حسونة الطيب (أبوظبي)

بينما تستعر الحرب بين الصين وأميركا للسيطرة على الساحة التقنية العالمية، تسعى نوكيا، رائدة الهاتف المحمول في تسعينيات القرن الماضي، لتلعب على الحبلين من خلال توسعة دائرة نشاطاتها التجارية في كلا السوقين. ونجحت الشركة الفنلندية، التي أوشكت على الاختفاء من الساحة، في تحويل نفسها لشركة عالمية في صناعة معدات الاتصالات، مثل هوائيات الهواتف الخليوية ومفاتيح الهواتف وأجهزة توجيه الإنترنت والمكونات الجديدة لأنظمة الجيل الخامس اللاسلكية، لتحل حالياً في المرتبة الثانية عالمياً خلف هواوي تكنولوجيز الصينية، وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال.
وفي الولايات المتحدة الأميركية، حظرت الحكومة مبيعات شركة هواوي، بسبب ما تدعيه من أن أجهزة هواوي موجهة من قبل السلطات الصينية للتشويش أو التجسس على حركة الاتصالات، كما ضغط الرئيس الأميركي دونالد ترامب على بعض حلفائه، مثل بريطانيا وألمانيا واليابان، ليحذوا حذوه.
يشكل ذلك جزءاً من ساحة نوكيا للمبيعات، في الوقت الذي يستعد فيه العالم لاستقبال أنظمة الجيل الخامس، التقنية فائقة السرعة، التي ستسهم في الدفع بعجلة السيارات الكهربائية والمصانع التي يتم فيها التحكم عبر تقنية الإنترنت. وناشد مديرو مبيعات نوكيا، شركات الاتصالات في الدول التي زادت فيها أميركا حدة لهجتها ضد الصين، اختيار منتجاتها كبديل لمنتجات شركات هاتين الدولتين.
وفي الوقت نفسه، وبينما تعمل نوكيا على الاستفادة من حملة أميركا ضد هواوي، تسعى الشركة لتوطيد دعائم حضورها في الصين. وبشراكة مع إحدى الشركات الحكومية، توظف نوكيا، نحو 17 ألفاً من العاملين في الصين العظمى، التي تضم هونغ كونغ وتايوان، العدد الذي يساوي ثلاثة أضعاف منتسبيها في فنلندا. وتسير الشركة في تلك المنطقة، مصنعاً واحداً و6 مراكز للبحوث.
وتهدف نوكيا، لتكون أكبر مورد أجنبي للصين، حيث شكلت نشاطاتها التجارية في العام الماضي في الصين، 10% من إجمالي مبيعاتها بنحو 2.1 مليار يورو (2.4 مليار دولار). وفي إحدى زياراته العملية للصين في يونيو 2017 للصين، أعلن مدير نوكيا ريستو سيلاسما، عن إنشاء وحدة لنوكيا تتلخص مهمتها في مساعدة شركات الإنترنت الصينية على توسيع دائرتها في الخارج.
ووقعت الشركة في يوليو من العام الماضي، اتفاقية مع تشاينا موبايل، أكبر شركة اتصالات في العالم من حيث عدد المشتركين، يتم بموجبها تزويد الأخيرة بمعدات وخدمات مقابل 1.1 مليار دولار. وبعد ذلك بثلاثة أشهر، أبرمت نوكيا، اتفاقية أخرى تزود على ضوئها تي موبايل، بمعدات وخدمات لنظام الجيل الخامس، مقابل 3.5 مليار دولار.
وقال ريستو: «أدرك أن الثقة هي الأساس الذي تقوم عليه العلاقة بين الصين وفنلندا».
لكن يبدو أن على نوكيا، قطع طريق طويلة للحاق بركب هواوي، التي بدأت في تخطي حدود الصين قبل عقدين من الزمان. ووجدت هواوي موطئ قدم لها في الدول النامية، من خلال تقديم معدات رخيصة لشركات الاتصالات هناك.
وذكرت شركات الاتصالات أن هواوي تقدم لها بطريقة مستمرة أجهزة مبتكرة وبأسعار منافسة.
وفي الصيف الماضي، قامت شركة الاتصالات الفنلندية، بتجربة شبكة لاسلكية من الجيل الخامس من هواوي، لتوفير واي فاي عالي السرعة، دون الحاجة لعمليات التوصيل السلكية في المنازل وغيرها. ورغم أن نوكيا، لم تقدم نظاماً مشابهاً حتى فبراير الماضي، فإنها لا تزال في حلقة المنافسة.

من الغابة إلى الهواتف
ويتناسب تحول نوكيا من الهواتف المحمولة إلى معدات الاتصالات، مع تاريخ اختراعاتها. فقد بدأت الشركة مسيرتها التجارية، بالعمل في مجال لب الخشب في 1865، لتأخذ اسم «نوكيانفيرتا ريفر»، حيث مقر مصنعها. وعلى مدى قرن من الزمان نوعت الشركة نشاطاتها، من مطاط وإلكترونيات وصناعة الأحذية والإطارات وكمامات الغاز وأجهزة الحاسوب.
ولم تفلح نوكيا في تحقيق الأرباح منذ عام 2015، حيث سرحت العديد من العاملين وظلت في دوامة من تغيير المديرين. وبلغت عائدات الشركة في العام الماضي، نحو 22.6 مليار يورو (25.5 مليار دولار)، مقابل خسائر قدرها 335 مليون يورو. وفي يناير الماضي، أعلنت نوكيا، الاستغناء عن خدمات 280 من العاملين لديها في فنلندا و408 في فرنسا.