عضوية الاتحاد الأوروبي··· مقاربة جديدة للقضية الفلسطينية
بتوغلنا قليلاً إلى أبعد من حالة الأمل التي ولدتها الانتخابات الأميركية الأخيرة والتكهنات بما ستأتي به من تغييرات إلى واشنطن، فضلاً عن الانتخابات الأخرى المقرر عقدها في إسرائيل والسلطة الفلسطينية، فإن ما يطفو إلى السطح هو شعور متجذر باليأس من احتمال التوصل إلى اتفاق سلام فلسطيني-إسرائيلي· فقد لاحظنا كيف أن جميع الطرق التي جُربت على مدى الخمسة عشر عاماً الأخيرة بحثاً عن صفقة تنهي الصراع- من مفاوضات متواصلة لم تتوقف منذ الإعلان عن اتفاق أوسلو إلى سياسة فك الارتباط الأحادي من غزة، وحتى أعمال العنف التي اندلعت عقب الانتفاضة الثانية -آلت كلها إلى الفشل· في غضون ذلك، لم يضيع مناوئو الاتفاق وقتهم، حيث تضاعف عدد المستوطنين في الأراضي المحتلة بأكثر من ثلاث مرات منذ الأيام الأولى لانطلاق عملية السلام، ما صعب التوصل إلى اتفاق حول الأرض وجعله أبعد منالاً من ذي قبل بسبب الحقائق الجديدة، التي سعى المستوطنون إلى خلقها على الأرض· والأكثر من ذلك أن القيادة السياسية لدى الطرفين، لا تبعث على الأمل في قرب تحقيق المصالحة المنشودة، لا سيما في ظل الضعف الشديد الذي تعيشه حالياً الحركة الوطنية الفلسطينية، فضلاً عن الاحتمالات القوية لصعود برلمان متشدد في إسرائيل خلال الانتخابات المقبلة وحكومة قد ترأسها شخصية محافظة·
وإزاء هذا الوضع ليس غريباً أن تتسرب مشاعر التشاؤم إلى أكثر نشطاء السلام تحمساً، حيث تساءل على سبيل المثال الناشط الفلسطيني ''ساري نسيبة'' عما إذا كانت التسوية على أساس إعادة الأراضي مازالت قائمة فعلاً، كما أعلن الإسرائيلي يوسي بيلين مؤخراً تقاعده واعتزاله السياسة بشكل كلي· والحقيقة أن الفلسطينيين والإسرائيليين في حاجة معاً، لتجاوز الركود الحالي في عملية السلام، إلى رؤية جديدة تطرح ليس فقط حوافز مهمة لإعادة قطار المفاوضات إلى سكته، بل تحدد أيضاً الوجهة النهائية للرحلة والمآل الأخير لمجمل العملية السلمية· واسترشاداً بالدروس المستخلصة من اتفاق أوسلو الفاشل من الواضح اليوم أن أي تسوية مستقبلية كي تصيب قدراً معقولاً من النجاح عليها معالجة تلك المظالم المقيمة والمخاوف المتجذرة لدى الطرفين والبحث عن حلول حقيقية تنفذ إلى العمق وتستأصل الداء· لكن قبل الانطلاق في استشراف المستقبل والبحث عن طريق للخروج من الصراع علينا أولاً الرجوع إلى أصل هذا النزاع وفهم تفاصيله، فقد كان الرفض الأوروبي لليهود الذي اتخذ أشكالاً عنيفة في الماضي وعدم الرغبة في التعايش معهم سببباً رئيسياً وراء نشوء الحركة الصهيونية ونجاحها في استقطاب اليهود وتحويلهم إلى جماعة قومية تروج لقيام وطن قومي يحمي اليهود من غوائل الدهر·
غير أن أوروبا التي كانت جزءاً من المشكلة في الماضي يمكنها اليوم أن تصبح أحد عناصر الحل للمعضلة القائمة في الشرق الأوسط، وفي هذا السياق تستطيع أوروبا تشجيع التوصل إلى تسوية بين الطرفين على أن تكافئ الفلسطينيين والإسرائيليين إذا نجحوا في اقتسام الأرض والعيش بسلام، والمقصود بذلك رسم طريق واضح ينتهي بانضمام الجانبين إلى الاتحاد الأوروبي· فاحتمال أن يصبح الفلسطينيون والإسرائيليون أعضاء في أغنى اتحاد للدول على مستوى العالم من شأنه أن يمثل الحافز الأهم والأكثر إغراء للطرفين للتوصل إلى اتفاق بينهما لإنهاء الصراع تساعدهما في ذلك المؤسسات التنظيمية للاتحاد الأوروبي، فضلاً عن القيم والمبادئ التي يتبناها· والواقع أن التركيز على هوية تتعالى عن الحيز القومي الضيق وتشمل دولاً مسالمة لا شك أنه سيحمل في طياته الجواب الشافي لجميع المخاوف والتحفظات، فبالنسبة للإسرائيليين يمنح الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الضمانات الأمنية الضروروية، بالإضافة إلى الشرعية الدائمة والمستمرة، فيما يعني انضمام الفلسطينيين إلى المنظومة الأوروبية التوصل إلى تسوية تضمن عودة بعض الأراضي إلى سلطتهم ضمن إطار أمني أوروبي مشترك· ولا ننسى أن مثل هذه الرؤية تصب أيضاً في مصلحة الأوروبيين الذين يهمهم إرساء الاستقرار السياسي في الضفة الجنوبية والشرقية للبحر الأبيض المتوسط، بحيث يمكن لهذه الخطة في حال نجاحها أن تفتح الطريق أمام بعض بلدان شمال أفريقيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيحد كثيراً من الهجرة التي تؤرق الأوروبيين·
فلو انتقل الرأسمال الأوروبي إلى الضفاف الجنوبية حيث العمالة متوفرة بكثرة لن تكون تلك العمالة مضطرة إلى الانتقال إلى أوروبا حيث الرأسمال متوفر بكثرة، وربما الأهم من ذلك تمدد الحدود الجغرافية لأوروبا والنطاق الضيق لهويتها الحالية على نحو سيسهل الحوار مع تركيا· وبالطبع ستكون هناك الكثير من التحديات، إذ يخشى الإسرائيليون من تدفق اللاجئين الفلسطنيين عبر الحدود التي تسعى أوروبا إلى فتحها، كما أن الفلسطينيين مازالوا مستائين من تجربة الاستعمـــــار الأوروبي، ناهيك عن أن الأوروبيين أنفسهـــــم قـــــد لا ينفتحون على أكثر من جزيرة قبرص القريبة من شواطئهم· ومع أن الأوروبيين قد يترددون كثيراً قبل الموافقة على التوسط لحل الصراع، إلا أن احتمالات النجاح فيما استعصى على الأميركيين طيلة الأربعين سنة قد يعطيهم محفزاً قوياً للانخراط في الجهد والسعي إلى السلام· وهكذا قد يأتي يوم نرى فيه أتباع الديانات الثلاث- الإسلام والمسيحية واليهودية- الذين أريقت بينهم دماء كثيرة، يحلون مشاكلهم المرتبطة بالصراع على الأرض المقدسة، ويعترفون أخيراً بجذورهم المشتركة التي تعود إلى النبي إبراهيم· وباستخدام الدخول إلى الاتحاد الأوروبي كحافز لتحقيق السلام، لن تقــــوم أوروبا فقــــط بتحرير المنطقــــة من صراع يقف وراء جزء كبير من عدم الاستقرار، بل ستعمل أيضاً على إنهاء صراع طويل امتد لألف عام·
ريتشارد روزيكرانس
أستاذ بجامعة هارفارد وموظف سابق في وزارة الخارجية الأميركية
إيهود إيرن
باحث في مركز بلفير الأميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور