إبراهيم سليم (أبوظبي)

أطلقت الإمارات العربية المتحدة مسابقة عالمية بمسمى «تحدي تكنولوجيا الغذاء»، تسعى لإيجاد حلول مستدامة وقائمة على التكنولوجيا من أجل تعزيز الأمن الغذائي للدولة، وتتم بالتعاون مع مكتب الأمن الغذائي بالإمارات وشركة «تمكين». وتعد المسابقة منصة لمواجهة أكثر التحديات إلحاحاً في العالم، وهي مشكلة نقص الغذاء، والتي تتيح للمشاركين فرصة أن يكونوا جزءاً من المنافسة العالمية التي تبناها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله. وفي هذا الإطار حددت استراتيجية الأمن الغذائي في الدولة، عدداً من الأهداف.. تتضمن أن تكون الإمارات ضمن أفضل 10 دول وفق مؤشر الأمن الغذائي، وزيادة الإنتاج المحلي من الأصناف الغذائية الاستراتيجية بنسبة 15%، والحد من فقد وهدر الغذاء بنسبة 15%، كما تتضمن تسهيل تجارة الغذاء العالمية، وتنويع مصادر استيراد الغذاء.
ولإلقاء الضوء على هذه المسابقة العالمية المهمة، كان لا بد من الإطلال على الوضع العالمي للغذاء، من خلال مقابلة أجرتها «الاتحاد» مع الدكتور والخبير التقني راميش جاجاناثان المدير الإداري لمنصة «ستارت إيه دي»، مسرّعة الأعمال العالمية في جامعة نيويورك أبوظبي، وأحد أبرز المحكمين في مسابقة «تحدي تكنولوجيا الغذاء».

حلول الإمارات المستدامة
بدايةً، أعرب جاجاناثان عن تقديره لجهود دولة الإمارات العربية المتحدة في سعيها لإيجاد حلول مستدامة وقائمة على التكنولوجيا، عبر سلسلة القيمة الغذائية، من أجل تعزيز الأمن الغذائي للدولة من خلال هذه المسابقة، والتي تسهم في تخفيف حدة الجوع عالمياً، واتخاذها عدداً من المبادرات التي تهتم بمستقبل الغذاء وتوفير الأمن الغذائي، كـ«تحدي تكنولوجيا الغذاء»، إضافة إلى اتخاذها خطوات مهمة نحو الارتقاء بجودة الحياة للمجتمع الإماراتي بكل مكوناته.
ولفت إلى سعي الإمارات لتطويع التكنولوجيا الحديثة لتقديم خدمة إنسانية للبشرية وتأمين الغذاء، من خلال تقديم أفكار مبتكرة وجذب وتشجيع الباحثين والخبراء لطرح ابتكاراتهم، وتقديم الدعم اللازم لها من خلال هذه المسابقة، علماً بأن الإمارات لديها معارض ومؤتمرات عالمية تستضيفها في قطاع الغذاء واستخدامات الحلول المبتكرة.
وفيما يتعلق بالأفكار المطروحة التي يأمل رؤيتها في المسابقة، قال: «نبحث عن شركات ناشئة تقدم حلولاً مركّزة لسدّ ثغرة الـ30% في تحسين المحاصيل من أجل إطعام 3 مليارات شخص خلال العقد المقبل. تبرز فرص كثيرة للحدّ من خسائر سلسلة الإمداد من خلال أحدث التطورات التكنولوجية. فمثلاً، تؤدي زيادة بنسبة 1% في فعالية سلسلة الإمداد إلى زيادة بنسبة 2% في المحاصيل. كما تبرز فرصة كبيرة أمام الشركات الناشئة التي توفر حلولاً شاملة تطال كامل سلسلة الإمداد».

استمرار الأزمة
ورداً على سؤال حول مدى مساهمة التحدي في معالجة مشكلة الأمن الغذائي العالمية، ذكر راميش أن العالم يستشعر أزمة نقص الغذاء منذ نهايات القرن الماضي، وتم عقد مؤتمر القمة العالمي للأغذية، وحضره ممثلون عن 185 دولة، بهدف التوصل إلى التزام عالمي بالقضاء على الجوع وسوء التغذية، وتوفير أمن غذائي مستدام للشعوب كلها، وبالرغم من هذا المجهود العالمي، ما زال أكثر من 820 مليون شخص يعانون الجوع المزمن وأكثر من ملياري شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي المتوسط والحاد، من بينهم 8% من سكان أميركا الشمالية وأوروبا. كما يعاني واحد من أصل 7 مواليد جدد نقص الوزن، مقابل أكثر من ملياري راشد يعانون البدانة، وثلثهم مصاب بالسمنة.

تخفيف معاناة البشر
وقال: «إن تحدي تكنولوجيا الغذاء قد يقوم بدور مهم في مواجهة معاناة ملايين البشر، خاصة أن تحدي تكنولوجيا عبارة عن منصة للمبتكرين الواعدين والطموحين في مجال الغذاء، لعرض أفكارهم وحلولهم التكنولوجية والمستدامة القابلة للتطبيق على نطاق واسع في كافة أنحاء دولة الإمارات، المسابقة مفتوحة للجميع، ولكنها تستهدف بوجه الخصوص طلبة الجامعات وأصحاب الشركات الناشئة في مراحلها الأولية ضمن أسواق الزراعة المدنية المتقدمة».
وتابع: «الأمن الغذائي يطرح مشكلة عالمية لها انعكاسات محلية، حيث يكافح مجموعة تحديات ناتجة عن ارتفاع عدد السكان وتوسّع الثغرة الغذائية وسوء التغذية وتغير العوامل البيئية، فيما تعكس مسابقة تحدي تكنولوجيا الغذاء التزام الإمارات بإيجاد حلول فعالة لتسريع الابتكار في الزراعة الحضرية وتعزيز أمنها الغذائي، كونها في طليعة مساعي التنمية المرتكزة على المعرفة».
وأشار إلى أن تحدي تكنولوجيا الغذاء بالتعاون مع مكتب الأمن الغذائي بالإمارات العربية المتحدة وشركة تمكين والتي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، والمكلفة بتنفيذ مشاريع خاصة تستهدف تحقيق رؤية التنمية القائمة على المعرفة لدولة الإمارات. ووفقاً لجاجاناثان، يسعى التحدي إلى إعداد حلول مبتكرة عبر سلسلة القيمة الغذائية، من خلال إطلاق نداء مفتوح لتعاون محلي ودولي في إطار مسابقة عالمية. وسيختتم التحدي بحفل جوائز مزمع عقده في أبريل 2020، حيث تتضمن لجنة التحكيم مجموعة من الخبراء.
وسلّط راميش جاجاناثان الضوء على أهمية دور التكنولوجيات الناشئة في الحدّ من خسارة سلسلة الإمداد وعلى الفرص التي يتيحها تحدي تكنولوجيا الغذاء، فهو يروّج في ظلّ الجهود العالمية لحلّ مشاكل الأمن الغذائي لتطوير مبادرات التنمية والأبحاث التي تركز على إيجاد حلول بديلة، من خلال مواجهة تحديات الأمن الغذائي الناتجة عن ندرة المياه والظروف المناخية المتقلّبة وعدم الاستقرار الإقليمي.

الأمن الغذائي.. أزمة عالمية
وأشار إلى أن الأمن الغذائي يشكّل أزمة صحية واقتصادية عالمية متنامية، فبحسب تقديرات البنك الدولي، تساهم الأغذية والزراعة بنسبة 10% في إجمالي الناتج المحلي العالمي، ما يعادل 8.8 تريليون دولار، ويحمل تركيز المستهلكين المتزايد على الاستدامة والصحة والخضر والفواكه الطازجة، قطاع الأغذية على الابتكار في الإنتاج والطلب والتنظيم. فعلى سبيل المثال، يُتوقع أن يزيد الطلب في قطاع التكنولوجيا الغذائية الاستهلاكية على البروتينات المرتكزة على النباتات وحدها من 5 إلى 85 مليار دولار خلال العقد المقبل، وتبلغ نسبة هذا النموّ السنوي 28% تقريباً. وتبرز في قطاع التكنولوجيا الغذائية الصناعية فرص هائلة لاستخدام أحدث التطورات في تكنولوجيات تخزين الأغذية الاستهلاكية من أجل الحد من هدرها، علماً بأنها تشكّل 40% من الأغذية التي يتمّ هدرها في الولايات المتحدة.

التوسع الحضري
وفيما يتعلق بالتكنولوجيا الزراعية والزراعة الحضرية، مستقبلاً، أوضح راميش أنه بحسب تقرير الأمم المتحدة، سيعيش ثلثا سكان العالم في مناطق حضرية بحلول عام 2050 أي بزيادة 2.5 مليار شخص. وستتركّز 90% من هذه الزيادة في آسيا وأفريقيا. وسيرافق هذا التوسّع الحضريّ الهائل ارتفاع سريع في الفقر الحضريّ وانعدام الأمن الغذائي الحضري. والمقلق أنّ 85% من الفقراء في أميركا اللاتينية وقرابة نصف الفقراء في أفريقيا وآسيا سيقطنون المناطق الحضرية. وقد انعكست الأهمية الملحّة للحدّ من ظاهرة الفقر العالمية، ودور التكنولوجيا في خدمة البشر، في جائزة نوبل للاقتصاد لعامي 2018 و2019.
فبالإضافة إلى مواجهتها تحدي توفير الوظائف الملائمة للفقراء في المناطق الحضرية، تتحمّل المدن عبء التخلص من النفايات الحضرية التي يُتوقع أن يصل وزنها إلى 2.2 مليار طن في السنة عام 2025، أي بزيادة نسبتها 70% في 7 سنوات فقط. وتوفر التكنولوجيا الزراعية والزراعة الحضرية استراتيجية متكاملة مؤثرة للحدّ من الفقر الحضري وانعدام الأمن الغذائي وتعزيز الإدارة البيئية الحضرية. كما تعزز الزراعة الحضرية الأمن الغذائي من خلال الحدّ من التكلفة العالية لسلسلة الإمداد واللوجستيات، لا سيما بالنسبة إلى الفقراء في المناطق الحضرية. كما تساهم التكنولوجيا الزراعية والزراعة الحضرية في التنمية الاقتصادية الحضرية والبيئة المستدامة من خلال إعادة الاستخدام المنتج للنفايات الحضرية.

الإمارات تقود الأمن الغذائي
وحول الدول التي تقود حالياً الأمن الغذائي، قال: بلا شك، إن الإمارات تعد من هذه الدول، كما سنشهد تطوراً كبيراً في السياسات والابتكارات الرائدة في الأمن الغذائي في دول جنوب شرق آسيا. فبالإضافة إلى إحراز تقدم ملحوظ في الحدّ من الجوع المزمن، تعدّ المنطقة من أكثر الاقتصادات الزراعية إنتاجاً في العالم. ويُتوقع أن يزيد طلب رابطة أمم جنوب شرق آسيا التي تحتضن 600 مليون نسمة على الأغذية بنسبة 40% بحلول عام 2050.
وتابع المحكم والخبير الدولي: يجري أيضاً تطوير برامج دمج إقليمية فريدة من نوعها لمواجهة التحديات الناتجة عن ارتفاع الطلب وتنويع الأنظمة الغذائية وندرة الأراضي وشحّ المياه وتأثير الاحترار العالمي. ويُتوقع أن تزيد البرامج الجديدة الصادرات بنسبة 15% وأن توجد 4.5 مليون وظيفة زراعية جديدة بحلول عام 2025.

برامج التعاون الزراعي
يوفّر برنامج Grow Asia نموذجاً جديداً للتعاون في المجال الزراعي تطبّقه خمس دول في رابطة أمم جنوب شرق آسيا. ففي إندونيسيا، تتعاون مجموعة شركات من القطاع الخاص والحكومة ومنظمات أهلية مع مزارعي الذرة من أجل تحسين الإنتاجية والربحية، من خلال توفير رزمة خدمات، مثل التمويل الصغير وتأمين المحاصيل والدفع الرقمي والتوعية بالأمور المالية والوصول إلى السوق. ومن خلال الاستفادة من الخبرات الجماعية، يضيف التحالف قيمة غير مسبوقة إلى كامل سلسلة الإمداد. ويستفيد المزارع من ازدياد محصول الأرض واستخدام المياه، ومن خلال تشكيل الشركات جزءاً من السلسلة القيمية من البداية، تحصل باستمرار على منتجات أعلى جودة وتتقلّص نفاياتها وتستفيد من سلسلة إمداد أكثر شمولاً. وأدت الجهود المماثلة في فيتنام إلى زيادة مزارعي القهوة الإنتاجية بنسبة 30% والحدّ من استخدام المياه بنسبة 40% ومن البصمة الكربونية بمعدّل النصف.

بورتريه
يشغل راميش جاجاناثان حالياً منصب نائب رئيس قسم الابتكار وريادة الأعمال والمدير الإداري لمنصة «ستارت إيه دي»، مسرّعة الأعمال العالمية في جامعة نيويورك أبوظبي. يتخصص، وهو التقني ورائد الأعمال، في قيادة الفرق العالمية حيث ركّز منذ عام 2010 على الابتكار وريادة الأعمال في جامعة نيويورك أبوظبي، وقضى قبل ذلك 30 سنة في «إيستمان كوداك» في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث عُيّن بعدها زميلاً باحثاً في مختبرات أبحاث كوداك. يحمل جاجاناثان ميدالية ذهبية من جامعة مادراس، حيث تلقّى شهادة في التكنولوجيا وتابع دراساته العليا في جامعة كلاركسون، وانضمّ إلى لجنة مرشدي جامعة كامبريدج. يحوز جاجاناثان 46 براءة اختراع أميركية، واخترع تكنولوجيا الطباعة بالحبر الجاف وعملية جديدة لتغليف الأغشية الرقيقة.