سحرت أهل الشام على أبواب الجامع الأموي
في سوق الحميدية، آخره، وفي الساحة ما بين أعمدة التاريخ ومدخل الجامع الأموي الكبير بدمشق، ووسط حشود من الجمهور السوري قدمت الفرقة الوطنية الإماراتية للفنون الشعبية عرضاً رائعاً تضمن أهازيج شعبية سحرت أهل الشامٌ الذين ضجوا بتصفيق الإعجاب والتقدير· فقد فاجأت الفرقة الإماراتية أهل المنطقة والمتسوقين في ذروة الازدحام في السوق العريقٌ، فاحتشدوا وتحلقوا حولهاٌ وطربوا لأهازيجهاٌ ووقف بعضهم مدهوشين، وهم يتابعون التراث الإماراتي العريقٌ حيث تسنى للكثيرين منهم، وللمرة الأولى، أن يطلعوا على فولكلور الشعب الإماراتي·
وقال عبدالله سعيد من أهالي الشام القديمة إنها المرة الأولى التي يشهد فيها عروضاً فولكلورية عربية وسط دمشق القديمة وبين الناس، وإنها لبادرة جميلة من الفرقة الإماراتية أن تنزل إلى الشارع وتذهب إلى الناس البسطاء، لكي تقدم لهم الأهازيج والتراث الإماراتي·
أما محمد السبيعي فكانت البسمة لا تفارق وجهه طوال العرض، اقتربنا منه وسألناه عن شعوره ورأيه بعروض الفرقة الإماراتية فقال: ''يبدو التراث الإماراتي قريباً جداً من التراث الشعبي السوري، فنحن شعب واحد يسكن في بلدين، لكن التأثر بالبحر وببيئة الخليج العربي واضح في التفاصيل، فتشعر أن الأهازيج تحمل رائحة البحر وهدير أمواجه حتى تكاد تشعر أنك تقف على شاطئه·
وتقول بثينة الدبس، وهي في العشرينيات من عمرها، إنها شاهدت من قبل بعض الأهازيج الإماراتية على شاشة التلفزيون، وأعجبت بها لكنها تشعر بالدهشة الآن، وهي تشاهد الفولكلور الإماراتي بأم عينيها في دمشق القديمة فهذا يعطيها إحساساً مختلفاً وشعوراً رائعاً من الحماسة والمتعة·
وبينما كان أحد الراقصين يقذف البندقية في الهواء كان الجمهور يتابع علوها، وقال لنا أحدهم: إنها (اليولة) أنا أعرفها، وهي من التراث الإماراتي الخالص، وتنظم فيها مسابقات تعبر عن الشجاعة والمهارة والرجولة، وأتمنى لو أني أستطيع أن أجرب أو أعرف كيف يقذفها على هذا الارتفاع ثم يستعيدها بهذه السلاسة، ثم تابع البندقية وهي تقفز من يد الراقص وتدور في الهواء، لكنه تراجع إلى الخلف قليلاً في حركة لا شعورية وكأنه يخشى من سقوطها على رأسه!!
ضحكت زوجته من ردة فعله اللا إرادية· وقالت لنا: ''عندنا أيضاً في التراث الشعبي السوري يرقصون بالسيف، ولكن بطريقة مختلفة قليلاً، فعندنا ما يعرف برقصة السيف والترس، ولكن السيوف التي نرقص بها رفيعةٌ، أما هذا السيف الذي يرقص به الراقص الإماراتي فهو ضخم وعريض· انتقلنا إلى شاب يبدو أنه جامعيٌ سألناه عن اسمه فقال فراس تيناويٌ، وأضاف: ''شيء جميل أن نرى أخوتنا العرب بيننا وفي شوارعنا وأزقتنا· فهذا يعطينا إحساساً عميقاً بأننا شعب واحدٌ ويقربنا من بعضنا البعض أكثر· وأتمنى أن أرى فرقاً عربية أخرى تقيم عروضها هنا أمام الجامع الأموي·
ولاحظ فراس بأن التراث الإماراتي غني بالأهازيج الجميلة وأضاف: ''في الإمارات شعب عربي أصيلٌ وهو أقرب للبداوة ولهذا تلحظ الجزالة والرهافة في التعابير، فهو شعب يحب الشعر لا بل يعشقه وهناك يزدهر الشعر الشعبي النبطي الغني بالمعاني والعبر والحكم·
انتقلنا إلى فتاة كانت تراقب العرض عن كثب مع مجموعة من صديقاتها، ويتحاشين الدخول بين الجموع· قالت: اسمي دينا غازي جئنا لنتسوق بعض الأقمشة من السوق، ففوجئنا بالفرقة الإماراتية، لكن الحشود تمنعنا من المشاهدة بشكل جيد، وابتسمت دينا ثم قالت: ''إن العرض ممتعٌ، وهي المرة الأولى التي أشاهد فيها فرقة فولكلورية إماراتية أو حتى خليجية ربما لأنني لا أتابع الفعاليات الثقافية كثيراً''·
أبو محمد العجلوني، وهو رجل مسن كان يراقب العرض الرائع بوقار، قال: ''أنا لا أتقن التحدث في السياسة! لكني أقول لك إن الإماراتيين شعب طيبٌ، وهم يحبون الشعب السوري، ونحن أيضاً نحبهم، لأنهم بسيطون مثلنا وكرماء مثلنا، والدليل حضورهم إلى قلب دمشق القديمة ليقدموا لنا هذا العرض الجميل، ولا تنس أن الشيخ زايد رحمه الله كانت له أياد بيضاء في أكثر من مجال عندنا، وكذلك صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الامارات العربية المتحدة حفظه الله ، وآخر مكرماته المستشفى الذي أهداه لمحافظة حمص·
أبو محمد الذي لا يفهم في السياسة أضاف: ''سبق لي أن شاهدت عروضاً فولكلورية إماراتية عندما زرت ولدي الذي يعمل في أبوظبي، ولاحظت كم إن الفولكلور الإماراتي يشبه الفولكلور السوري، فهم أشقاؤنا وأبناء عمومتنا''·
نالت الأمسية استحسان السوريين، وأثارت حماستهم على مدى ساعتين قدمت فيها الفرقة فنها الشعبي المتميز، ولم تقتصر العروض على العاصمة دمشق، بل امتدت إلى محافظتي حمص وحماة· وما لفت أنظار السوريين هو الحضور الفني والثقافي غير المسبوق لدولة عربية في دمشق، فقد كان الحضور الإماراتي مفاجئاً كماً ونوعاً· حيث ضمَّ الوفد الإماراتي ما يزيد عن (140) عضواً، وهو أكبر وفد ثقافي وفني عربي من بلد واحد يشارك في أسبوع ثقافي في دمشق، كما أنه يضم عدداً كبيراً من المبدعين والكتاب والشعراء والفنانين التشكيليين والمسرحيين
المصدر: دمشق