحت إدارته، توسّعت وتنوّعت أعمال المجموعة لتشمل مجالات، البيع بالتجزئة، والصناعة، والعقارات، وكانت دبي في ذلك الوقت تشهد نموّاً اقتصاديّاً وتجاريّاً كبيراً، حيث أدّت المجموعة دوراً مُهمّاً في التحوّل الاقتصادي الّذي شهدته دبي، من خلال قيامها بمشاريع رائدة في مجالات الصناعة، والعقارات، ومراكز التسوق، فكانت أوّل من أسّس معملاً للإسمنت في دبي بالإضافة إلى إنشائها مطاحن للقمح، ومعامل لتكرير السُكّر، ومعامل لصهر الألومنيوم، كما شيّدتْ أول مركز للتسوّق في البلاد عام 1981، لتُرسي بذلك أحد أقوى القطاعات الاقتصادية في دبي.
واعتمدت فلسفة «مجموعة الغرير» الاقتصادية على بناء أسس متينة في الأسواق الجذّابة، وهكذا كان التركيز في المقام الأوّل على الأنشطة الّتي من شأنها أن تُعزّز اقتصاد دبي، وقد أثبتتْ هذه الرؤية جدواها حيث لم تستفد المجموعة من التطوّر السريع الحاصل في دبي فحسب، بل أسهمت فيه كذلك.