حذَّر علماء الدين من انتشار فوضى تفسير الأحلام والرؤى والمتاجرة فيها بلا عِلم أو بصيرة، لافتين إلى خطر مدعي القدرة على تفسير الأحلام، وترويج التفاسير غير العلمية، مشددين على ضرورة بذل المزيد من الجهد لتوعية المجتمع بخطر هذه الفوضى على شاشات الفضائيات، ونبهوا إلى جهل المتلقي يعد بيئة خصبة لمدعي العلم أو المرجفين، الذين يتوقون إلى تلقف الأخبار غير المؤكدة والتفسيرات غير العلمية، ونشرها بين الناس. أحمد مراد (القاهرة) - أوضح العلماء أن تفسير الرؤى علم له أصول وضوابط نص عليها أهل العلم، وقد صنفت في ذلك المصنفات التي شملت الآداب والأحكام التي لا بد أن تراعى في هذا الشأن، والواجب عدم الخوض في هذا لمن ليس له معرفة بالأحكام الشرعية التي تتعلق بالرؤى، حيث يقول الأستاذ بجامعة الأزهر الدكتور عبد الحكم الصعيدي إن شريعة الإسلام تحرص على حفظ الدين والسمو بالعقول والإفهام، وهي تنأى بأتباعها عن مسالك الأضاليل والأوهام، وترفض فوضى تفسير الأحلام المنتشرة الآن على الفضائيات العربية والإسلامية، والتي تحولت إلى مجرد تجارة كل هدفها الربح ولو على حساب العقول والإفهام، والمشكلة الحقيقية لمن يرى الرؤيا أو يفسرها تكمن في الجهل. الرؤى ويشير إلى أن الرؤى التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث، الأولى رؤيا صالحة بشرى من الله تعالى، والثانية رؤيا تخزين من الشيطان، والثالثة رؤيا مما يحدث به المرء نفسه، موضحاً أن أئمة الحديث في الصحاح والسنن صنفوا أبواباً في الرؤى وتعبيرها أو تفسيرها لقوله صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة». وقوله أيضاً: «إذا اقْترَب الزمان لم تكَد رُؤيا المؤمن تكذِب، وأصْدقهم رؤيَا أصدقهم حديثًا»، مؤكداً أن تأويل الرؤيا وتفسيرها بمنزلة الفَتوى، فَلا تخاض غِمار الرُّؤى إلاّ بِفَهم وعِلم، وبصيرة نافذه وحلم، ولا يعبرها- أي يفسرها- إلا ماهر نقي أو عالم تقي قد علم شروطها وضوابطها ورموزها وروابطها. أسرار السائلين ويرصد الدكتور عبد الحكم الضوابط الشرعية التي يجب أن يلتزم بها مفسر الأحلام والرؤى، والتي تتمثل في عدم إفشاء أسرار السائلين، وعدم ترهيبهم، وألا يخوض في الأمور العامة التي تثير الشك والبلبلة لدى السائلين، ومن الضروري أن يتحلى المفسر بأدبيات الحديث، فيعرف متى يتحدث ومتى يصمت، ولا غضاضة من أن يقول المعبر «لا أعلم»، عندما يجد الحلم مبهماً بالنسبة له، ومن الضروري أيضاً أن يلتزم بالحياد والبُعد عن المجاملة لاكتساب جمهور أكثر من السائلين، مشيراً إلى أن هناك التفسير الشرعي المستمد من القرآن والسنة، وهناك التفسير من خلال التشبيهات الواردة في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهناك التفسير اللغوي من خلال مفردات ولغة السائل، والتفسير من خلال الأمثال السائدة بين الناس، سواء كانت فصحى أو عامية. العلم النافع ويقول مفتي مصر الأسبق الدكتور نصر فريد واصل: تعبير الرؤى من العلوم التي نص الله جل وعلا على أنها من العلم النافع، بل ونص على أنها من فضله يهبها لمن يشاء، فهو من العلوم التي أشار إليها جل وعلا ومدحها، وكذلك النبي صلوات الله وسلامه عليه في أحاديثه الثابتة عنه، فتأويل الأحاديث يراد به تفسير الرؤى، هذا مع ما آتاه الله جل وعلا من العلم النبوي، لأن - يوسف - كان رسولا نبياً كريماً، فلديه العلوم التي يختص بها الأنبياء، وهي علم الشريعة التي يحكمون بها، والعلم عن الله والعلم بالله، وقد يخص جل وعلا بعض الأنبياء بنوع من العلوم، كما وقع ليوسف عليه صلوات الله وسلامه عليه في تفسير الرؤى، ولذلك خصَّ جل وعلا من تفسيره في كتابه العزيز، ومن ذلك قوله في آخر السورة: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)، فهذا تصريح من الله جل وعلا أن هذا العلم شأنه عظيم وأنه من العلوم التي يمتنُّ بها على من يشاء. بل إن النبي صلوات الله وسلامه عليه لم يعد هذا علماً فقط، بل عده من النبوة، فأخرج البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات» قالوا: وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة». أهل العلم ومعنى أن الرؤيا من النبوة، كما يقول الدكتور فريد واصل أي أنها من إلهام الله جل وعلا لأنها في الغالب تكون إشارة إلى المستقبل ومن أصاب تعبيرها عرف ما قد يقع له من ذلك، ولذلك أجمع أهل العلم على أنه لا يحل طلب معرفة المستقبل إلا عن طريق الرؤيا التي يريها الله جل وعلا لعبده، كما نص على ذلك الإمام الحافظ الفقيه أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن، وبذلك ثبت أن علم التعبير من العلوم العظيمة التي لها شأن في هذه الشريعة، وبهذا يتقرر أنه لا يجوز الكلام في هذا الشأن إلا بعلمٍ ومعرفةٍ، فيحرم على كل مؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في أي أمر من الأمور بغير علم، فهذا في جميع الأمور، يشمل الأمور الدينية والدنيوية، فحرم الله جل وعلا الكلام بغير علم في جميع الشؤون، كما قال جل وعلا: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)، وهذا التحريم يشمل كل كلام بغير علم، فكيف إذا كان هذا العلم من العلوم الشرعية، بل وصفها صلوات الله وسلامه عليه بأنها جزء من النبوة، ولذلك نص الإمام مالك على أنه لا يتكلم في الرؤيا إلا من كان عالما بها. حديث النفس ويقول الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد المختار المهدي: ما يراه النائم في نومه ثلاثة أنواع، رؤيا وهي من الله تعالى، وحلُم وهو من الشيطان، وحديث النفس، فالرؤيا هي مشاهدة النائم أمراً محبوباً، وهي من الله تعالى، وقد يراد بها تبشير بخير، أو تحذير من شر أو مساعدة وإرشاد، ويسن حمد الله تعالى عليها، وأن يحدث بها الأحبة من دون غيرهم، والحلُم هو ما يراه النائم من مكروه، وهو من الشيطان، ويسن أن يتعوذ بالله منه ويبصق عن يساره ثلاثاً، وأن لا يحدِّث به، فمن فعل ذلك لا يضره، كما يستحب أن يتحول عن جنبه، وأن يصلي ركعتين. وقد يكون ما يراه النائم ليس رؤيا ولا حلماً، وإنما هو حديث نفس، ويسمى «أضغاث أحلام»، وهو عبارة عن أحداث ومخاوف في الذاكرة والعقل الباطن، يعيد تكوينها مرة أخرى في أثناء النوم، كمن يعمل في حرفة ويمضي يومه في العمل بها وقبل نومه يفكر فيها، فيرى ما يتعلق بها في منامه، ولا تأويل لهذه الأشياء، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، والرؤيا ثلاثا فالصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه...».