قريباً سيصبح بمقدور المرء وضع صورة لشخص ما أمام هاتفه المحمول، وسيبلغه تطبيق إلكتروني تسوقه إحدى الشركات التجارية بآخر نقطة ظهر فيها صاحب الصورة على الشبكة العامة لكاميرات المراقبة. وستحصل كذلك على معلومات عن هذا الشخص استناداً إلى نشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي، وغير ذلك من المعلومات العامة المتاحة على شبكة الإنترنت. ومن ثم، سيصبح بحوزتك أداة للاستقصاء تتمنى شرطة مدينة سان فرانسيسكو لو كانت بحوزتها. ولتقريب الصورة، فهي الوسيلة نفسها التي تستخدمها «تيلور سويفت» لرصد المشاغبين في حفلاتها الموسيقية، وتعقبهم.
وإذا ما كنا بصدد الحديث عن هذا الهدف، فإن ما يعرف بمجلس الإشراف قد صوت لمصلحة حظر استخدام بصمة الوجه من جانب الوكالات التابعة للمدينة، وهو أمر ناجح في حد ذاته. ومع هذا، فإن هذه اللفتة من جانب إدارة المدينة لن تخلو من النقائص على أي الأحوال! فالوكالات المحلية ستلجأ إلى قنوات أخرى لمساعدتها في رصد الأفراد المزعجين أمنياً.
وكانت هذه القضية الخلافية، على صعيد المراقبة، قد أثارت الاهتمام قبل نحو 20 عاماً، وباتت موضوعاً شائقاً آنذاك. أما الآن، فكل معاملة لكل فرد منا مسجلة ومرصودة لدى شركات تتطلع إلى بيع سلعها إليك. فبريدك الإلكتروني، على سبيل المثال، مرصود وفاقد للخصوصية عن طريق آلية «الخوارزميات» بهدف اقتراح شيء ما عليك لتشتريه كدراجة هوائية، أو مستلزمات لطفل حديث الولادة. أما أجهزة قراءة لوحات أرقام السيارات فتتعقبنا أينما نذهب بسياراتنا، وتحدد الغرامات اللازمة آلياً إذا ما تجنبنا سداد رسم استخدام طريق، أو ارتكبنا مخالفة مرورية بسيطة.
ويتفاخر الأميركيون بأنهم يقدرون قيمة الخصوصية ولكنهم يعجزون عن تعريف معنى هذه الكلمة. ولعل هذا تحديداً ما يفسر دواعي الفشل الغامض للكونجرس في سن تشريع لحماية الخصوصية بأي طريقة عقلانية وشاملة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العالم يعيش في عصر الإنترنت منذ 25 عاماً حتى الآن. وقديماً، كان إخفاء الهوية في حياتنا اليومية أمراً مفيداً في حد ذاته، ولعل هذا قد تبخر الآن. فليس بمقدور المرء أن يحجب هويته في معظم معاملاته اليومية حالياً، وبمجرد توافر الاسم يستطيع أي شخص أن يعرف كثيراً عنك من شبكة الإنترنت.
ولنواجه الحقيقة المجردة، فإن أسوأ عواقب انتهاك الخصوصية ينجم عن إساءة التعامل مع كلمات المرور الخاصة بنا. أما الشركات فتخترق خصوصيتنا بهدف إطلاعنا على المزيد من العروض المغرية بصفة رئيسة. أما المستهلكون فباتوا مرحبين بالتخلي عن قدر ما من إخفاء هويتهم، وبالتالي السماح بانتهاك خصوصيتهم مقابل الاستمتاع بالتطبيقات المجانية، مثل جوجل، وفيسبوك، وخدمات التلفزيون الجديدة المتاحة بالمجان.
وتنبع المشاكل أساساً من استخدام الحكومات لتكنولوجيا المراقبة بشتى أنواعها، بنفس قدر مخاوفنا من تزويد رجال الشرطة بالأسلحة النارية، ومنحهم حق الضبط والاعتقال، إلا أن الديمقراطية بوسعها تسوية مثل هذه المشاكل على الدوام. ويستند أنصار هذا المبدأ إلى مثال بسيط وهو استخدام دول لبصمة الوجه لرصد المعارضين والسيطرة على توجهاتهم. فالنظم الشمولية لن تعدم الوسيلة للتصرف بطريقة تضاهي توجهاتها الشمولية. والخلاصة، أن المشكلة لا تكمن في التكنولوجيا العصرية، بل في الافتقار إلى الديمقراطية.
ومما يثير الدهشة، أن نقاط البحث التي ظهرت من خلال النقاش حول بصمة الوجه في ولاية كاليفورنيا، من المتوقع أن تطغى خلال جلسات الاستماع التي يعقدها مجلس النواب خلال الفترة المقبلة، ولم تكن القضايا واضحة في الحالتين.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى حيلة تستخدم في العادة لتخويف الرأي العام. فقد تلجأ مدينة ما إلى استخدام بصمة الوجه بتكلفة زهيدة، لجمع أكبر عدد ممكن من المخالفات المرورية آلياً. فلماذا يصوت الجمهور لمصلحتها؟، ويقول المنطق المضاد إنه بوسع رجال الشرطة أن يسجلوا أعداداً كبيرة من المخالفات عشوائياً بالطريقة المعتادة، وليودع رؤساء البلديات وأعضاء المجالس المحلية مواقعهم غير مأسوف عليهم. لقد استوعبنا ذلك من عبرة تعلمناها قبل 10 أعوام مع بدء تشغيل نظام قارئ اللوحات المعدنية آليا. فعند نشر كاميرات هذه المنظومة اتضح أن الدافع المالي هو الغالب. والأسوأ من هذا، التغاضي عن عوامل الأمان أحياناً بغرض جمع مزيد من الغرامات عن طريق حيلة بسيطة، تمثلت في ضبط الكاميرات لتسجيل المخالفة عند إضاءة الإشارة باللون الأصفر، وهو ضوء قصير المدة في الغالب.

بقلم: هولمان جينكينز