تامر عبد الحميد (أبوظبي)
على الرغم من سطوع الدراما والسينما في هذا العصر، ووصلوها إلى مرحلة مهمة، فإن الدراما قديماً كان لها شكل آخر، فقد ارتبط الجمهور بالعديد من الأعمال التي تعد علامات لا تنسى على مر الزمان، فالفنان قديماً كان يعمل بروح الفريق الواحد ويبرز كل ملكاته من أجل أن يظهر أمام الجمهور وهو راض عن نفسه، وعلى قناعة تامة بأنه أدى دوراً يرتبط بقضايا الناس ويعبر عن أحلامهم ومواقفهم في هذه الحياة، لذا فـ «كلاسيكيات الشاشة» كان لها طابع خاص ومميز، وقد استعادت العديد من القنوات روح هذه الدراما من خلال ما تبثه بشكل يومي من مسلسلات وأفلام لا تزال شاهدة على العطاء الفني الغزير، وعلى هذه السبيكة من الأعمال التي استطاعت أن تكتب لنفسها البقاء على مر الأيام والسنين.
ونظراً لأن هذه القنوات أعادت إلى الذاكرة تلك المسلسلات التي تمتلك قدرة هائلة على البقاء، استطاعت هذه القنوات أن تحدث نوعاً من التواصل مع القديم الذي لم يخفق بريقه وظل في أذهان الناس حتى الآن.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه.. هل هذه القنوات تنافس المحتوى الجديد في هذا العصر؟، وهل هو حنين للماضي أم غياب التشويق من الأعمال الفنية الجديدة؟!
وأكد المنتج والفنان منصور الفيلي، أن المحطات التلفزيونية التي تبث الأعمال والإنتاجات الفنية القديمة، استقطبت شرائح عريضة وسط الزحام والانفجار الفضائي وطغيان المحتوى الجديد، ويقول: لا يمكن أن ننسى بأي شكل من الأشكال حال الدراما في الماضي خصوصاً أن الدراما العربية والخليجية أنتجت الكثير من الأعمال في شتى الإنسانية والتاريخية والمجتمعية، وهذه الأعمال لا تزال محفورة في قلوب كل الناس، وهناك العديد من القنوات التي تبث على مدار الساعة مسلسلات وأفلام الزمن الماضي، وأخذت حيزاً من اهتمام الناس، والدليل على ذلك أن هذه القنوات نجحت بالفعل في استقطاب الجمهور بكل فئاته وحتى الجيل الجديد الذي لم يواكب هذه الأعمال، فيقف أمامها منبهراً، وحين يقارن ما بين ما يراه اليوم والأمس يجد أن الكفة تميل إلى زمن الأعمال القديمة التي نجد فيها التلقائية والإخلاص والتفاني، والمضمون الذي كان يلامس هموم الناس وتطلعاتهم.
رهان مع الزمن
وأكد الناقد المصري طارق الشناوي أن هناك كلمة متعارف عليها في العالم كله اسمها «اليربتوار»، وهذه الكلمة تعود إلى المسرح في الأساس لأنه الأسبق من السينما والتلفزيون، وتعني إعادة تقديم الأعمال التراثية والقديمة.
ويقول: من المعروف أن الأعمال الجيدة هي التي تعيش على مر السنوات، لأن الفن في رهان مع الزمن، والفن الذي يعيش هو الذي يقهر الزمن وليس العكس، بل في بعض الأحيان يستمر ويزداد نجاحه مع مرور الأيام، مثلما حدث في العديد من المسلسلات القديمة مثل «رأفت الهجان» و«لن أعيش في جلباب أبي» و«المال والبنون» و«ذئاب الجبل» و«ليالي الحلمية».
حاضر ضعيف
وأوضح الشناوي أنه بشكل عام من المعروف عندما يكون الحاضر ضعيفاً، فإن الناس لا شعورياً ترجع إلى الماضي، وهذا الأمر يحدث على كل المستويات، وليس الفن فقط، عندما يجد الناس أن الحاضر لا يحقق لهم التوازن، وقال: هذا ما لفت نظرنا في مواسم رمضان الماضية، فجمهور الدراما استعاد متابعة أعمال قديمة، لأنهم وجدوا أن الأعمال الجديدة لا ترضيهم.
وأشار إلى أن الأمر نفسه متطابق على الأفلام السينمائية، والدليل على ذلك فيلم ديزني الأخير «الأسد الملك» الذي أعيد إحياؤه بنسخة حية بعد مرور ربع قرن على عرض نسخته الأصلية، وحقق ملايين الإيرادات رغم أن القصة والشخصيات والحوارات واحدة، ويقول: عندما يكون الحاضر قليل العطاء وبه جفاء، يدفع الناس للبحث عن الماضي، خصوصاً أن به جماليات ليست موجودة في عصرنا هذا.
ماض جميل
وقال المنتج والفنان سلطان النيادي: إن كل واحد منا وخاصة أبناء الجيل الماضي الذين تابعوا مسلسلات زمان، يجدون أنفسهم في حال من الشوق لإعادة مشاهدتها دراما زمان التي كان لها صدى كبير في الماضي، والجميل أن القنوات الفضائية التي اهتمت بعرض هذه المسلسلات وإعادة عرضها يحسب لهذه القنوات أنها عملت على ترسيخ الفن القديم وركزت على ألا تنسى هذه الأعمال لأنها أساس الفن والجميع يتعلم منها حتى الآن، فمن منا لا يتذكر «أشحفان» و«حاير طاير» و«طماشة»، التي لا يزال الناس حتى الآن يتذكرون بعض مشاهدها التي تذكرهم بماض جميل.
ولفت النيادي إلى أنه في السابق كان عدد الأعمال التي تنتج قليلة، إضافة إلى جودة في المضمون، وكانت تنال حقها من المشاهدة خصوصاً أنه كان يعرض في الموسم الواحد عملان أو ثلاثة بالأكثر، أما في وقتنا خذا فهناك عدد كبير من الانتاجات التي تشتت المشاهد وبالتالي تتعرض بعض الأعمال للظلم.
اغتراب
أما بالنسبة للمشاهد نفسه، فقد كانت له آراء حول طبيعة متابعته لأعمال زمان، حيث يقول أحمد عزت (34 عاماً): متوسطو السن وكباره لا شك يحنون بطبيعة الحال إلى المحتوى التلفزيوني الذي كان يملأ سنوات طفولتهم وشبابهم، ووجود محطات كهذه مختصة بالمحتوى الكلاسيكي، يقدم خدمة عظيمة بالدرجة الأولى إلى ملايين المشاهدين ممن باتوا يشعرون بنوع من الاغتراب وسط المحتويات الفضائية التلفزيونية الحديثة الموجهة خصوصاً للأجيال الجديدة والصاعدة ويعطيهم فسحات للاستمتاع والإفادة والعودة بذاكرتهم التلفزيونية إلى الوراء، والتي هي جزء محوري من خزين ذكرياتهم الماضية بحلوها ومرها، فحملت هذه الأعمال قيماً كثيرة حول كيفية التعامل مع الأبناء، وصراع الأجيال الذي كان يقدم بطريقة محترمة، وقد تركت أثراً كبيراً على الناس من حيث بناء الشخصية والتعليم والثقافة، ومن ناحيتي فأنا بين فترة وأخرى أتابع بعض الأعمال القديمة التي كنت أشاهدها في صغري، سواء كانت مسلسلا أو فيلما أو حتى عملا كرتونيا، نظراً لأنني كنت أجد فيها المضمون الجيد والأداء التمثيلي المتميز.
أثر كبير
ويؤكد حمدان راشد (29 عاماً) أنه ليس لديه القدرة على متابعة مسلسلات اليوم في ظل هذا الكم الرهيب من المسلسلات المعروضة حالياً على القنوات الفضائية، ولكنه على استعداد لمشاهدة بعض المسلسلات القديمة لأكثر من مرة، خصوصاً أنها تركت أثراً كبيراً في الأسرة العربية بشكل عام.
ذكريات جميلة
ويوضح محمد إسماعيل (44 عاماً) أن العودة إلى دراما وبرامج وأفلام زمان لها جوانب إيجابية منها اجتذاب المشاهدين الباحثين عن ذكرياتهم الجميلة، وفي الوقت نفسه بحثاً عن عمل جيد يشبع رغباتهم عما يقدم في الوقت الحالي، فأعمال حقب الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، لا تزال تشاهد حتى وقتنا هذا، ويتذكر أنه في أحد الأيام شاهد مقطعاً لأحد المسلسلات القديمة على مواقع التواصل الاجتماعي، أعاد به الحنين إلى الماضي، والذكريات الجميلة، فاتخذ قراراً بمشاهدة حلقاته كاملة عبر موقع «يوتيوب».
أداء مسرحي
ويشير حسام الدين محمد (48 عاماً) إلى أنه أشتاق إلى تلك الأيام حينما كانت المسلسلات تعد على أصابع اليد الواحدة، وكانت تتسم بالأداء المسرحي العالي خصوصاً المسلسلات التاريخية والاجتماعية، وكان تؤثر بشكل كبير على المشاهد نظراً لمضمونها المتميز، فالقنوات التي خصصت عرض أعمال زمان على مدار الساعة، تعلم جيداً أنها ستستقطب عددا هائلا من المشاهدين الذين يطمحون إلى مشاهدة جماليات التمثيل والفن، خصوصاً أن دراما زمان بفنانيها هم أساس الفن المحترم وأعمالهم لا نمل من مشاهدتها مهما طال الزمن، وحتى شارات البداية والنهاية والموسيقى التصويرية لهذه الأعمال لا تزال محفورة في ذاكرتنا حتى الآن.
«كلاسيكيات الشاشة»
قال منصور الفيلي: رغم الإنتاجات البسيطة قديماً والأجور القليلة مقارنة بما تشهده الساحة اليوم، إلا أن «كلاسيكيات الشاشة» كان لها شكل وطعم ولون آخر، ولا شك أن المحطات التلفزيونية، التي خصصت عرض الأعمال القديمة لها الفضل في عدم نسيانها وإعادة إحيائها من جديد.