نوف الموسى (دبي)

فكرة ذكية جداً، بأن يقرر القائمون على معرض «صور من الأعالي» الفني، في منارة السعديات، بالعاصمة أبوظبي، إثراء اللقاء بين الصورة الفوتوغرافية والمتلقي، من خلال تصميم شكل تفاعلي للمعرض، ليشكل فضاءً مفتوحاً، يتحرك فيه الزائر بين الصور، ويشاهدها عبر شاشات، إما بالتحرك الاعتيادي بين مشهد وآخر، أو الجلوس على مقاعد جانبية، متصلة بكل شاشة، تم إعدادها بأحجام مختلفة. إذّ أن قوة التصميم التفاعلي للعرض بتوفير شاشات، تقدم ميزات عدة أبرزها إمكانية أن يطلع المتلقي على الصورة الفوتوغرافية بوضوح تام، كونها التقطت بأداة رقمية، إلى جانب أن الشاشات أعطت إيحاء للزائر بأنه يطلع على الصورة عبر شاشة جهاز هاتفه الذكي، ولكن بحجم أكبر، متيحة بذلك تقريب المشهدية البصرية من أعلى نقطة ممكنة، ارتكز فيها المعرض على مجموعة من المصورين المحترفين وفنانين وهواة طائرات من دون طيار، من قدموا حالتهم الإبداعية كممارسة يومية لحياة الفرد في مجتمعنا المحلي.
تنوعت الصور الفوتوغرافية، التي تم التقاطها من أعلى، بين مناظر طبيعية، وأبعاد للهندسة المعمارية، إضافة إلى فوتوغرافيا ذات أبعاد فكرية، كتلك التي طرحها المصور مارتن سانشيز، في عمله: «لا تنظر للأسفل»، فبمجرد النظر إليها يعيش المتلقي محاولة لإدراك ما إذا كان الشخص في الصورة يحاول السقوط من نقطة عالية في ملعب بالولايات المتحدة الأميركية، وذلك لأن اللقطة قادمة من أعلى، وهو اشتغال على مسألة الأبعاد في التجسيد البصري، بُعد المسافة وبُعد الزمن وبُعد الحركة، وجميعها تعتمد على مسألة التكوين داخل العمل الفوتوغرافي.
وجاءت الصحراء في أعمال المصور السعودي خالد السبت، وخاصة «درب الإبل»، و «بحيرة الكسر»، بتموجاتها الساحرة وتناغم يشبه المحيط، الذي حضر في أعمال المصور بشير مكرزل من لبنان، في لقطة عنوانها «حيتان القرش السابحة»، وحساسية منظر المحيط من أعلى أنها تفتح نقاشاً أساسياً حول الامتدادات اللونية للمحيط: ماذا يعني أن ترى بحراً أزرق من أعلى، فإن العملية برمتها جمالية، إلا أنها تدرس العالم المادي الآخر البعيد عن اليابسة، وتحوله إلى وسيلة تخاطب يومي أو طريق للتقارب مع المكون الحيّ، للطبيعة البحرية.
«الحمض النووي»، عمل فوتوغرافي شارك فيه المصور بينو سارادزيك، ممثلاً مفارقة في تقديمه شكلاً لمنطقة التجارة الحرة، بينما تذهب المصورة الإماراتية نورة النيادي إلى فعل الـ«مراقب»، عنوان عملها المشارك في المعرض، وتتضمن الصورة الفوتوغرافية، عيوناً مجردة كبيرة تنظر إلى سيدات ينتقلن في فضاء متقارب، بخلفية صناعية، بين عدة جهات، والسؤال عن المراقب، بإمكانه أن يلفت عادةً إلى تصورات الرائي (الناظر) ورمزية المرأة في العمل الفوتوغرافي.
شكلت العمارة بانسيابيتها المتقنة، باعتبارها أكثر الأشكال المجتمعية ذات الحساسية العالية على منطقة اللاوعي لدى الإنسان، عنصراً رئيسياً لطبيعة الأعمال الفوتوغرافية المشاركة، وأشهرها في المنطقة المحلية متحف اللوفر ـ أبوظبي، الذي قُدم في المعرض من قبل المصور ليام كلايتون، بالمقابل أحدثت صورة «مسجد مهجور»، للمصور ألتماش جافد، المقاومة الصارخة للعمارة أمام الطبيعة الأم، وربما جمالية عمل ألتماش، في أن بقايا المسجد المهجور المندثر جزئياً في رمال الصحراء، يعكس مؤشراً للقيمة والمعنى الذي أضافه الإنسان مع الوقت للمكان من خلال العمارة وأشكالها المتعددة سوى بدواعي السكن أو العبادة.
وأخيراً يُمكن التوقف قليلاً لدى أعمال المصور الإماراتي د. أحمد الريس، وتحديداً عمله الموسوم بـ«إفطار الإنسان والآله»، الذي يلتقط مشهداً لإفطار في شهر رمضان، في موقف للسيارات، افترش فيه العمال الصائمون، بشكل متوازٍ، على امتداد أفقي، ويعترض الصف أحياناً سيارة، تقف في نفس المكان، إلا أن الصورة من أعلى، تكشف التمازج بين الإنسان وبين الآلة، ويُرى فيها كيف أن العمال يكملون استمرارية شكل الصف، دون أن تعرقلهم السيارة. إلا أن السؤال الحقيقي: هذا القطع الذي شكلته السيارة بين الجالسين في الصف من الصائمين، من الطرف الأيمن والأيسر من السيارات نفسها، والذي تكشفه لنا الصورة الفوتوغرافية، كيف باستطاعتنا تصوره أو حتى قراءته؟!