المؤسسات المالية تراقب سلوكيات المتعاملين في البورصة
قبل البدء في قراءة هذا الموضوع سيكون قد تم نسخه إلكترونياً وتحليله من قبل عشرات من أجهزة الكمبيوتر في صناديق تحوط وبنوك استثمارية. وفي “ماركتبساي كابيتال” بسنتامونيكا (كاليفورنيا) ستكون الخوادم قد قامت بقياس مدى إيجابيته أو سلبيته على الاقتصاد وبفحص ما به من آثار عاطفية انفعالية على آلاف من الشركات. وإن لم تجد أجهزة الكمبيوتر شيئاً ذا أثر يذكر فإنها ستعاود شغلها على النحو المعتاد.
من خلال عشرات الآلاف من مواضيع الفحص والمدونات وبيانات الشركات ورسائل “تويتر” التي تخضع يومياً للتحليل تقوم مؤسسة “ماركتبساي” بتكوين صورة عن مشاعر المستثمرين عن نحو 6000 شركة. فإن كانت الانطباعات العاطفية متفائلة تقدم صناديق التحوط على التداول. ورغم صغر حجم “ماركتبساي” بمقاييس صناديق التحوط، إلا أنها متطورة للغاية في مجال السلوك المالي (الابن الفكري لعلم النفس وعلم الاقتصاد).
طالما درجت “ماركتبساي” على تجاهل فكرة أن المستثمرين أناس منطقيون وتسعى بدلاً من ذلك إلى قياس مدى عدم منطقيتهم بدقة. والسبب بسيط الشرح رغم صعوبة تطبيقه: وهو أن أي تغير في منحنى العواطف يعتبر بمثابة مؤشر تداول مهم. فحين يكون الناس شديدي التشاؤم عن سهم ما فإنه الوقت المناسب لشرائه وحين يكونون منبهرين بتألق السهم فإنه الوقت الملائم لبيعه. إن قياس مشاعر المستثمرين ليس بالأمر الجديد. إذ تنشر “داوو جونز” مؤشر عاطفة اقتصادياً مرتكزاً على تحليلات نصوص 15 صحيفة أميركية بينما تقيس بنوك الاستثمار كل شيء ابتداء بنسب المشتقات وانتهاء بعدد مرات استخدام لفظ “أزمة” في وسائل الإعلام. و”ماركتبساي” ذاتها تنشر “مؤشر خوف”. غير أن علم التحليل اللغوي المتقدم بدأ يتيح لعدد من الشركات والصناديق بالتمادي في هذا الشأن.
يقول ريتشارد بيترسون طبيب الأمراض النفسية: “كل من يعمل في مجال الماليات السلوكية سيقول إنه يشتري حين يكون الناس مفرطي التشاؤم (وبالتالي يكون السعر منخفضاً). نجحت هذه الاستراتيجية خلال الأزمة وأتت بعوائد بلغت نحو 45 في المئة في الاثني عشر شهراً الأولى و30 في المئة العام الماضي. أما هذا العام فقد خسرت لأسباب تتعلق بشركات التقنية الحيوية. ويقول دان ارايلي أستاذ علم الاقتصاد السلوكي في جامعة ديوك في نورث كارولينا :”إذا اعتقدت أن الناس يتصرفون بتعقل منطقي ينبغي عليك ألا تتداول كثيراً”.
وفي شهر مايو أثبت دان عدم تعامل الناس بطريقة عقلانية منطقية مع فرص كسب المال أمام حشد من المحللين الماليين القانونيين من خلال شرائهم كمبيالة قيمتها 20 دولاراً بمبلغ 61 دولاراً. مثل هذه النتائج هي التي أقنعت أكبر مستثمرين بأنه يلزمهم الانتباه الشديد إلى النظريات وراء سيكولوجية السوق. محمد العريان، المدير التنفيذي المساعد لمؤسسة “بيمكو” التي تعد واحدة من أكبر مؤسسات إدارة الصناديق في العالم، يستعرض مصطلحات فنية من لغة الماليات السلوكية ليشرح حركة السوق. من هذه المصطلحات على سبيل المثال “التسعير غير السليم” و”الجمود الايجابي”. وتستخدم “بيمكو” تفاسير سلوكية تعين على فهم الأسواق وعلى عدم الوقوع في فخ الاستثمار غير المنطقي أو المتهور. غير أن هُناك انتقادات عديدة وجهت إلى نظرية الماليات السلوكية. إذ أنها لا تقدم إطاراً فكرياً لنتائجها. حتى البروفيسور أرايلي مقتنع بأن علم الاقتصاد السلوكي ما هو إلا مجموعة من الحقائق وليس نظرية كاملة. وبالنسبة للمستثمرين فإن العديد من مديري الصناديق الذين يلجأوون إلى مقاربات سلوكية ينتهي بهم المطاف بنفس التوقعات والنتائج التي يتوصل إليها المديرون التقليديون الذين يعتمدون على “القيمة” أو “الدفع” في توقعاتهم لحركة السوق. ويقر كريستوفر بلوم كبير مسؤولي الاستثمار للماليات السلوكية في بنك “جي بي مورجان” أنه ربما يكون هُناك تداخل في التداولات المدفوعة بالسلوك النفسي وبين التداولات المدفوعة بالقيمة أو قوة الدفع، والفرق يكمن في أن مستثمري المالية السلوكية يفهمون سبب نجاح تداولاتهم أو فشلها.
عن «فاينانشيال تايمز»
المصدر: أبوظبي