شوقي عبد العظيم (الخرطوم)
كشف قيادي إخواني سوداني عن وجود صراع محتدم داخل الحركة الإسلاموية في السودان بين قيادات الصف الأول داخل السجون وقيادات الصف الثاني حول مستقبل الحركة، وأن الجدل والصراع ينحصر حول: هل تختفي الحركة الإخوانية عن المشهد السياسي حالياً أم تبحث عن واجهات جديدة. وقال القيادي لـ«الاتحاد» إن التوجه المرجح حالياً هو أن تختفي القيادات، وتظل في حالة مراقبة للوضع القائم، ووفق مؤشرات محددة ومواقف النظام الجديد، يتم إعلان الخطة النهائية التي ستتعامل بها خلال الفترة الانتقالية.
وطرح الشارع السوداني فور تشكيل مجلس السيادة سؤالاً حول مستقبل «الإخوان» في البلاد، وهل رضخوا أم أنهم سيحاولون عرقلة عمل الحكومة الجديدة بعد أن حكموا السودان لما يقارب 30 عاماً.
وبعد أن أذيع البيان الأول في 11 أبريل 2019 وإعلان سقوط نظام الإسلامويين في السودان والتحفظ على الرئيس المعزول عمر البشير وعدد من قيادات حزبه، كان الإجراء المتوقع فوراً هو حل حزب المؤتمر الوطني الواجهة الحزبية لـ«الحركة الإسلاموية» الحاكمة في السودان، إلا أن رئيس اللجنة السياسية في المجلس العسكري وقتها الفريق عمر زين العابدين أكد أنه لن يحل المؤتمر الوطني بذريعة أنه ضد الإقصاء السياسي، ولكنه لن يسمح للمؤتمر الوطني بالمشاركة في الفترة الانتقالية.
موقف المجلس العسكري وقتها فجر غضباً في الشارع للدرجة التي طالب فيها الثوار بإبعاد عمر زين العابدين ومن معه في اللجنة السياسية، وهو ما حدث، وفي الوقت ذاته بدأ «الإخوان» في المؤتمر الوطني في إصدار البيانات المنددة والمهددة بأنهم حال صدر قرار بحلهم سيقاومون بشراسة، ولكن بعد أن انتبه الثوار لضرورة محاصرة «الإخوان»، صدرت قرارات عديدة، كان أولها مصادرة ممتلكات ودور المؤتمر الوطني في الخرطوم وأقاليم السودان المختلفة، وبعد ذلك صدر قرار بمصادرة الشركات الاستثمارية التي تتبع لتنظيم الحركة الإسلاموية والمؤتمر الوطني، وفي هذه المرحلة قرر أعضاء المؤتمر الوطني الصمت والانحناء للعاصفة.
ويقول الخبير السياسي المتخصص في الحركات الأصولية الدكتور خالد التجاني لـ«الاتحاد»: إن على الإسلامويين في السودان الاعتراف أولاً بأن مشروعهم لحكم السودان قد فشل فشلاً ذريعاً، وأنه تحول إلى جريمة في حق السودانيين ستطاردهم لفترة طويلة من الزمن. ويضيف التجاني أنه لا يعتقد أن الإسلامويين بمختلف مسمياتهم سيكون لهم دور في الحياة السياسية خلال السنوات المقبلة.
وحول مقاومتهم للوضع الجديد من عدمها، قال: «هناك مجموعة منهم ترى أن تكون المقاومة عبر إجهاض الفترة الانتقالية بإفشال الحكومة الجديدة، بينما ترى مجموعة أخرى الابتعاد عن مشاكسة الحكومة والتفرغ لبناء الحزب».
وأضاف الخبير السياسي أنه يرجح أن ينتصر الرأي الثاني، خاصة أن الاسلامويين حكموا ثلاثين عاماً، واستنفدوا موارد البلاد وعلاقاتها الخارجية، وتسببوا في أزمات كبيرة، وفشلوا في تجديد حركتهم عندما كانوا في السلطة، ولذا فمن الأفضل أن يعوا الدرس ويفكروا في أسباب الفشل إن كانوا يسعون للظهور مرة أخرى في المستقبل.
ولا يستبعد التجاني أن تنمو مقاومة سرية من الإسلامويين للنظام القائم، وقال: «إن التيار المنادي بالمقاومة من المحتمل أن يجد تأييداً من الحانقين على فقدان السلطة، وسيعملون ولو سراً على محاربة الحكومة الجديدة».
وعن تأثير قرار مصادرة مقار حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلاموية والشركات التابعة لهما ومحاصرة تنظيمهم اقتصادياً في المستقبل، قال قيادي «إخواني» لـ«الاتحاد» إنه «من السهل أن يحصل الإسلامويون في السودان على دعم خارجي يسهم في بقاء حركتهم إنْ تمت مصادرة جميع أموالهم وممتلكاتهم».
وأشار القيادي «الإخواني» إلى أن كلاً من قطر وتركيا أبدتا استعدادهما للدعم، بل إن قطر شرعت فعلياً في ذلك، وقال «قطر بدأت في دعم الإسلامويين (الإخوان) وأعلنت رسمياً منحهم حق اللجوء السياسي في الدوحة».
ويتهم خبراء سودانيون قطر بدعم الانقلاب الأخير الذي كان بقيادة رئيس هيئة أركان الجيش السوداني هاشم عبدالمطلب، بالتنسيق مع عدد من قيادات الحركة الإسلاموية، وتردد أن قطر وراء تمويل الانقلاب بمبلغ 7 ملايين دولار.
وكذلك وفرت تركيا ملاذاً آمناً لعدد من الإسلامويين من رموز النظام، في مقدمتهم شقيق الرئيس المخلوع عباس البشير، ورئيس الوزراء السابق معتز موسى، ومساعد الرئيس السابق، نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني فيصل حسن إبراهيم.
ومن جانبه، قال المحلل السياسي محمد لطيف «لا يزال الإسلامويون يسيطرون على الدولة عبر مديري الإدارات ووكلاء الوزارات ولم يتغير في المشهد سوى الرئيس البشير، كما أن جميع مديري البنوك من الإسلامويين، وغالبية الأموال المتحركة في الاقتصاد السوداني تعود لإسلامويين». ويرى لطيف أن الحكومة الانتقالية ينتظرها عمل كبير في اتجاه انفكاك الدولة من سيطرة «الإخوان»، ولن تكون المهمة سهلة بعد 30 عاماً من الحكم.
ويقول فتحي عوض، تاجر محاصيل في سوق القضارف -أكبر الأسواق في السودان- إنهم لاحظوا شراء شركات جديدة كميات كبيرة من المحاصيل الزراعية بأسعار مرتفعة وتخزينها في القضارف، الأمر الذي ينذر بارتفاع أسعار الذرة التي تعد مكوناً رئيساً في غذاء السودانيين.
وتردد الأمر ذاته في سوق العملات، ما ساهم في ارتفاع سعر الدولار. ولا يستبعد محمد لطيف استخدام الإسلامويين «كرت» الاقتصاد، وقال «من المؤكد أن ورقة الاقتصاد ستكون أهم الكروت بيد الإسلامويين».
ورهن لطيف إبعاد «الإخوان» من المشهد السياسي في السودان بنجاح الحكومة الانتقالية في حل الأزمة الاقتصادية في البلاد، وتحقيق استقرار حقيقي يسهم في الانتقال إلى حكومة منتخبة.