خطوات للخروج من الأزمة اليونانية
هل هناك سبيل للخروج من مأزق الديون الذي تعاني منها أثينا؟ في فبراير الماضي استدعت الحكومة اليونانية عدداً من المستشارين الأجانب، من بينهم الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل جوزيف ستيجليتز، وبدأت لعبة التقاذُف بكرة اللوم. وراح رئيس الوزراء اليوناني، الذي هو في الوقت نفسه رئيس الاشتراكية الدولية، يلقي اللوم على الجميع.
في البداية اتَّهم المضاربين، ثم سارع إلى مهاجمة زملائه في الاتحاد الأوروبي، كما هاجم الألمان هجوماً شديداً، لأنهم وفقاً لباباندريو كانوا سبباً كبيراً في متاعب اليونان. ومن المفارقة أنه بعد أن اعتبر اليونانيون أن الأجانب هم الملومون على جميع المتاعب التي تعاني منها بلادهم، استدعى اليونانيون أطباء أجانب. في هذه الحالة لم يكن الأطباء هم صندوق النقد الدولي فحسب، وإنما كذلك تم إشراك الساسة والبيروقراطيين في الاتحاد الأوروبي.
لكن ربما يتبين في نهاية المطاف أننا أمام حالة يقتل فيها الأطباء المريض. لم يبدأ "الأطباء" بما كان يجدر بهم أن يبدأوا به، وإنما بدأوا ببرنامج تقشف على النمط المعهود من صندوق النقد الدولي. ووعدت الحكومة بتقليص الإنفاق العام. ورفعت الضرائب كذلك. وعلى العكس من جارتها بلغاريا، التي فعلت الشيء الصحيح تماماً حين رفضت زيادة ضريبة القيمة المضافة على المبيعات، فإن اليونان زادت من ضريبة المبيعات مرتين منذ الأزمة.
كان يجدر باليونان أن تعيد جدولة ديونها، لكن كان يجدر بها كذلك أن تطبق برنامجاً لضبط النفقات في المالية العامة على جانب العرض (أي زيادة عرض النقود المخصصة للاستثمار من خلال تخفيض الضرائب). وهذا يعني تقليص الإنفاق الحكومي، لكنه يعني كذلك تغيير النظام الضريبي.
تعاني اليونان في الوقت الحاضر من ضرائب مرهقة على الرواتب يدفعها أصحاب العمل (من شركات ومؤسسات)، وفي نهاية الأمر تدفعها القوة العاملة. كجزء من الفرقعة الكبرى، ينبغي على اليونان إلغاء مساهمة أصحاب العمل في ضرائب الرواتب، والتي تبلغ في الوقت الحاضر 28 بالمائة من الأجور (ويدفع الموظفون بصورة مباشرة نسبة أخرى مقدارها 16 بالمائة).
في الوقت نفسه، ينبغي على اليونان أن تجعل ضرائب القيمة المضافة منتظمة. في الوقت الحاضر توجد ثلاثة معدلات ضريبية مختلفة على القيمة المضافة في اليونان. وهذا أمر طبيعي في أوروبا. أولاً، هناك الضريبة الاعتيادية على المبيعات، وضريبة أخرى أدنى بنسبة 50 بالمائة على فئات أخرى، وأخيراً ضريبة إضافية مخفضة بنسبة كبيرة للغاية. أقترحُ إلغاء الضريبة المخفضة، والأخرى المخفضة بصورة كبيرة للغاية، والإبقاء على ضريبة منتظمة واحدة فقط على القيمة المضافة وتكون أقل من النسبة الضريبية العليا الحالية، وهي 23 بالمائة.
إذا فعلت اليونان هذين الأمرين، سينتهي بها المطاف إلى توليد دخل يفوق ما لديها في الوقت الحاضر.
لكن الأمر المهم أكثر من ذلك أن هذا من شأنه كذلك تحقيق تخفيض لا يستهان به في تكاليف العمل في الاقتصاد بين عشية وضحاها. تبلغ مساهمة أصحاب العمل في الضمان الاجتماعي حوالي 7.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. إذا ألغينا مساهمة أصحاب العمل فإن هذا سيؤدي إلى تخفيض مقداره 22 بالمائة في مبالغ الأجور الإجمالية في اليونان كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. وذلك يجعل الاقتصاد اليوناني أكثر تنافسية دون اللجوء إلى تخفيض العملة، الذي يزعم بعض المعلقين أنه أمر ضروري. من الواضح أن هذه التغيرات من شأنها كذلك تقليص الاستهلاك، وزيادة المدخرات، وتقليص مستوى الديون في اليونان.
اسمحوا لي أن أتقدم بتعليق حول تخفيض العملة. هناك بعض الناس الذين يشعرون بالقلق الشديد دون أن يفعلوا أي شيء ويقولون: "المشكلة مع اليونان هي أنها وضعت نفسها في إطار قيود اليورو، وليس بوسعها الآن تخفيض الدراخما. بالتالي فإن اليونان في مأزق. وليس هناك ما تستطيع عمله." لكن هناك أمراً يستطيع اليونانيون القيام به. بإمكانهم تقليص إجمالي تكلفة العمالة بنسبة 22 بالمائة، بمجرد إلغاء مساهمة أصحاب العمل في ضرائب الرواتب. حتى نرى مقدار تخفيض العملة اللازم لتوليد صدمة تنافسية موجبة بهذا المقدار، لنفترض أن 50 بالمائة من التخفيض سيتم تمريره خلال الاقتصاد على شكل ارتفاع في معدل التضخم، وهو افتراض معقول بالنسبة لاقتصاد صغير ومفتوح مثل الاقتصاد اليوناني.
في هذه الحالة لا بد أن يكون مستوى تخفيض العملة في اليونان هو 44 بالمائة، حتى يكون معادلاً، من حيث القدرة التنافسية، للصدمة الموجبة التي يمكن أن تصاحب إلغاء مساهمة أصحاب العمل في ضرائب الرواتب. وحين يتم إلغاء مساهمة أصحاب العمل في ضرائب الرواتب، تستطيع اليونان تعزيز قدرتها التنافسية. وسيكون هذا التعزيز مساوياً تقريباً لتخفيض العملة بنسبة 44 بالمائة.
لا تدع أحدا يقول لك إنه ليس بمقدور اليونان أن تفعل أي شيء. لم يفُت الأوان بعد على تغيير المسار. بالإضافة إلى ذلك فإن بإمكان عدد من البلدان الأخرى التي تواجه الآن أزمة محتملة في الديون أن تحاول اتخاذ منهج مماثل، وذلك بإعادة هيكلة الديون وتخفيض الضرائب على العمالة في سبيل تحسين القدرة التنافسية وحفْز عملية خلق الوظائف، وفي الوقت نفسه رفْع بعض ضرائب الاستهلاك للمحافظة على استمرار الدخل. أي أن هناك مخرجاً من المأزق اليوناني.
ستيف إتش. هانكي
أستاذ علم الاقتصاد التطبيقي بجامعة جونز هوبكنز
ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»