دينا محمود (لندن)

أكدت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية استمرار الخلافات بين إدارة الرئيس دونالد ترامب والنظام الحاكم في قطر، رغم المحاولات المستميتة التي تقوم بها الدوحة لاسترضاء واشنطن، بما في ذلك تحملها للتكاليف الباهظة التي تتطلبها عمليات التوسع الهائلة، الجارية حاليا في قاعدة «العديد» الجوية الواقعة جنوب غربي العاصمة القطرية.
وأشارت الصحيفة إلى أن أبرز نقاط الخلاف المحتدم بين الجانبين، يتمثل في العلاقات الوثيقة التي يقيمها «نظام الحمدين» مع «نظام الملالي» المهيمن على السلطة في إيران، وذلك في وقت تتخذ فيه إدارة ترامب موقفا شديد الحزم حيال هذا البلد، بما شمل الانسحاب من الاتفاق النووي الذي أبرم بينه وبين القوى الدولية الكبرى في ربيع عام 2015، وما أعقب ذلك من فرض واشنطن عقوبات صارمة ضد طهران، بهدف تجفيف منابع العملة الصعبة التي تحصل عليها.
وفي تقرير من الدوحة أعده الصحفي المخضرم آدم تايلور، أشارت «واشنطن بوست» إلى محاولات المتحدث باسم وزارة الدفاع القطرية تبرير العلاقات الحميمة القائمة مع إيران، بالقول إنها «دولة جارة، ويتعين علينا التعامل معها على هذا الأساس»، متغافلا عن التدخلات الإيرانية السافرة في شؤون دول الخليج العربي، واستخدام «الملالي» وكلاءهم من الجماعات المسلحة لزعزعة استقرار المنطقة، كما تفعل ميليشيات الحوثي الإرهابية في اليمن.
وفي تصريحاته للصحيفة الأميركية واسعة الانتشار، لم يتورع المتحدث القطري عن الزعم بأن «نظام الحمدين» بحاجة لـ «البقاء على الحياد في الأزمة الحالية بين الولايات المتحدة وإيران»، رافضا الإشارة إلى ما إذا كان حكام الدوحة سيسمحون لإدارة ترامب باستخدام «العديد» في ضرب أهداف إيرانية أم لا.
أما مكمن الخلاف الثاني - الذي يبدو مكتوما حتى الآن وبعيدا عن أنظار وسائل الإعلام - فيتعلق بتفكير «نظام الحمدين» في شراء منظومة «إس - 400» الروسية المتطورة للدفاع الصاروخي، سيرا على درب النظام التركي الذي اشترى بالفعل هذه الصواريخ، في صفقة بلغت تكلفتها 2.5 مليار دولار، وأثارت غضب الولايات المتحدة، وحدت بها للشروع في فرض عقوبات سياسية وعسكرية واقتصادية على أنقرة.
وأشارت «واشنطن بوست» إلى أن نظام تميم بن حمد أفصح عن رغبته في اقتناء تلك المنظومة الصاروخية، عبر تصريحات أدلى بها وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مارس الماضي، وقال فيها إن البحث جارٍ في الدوحة بشأن شراء الصواريخ، التي تعتبر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) أنها تمثل خطرا داهما على مقاتلاتها من طراز «إف - 35» المتطورة، التي ستشكل العمود الفقري للسلاح الجوي للولايات المتحدة في المستقبل.
وسبق أن حذر خبراء عسكريون من أن حصول قطر على هذه الصواريخ المتطورة، سيهدد الغارات التي تشنها المقاتلات الأميركية انطلاقا من «العديد» ضد مواقع التنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا وأفغانستان.
وأشار الخبراء إلى أن الخطر الذي يُحدق بالقاعدة الأميركية الواقعة في قطر، سينجم عن خضوع بطاريات «إس - 400» حال نشرها في الدويلة المعزولة، لإشراف فني يتولاه ضباط روس، نظرا لافتقار القطريين للكوادر الملائمة للاضطلاع بالأعمال الفنية المعقدة المرتبطة بتشغيل تلك المنظومة، التي تُوصف بأنها من بين المنظومات الدفاعية الصاروخية الأكثر تطورا في العالم.
وأبرزت «واشنطن بوست» ما قاله دبلوماسي غربي - رفض الكشف عن هويته نظرا لحساسية هذا الملف - من أن إقدام «نظام الحمدين» على إتمام صفقة الصواريخ الروسية «سيثير مشكلة كبيرة» بين قطر والولايات المتحدة، التي سبق أن اعتبرت أيضا أن إقبال عدد أكبر من دول العالم على شراء الـ «إس - 400»، يأتي على حساب منظومتها الدفاعية الصاروخية «باتريوت».
وسلطت الصحيفة الأميركية المرموقة الضوء في الوقت نفسه على تواصل محاولات الاسترضاء القطرية الصارخة لإدارة ترامب، لحملها على التغاضي عن هذين الملفين الشائكين، مُلمحة إلى أن الأموال الطائلة التي يغدقها حكام الدوحة على عمليات توسيع «العديد»، بقيمة بلغت ما يناهز 1.8 مليار دولار، تندرج في هذا الإطار.
ونقلت عن الجنرال «دانييل تولي» أحد قادة الأسراب الجوية الأميركية المرابطة في القاعدة قوله بسخرية واضحة إن «الأميركيين مندهشون من السخاء الذي يُبديه مضيفوهم»، وأشارت إلى أن عمليات التوسع الجارية في «العديد» غير عادية، ومن شأنها زيادة المدة المتوقعة لبقائها مفتوحة على الأراضي القطرية، وهو الهدف الرئيس الذي يسعى له تميم ونظامه.
ونسبت الصحيفة الأميركية إلى مسؤولين عسكريين قطريين قولهم إن العلاقات العسكرية بين بلادهم والولايات المتحدة «ستستمر لـ 20 عاما أخرى مقبلة على الأقل» بموجب اتفاقية استراتيجية أبرمها البلدان العام الماضي. وقالت إن دبلوماسيين خليجيين يؤكدون في الوقت ذاته أن «جهود قطر المتحمسة لتوسيع العديد، جنبا إلى جنب مع مشترياتها من المعدات العسكرية الأميركية بعشرات المليارات من الدولارات، ليست إلا محاولات لاستغلال ثروات الدوحة من الغاز الطبيعي، من أجل التودد لإدارة ترامب في وقت تعاني فيه البلاد من عزلة إقليمية» بفعل الإجراءات الصارمة التي تفرضها عليها الدول العربية الأربع الداعمة لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) منذ الخامس من يونيو 2017.