تحتاج البنوك العاملة في الإمارات والمنطقة إلى تعزيز سيولتها وتطهير ميزانياتها من الديون والقروض المتعثرة قبل أن تستأنف نشاط التسهيلات الائتمانية المشتركة التي نشطت فيها بقوة خلال السنوات الماضية، وفقاً لفيليب ساوثول الرئيس التنفيذي لقسم دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء السعودية بالمجموعة المالية هيرميس. وتوقع ساوثول خلال لقاء مع “الاتحاد” أن يقود تباطؤ نشاط القروض المصرفية المشتركة إلى تعزيز الإقبال على سوق السندات خاصة بعد أن أظهرت هذه السوق مرونة أكبر في عمليات إعادة الهيكلة مقارنة بالقروض المشتركة التي تعتبر أكثر تعقيداً في معالجتها لتعدد الأطراف المشاركة فيها. ورجح ساوثول أن تشهد الفترة المقبلة دخولاً أوسع من قبل المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية في الإمارات ودول الخليج إلى أسواق الائتمان العالمية مع التركيز على الإصدارات بالعملات المحلية، وذلك بعد أن أظهرت هذه الأسواق ترحيباً من جانبها تمثل في الإقبال القوي على الإصدار الأخير لهيئة كهرباء ومياه دبي “ديوا”. وأشار إلى أن هذا الإصدار كان بمثابة اختبار للعودة ثقة أسواق الائتمان العالمية بمؤسسات دبي، لافتاً إلى أن هذه الثقة جاءت كردة فعل إيجابية على التحركات التي اتخذتها حكومة دبي بشأن عملية إعادة هيكلة ديون مجموعة دبي العالمية، والتي عكست قدراً كبيراً من الوضوح المنهجية التي تتبعها دبي في معالجة أزمة الديون. ورجح الرئيس التنفيذي بالمجموعة المالية هيرميس أن يشهد الربع الأخير من العام الحالي عودة ضعيفة لعمليات الاكتتاب العام قبل أن تتزايد خلال عام 2011، وذلك مع ارتفاع مستوى وعي الشركات بالقيمة الاستراتيجية لإدراج أسهمها في البورصة، وذلك بالإضافة إلى أن الجهات التنظيمية والرقابية تعمل حالياً على تيسير هذه العمليات عبر السماح للشركات بإدراج نسب صغيرة منها في الاكتتابات العامة. وأوضح أن أسواق الأسهم المحلية مازال أمامها فرص أوسع للتطور خاصة في ظل عدم تمثيل نسبة كبيرة من القطاعات الاقتصادية الحيوية فيها، ما يسمح لأن نشهد إدراجات أخرى تغطي هذه الفجوة في قطاعات مثل البنية التحتية والصناعة والطيران وغيرها من القطاعات الأخرى. وأشار إلى مسألة انحسار السيولة عن الأسواق في هذه المرحلة بالرغم من جاذبية الأسعار وانخفاضها إلى مستويات غير مسبوقة، يمثل تحدياً كبيراً أمام القائمين عليها، الذين عليهم التحرك لتعزيز جاذبة الأسواق، مستطرداً بأن الأوضاع الاقتصادية العالمية غير المواتية لم تخدم الأسواق في هذا السياق، لا سيما أن عمليات القلق والحذر تسيطر على قرارات الصناديق والمستثمرين المؤسساتين في الأسواق كافة. وشدد ساوثول على قوة ومتانة الاقتصاد الإماراتي الذي توقع أن يحقق نمواً إيجابياً خلال هذا العام دون أن يحدد نسبته، وذلك بعد التباطؤ الذي سجله في عام 2009، خاصة في ظل وجود البنية التحتية القوية التي تتمتع بها الدولة ومتانة الدعائم الأساسية لنمو الناتج المحلي للإمارات. وفيما يخص القطاع المصرفي، أشار إلى أنه من غير المحتمل أن تستعيد البنوك نشاطها الإقراضي بشكل قوي قبل أن تنتهي من عمليات تطهير ميزانياتها ومعالجة وضع السيولة بها. وأكد أنه بشكل عام تتمتع البنوك الوطنية بوضع صحي يؤهلها للاستفادة من الفرص المتاحة مع استمرار الحذر في الإقراض، خاصة للقطاع العقاري، مع إمكانية التوسع في تمويل قطاعات أخرى مثل النقل والبنية التحتية والتجارة، إلا أنه رجح في الوقت ذاته أن تواصل البنوك عمليات تجنيب مخصصات للديون والقروض المتعثرة لفترة أطول. وعلى صعيد الديون في المنطقة، لفت ساوثول إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تميزت بانخفاض مستويات الديون بشكل عام قبل وقوع الأزمة، وإن كان ضعف تنظيم الديون قد أدى إلى تعثر عدد من المؤسسات في المنطقة ومنها هيئات حكومية وبنوك وشركات وحتى الأفراد، وبدا ذلك واضحاً مع امتداد تداعيات الأزمة إلى أسواق المنطقة. وأشار إلى حدوث تحول جذري في الأساليب والاستراتيجيات المتبعة للحصول على التمويل، حيث تحول التركيز إلى أسواق الأسهم والسندات كبديل للقروض بشكل يعكس أوضاع السوق الراهنة. فلاحظنا على سبيل المثال أن سوق الأسهم والسندات كان أسرع استجابة لإعادة الهيكلة المالية بشركات دبي العالمية ونخيل، مقارنة بأسواق القروض. وأضاف أنه وفي ظل المناخ الحالي، والذي يتسم بتراجع أسواق الديون وانخفاض إقبالها على المخاطرة وانكماش الميزانيات، فقد رأينا دبي تقوم بتضييق حجم مقايضة التقصير الائتماني خلال الفترة الماضية بنسبة 40%. وأشار إلى أن قسم البحوث بالمجموعة المالية هيرميس يعمل على تقييم أسواق الإمارات العربية المتحدة بأقل من ثمانية أضعاف الأرباح المتوقعة في عام، لافتاً إلى أنه إذا تم استثناء الأسهم العقارية كافة، وتخفيض 30% من الأرباح المتوقعة بالبنوك المدرجة بالبورصة، فسيتم التداول في السوق بأحد عشر ضعف من الأرباح المتوقعة في 2010. وتوقع أن تشهد المنطقة طوراً منتظماً خلال الفترة المقبلة في أداء أسواق الأسهم في ظل هذا المستوى للتقييم وانخفاض العلاوات الناتجة عن المخاطر المصحوبة باستثمارات الأسهم. وأوضح أن الشركات قامت بتطوير المناهج والأساليب المتبعة، وأصبحت تبحث عن الأموال طويلة الأجل التي يتم تمويلها عبر أسواق رأس المال وبالعملات المحلية. وتعد عملية موبينيل التي قادتها المجموعة المالية هيرميس في يناير الماضي لطرح سندات بقيمة 1.5 مليار جنيه مصري (مليار درهم) خير دليل على ذلك، إلى جانب عملية شركة الجرافات البحرية الوطنية (NMDC) لإصدار سندات قابلة للتحويل بقيمة 391.5 مليون درهم، وكذلك عملية شركة دار الأركان للتطوير العقاري لإصدار سندات عالية المخاطر بقيمة 750 مليون دولار (2,7 مليار درهم).