أشرف جمعة (أبوظبي)

لحظات تأمل، وربما عناء فكري أو نظرة بعيدة للمستقبل هذه الأطروحات العقلية والوجدانية قد تسيطر على من تدعوه مشاعره للتقاعد الوظيفي المبكر أو من وصل إلى السن التي يجب عليه أن يتفرغ فيها لحياة أخرى، وفي كل الأحوال يمضي كل فرد يمر بهذه المرحلة إلى غاياته سواء كان رجلاً أو امرأة، فالتقاعد من الوظيفة يحتاج إلى تهيئة نفسية وقدرة على التكيف مع المجتمع الجديد ومن ثم الامتلاء بطاقة إيجابية بخاصة أن بعض المواطنين في الدولة تتولد لديهم رغبة في العيش مع تجارب أخرى بعيداً عن العمل الوظيفي رغم أنهم في أوج سنوات العطاء، وهناك فئة أخرى تستقبل التقاعد الوظيفي بشيء من الفرح حيث لا يرون حاجز الستين هو الذي يعطل عن العمل والإنتاج ومما لا شك فيه أن هذه المرحلة تحتاج إلى تهيئة داخلية حتى يكون للتقاعد المبكر أو عند بلوغ السن فرصة للسعادة الحقيقية والتفاعل مع الذات بشكل إيجابيي من أجل العيش في رحاب حياة مشرقة.

إسعاد النفس
يقول المحاضر في تطوير الذات عبدالله الهدية: الحياة تبدأ من بعد التقاعد وليس صحيحاً أنها تندثر وأن الفرد في هذه الحالة عليه أن يستسلم للاسترخاء والبعد عن تحقيق الطموحات مشيراً إلى أن هناك بعض الموظفين الذين حين تقترب مرحلة التقاعد ينظرون للمستقبل بشكل سوداوي بخاصة هؤلاء الذين لم يفكروا في تهيئة أنفسهم من الناحية النفسية والاجتماعية والإنسانية أما الذين لديهم رؤية فإنهم يتخطون هذه المرحلة بكل ثقة وهو ما يجعلهم مؤهلين إلى خوض التجربة بشكل مميز.
ويبين الهدية أن هذه المرحلة تتسم بالتأمل والانطلاق نحو آفاق أخرى بخاصة أن هناك بعض الأشخاص الذين يجدون أن الوظيفة تحد من إبداعهم مثل الفنانين والشعراء والمبدعين وكذلك الذين يجدون أن عطاءهم من الممكن أن يكون أوفر مع التقاعد وهناك نماذج كثيرة استطاعت بعد التقاعد أن تنجح في ميادين مختلفة علمية وتطوعية وتجارية بالإضافة إلى أن هناك نماذج أخرى أمنت حياتها المادية فعملت على إسعاد النفس من خلال الاستمتاع داخل المزارع والاندماج مع اللون الأخضر أو السفر والتعرف على الثقافات الأخرى وهو ما يبين أهمية أن يكون لدى المتقاعدين بكل أنواعهم خطط وأفكار تسهم في استقبال المرحلة الجديدة بشكل مختلف.
ويشير إلى أنه من الضروري أن يقيم كل مقبل على هذه الخطوة ذاته ويسأل نفسه كيف أرى التقاعد، هل بشكل مشرق وجميل أم بصورة عابسة وكئيبة؟ ومن ثم يفتش عن الأشياء التي تجعله ينطلق فيكسر حاجز القلق بخاصة أن كل إنسان عاش في رحاب الوظيفة يدرك أنه عاش في مجتمع منتج وأن التقاعد أيضاً يجب أن يكون الفرد فيه منتجاً حتى يشعر بالسعادة وأن دوره لا يزال قائماً في هذه الحياة مؤكداً أن الإيجابية يجب أن تكون شعاراً لكل متقاعد بحيث يتم استثمار الحياة بشكل أمثل من أجل أن تكون سنوات العمر أحلى وأجمل دون قيود أو ديون أو منغصات تحيل بين المتقاعد وبين السعادة، ويذكر الهدية أنه من ضمن هؤلاء الذين تغيرت حياتهم للأفضل بعد أن أقدم طائعاً على اتخاذ قرار التقاعد موضحاً أنه لا ينكر أن الحياة الوظيفية بكل مثاليتها هي التي علمته أن يستثمر مرحلة التقاعد المبكر بجدية وأن يكون فرداً ناجحاً في المجتمع.

ورشة تفاعلية
ومن واقع تجربته يورد علي جاسم المرزوقي أنه تقاعد قبل 6 سنوات من الخروج الطبيعي من الوظيفي وأنه استفاد كثيراً من ورشة تفاعلية كان قد حضرها قبل اتخاذ هذا القرار وكانت تناقش الاستعداد النفسي للتقاعد وأنه بعدها اتخذ هذا القرار بعد تفكر وتأمل وأنه بعد مرور عام لم يندم على ما أقدم عليه بخاصة أنه نظراً في المقام الأول على وضعه المعيشي وأنه غير مدين للبنوك وأن باستطاعته أن يحول حياته للأفضل وفقا للمرحلة الجديدة مشيراً إلى أن بعض الناس تنظر إلى التقاعد على أنه الجلوس الطويل داخل البيت ومن ثم عدم الحركة والاهتمام بشؤون الأبناء لكنه خرج من هذا النطاق الضيق من خلال ممارسة الرياضة ومن ثم الاهتمام بصحته والابتعاد عن الضغوط النفسية وأنه ينوي الانخراط في الأعمال التطوعية لأنه يحب هذا النوع من العمل الإنساني والمجتمعي فضلاً عن أنه بعد أن هيأ نفسه للتقاعد استطاع أن يمارس هوايته في السفر، وسافر خلال عام إلى عدة دول مثل مصر وبريطانيا والبوسنة وأذربيجان وغيرها من الدول الأخرى كما أنه يمارس هواية الصيد من خلال الذهاب إلى البحر إلى جانب متعته في القراءة حيث يعكف حالياً على المطالعة الحرة التي تكمل في داخله الجوانب الثقافية مبيناً أنه استفاد بشكل حقيقي من التقاعد كما استفاد من الوظيفة وأنه يعمل على استثمار وقته بشكل إيجابي حتى يحقق الكثير من طموحاته وأفكاره وخططه التي وضعها قبل أن يتوفر لحياة التقاعد ويعيش أجمل سنوات العمر دون الشعور بأية أعباء أو الاستسلام للضغوطات التي تؤثر بشكل سلبي عليه.

دور اجتماعي
ولا يخفي مبارك البريكي عضو جمعية إحياء التراث الشعبي أنه فور اقتراب السن المتعارف عليه للتقاعد هيأ نفسه لهذه المرحلة بشكل عملي وعلمي مبيناً أنه لم ينظر إلى مسألة العمر وإنما نظر إلى مدى قدرته على التوافق مع الحياة بشكل إيجابي ومن ثم استثمار كل لحظة في أشياء تجلب السعادة وأمها ممارسة الهوايات التي يحبها من ثم الانخراط في أعمال يشعر من خلالها أنه يحقق ذاته بخاصة أنه اتجه بعد التقاعد للميدان الذي يحبه حيث يتفاعل مع أنشطة جمعية إحياء التراث الشعبي إذ إنه من هواة الاستمتاع بالفعاليات التراثية والمهرجانات فضلاً عن أنه يمارس دوره المجتمعي والإنساني والثقافي بشكل طبيعي ويتفاعل مع محيطة بكثير من الألفة وأنه يرى أن مرحلة التقاعد هي البداية الحقيقية للاستمتاع بسنوات العمر والعمل على تنفيذ أشياء إيجابية.

الوقت المناسب
وتذكر علياء خالد أنها بعد أن أمضت في وظيفتها سنوات طويلة قررت التقاعد لكن بعد أن خططت جيداً لهذه الخطوة وأنها تشعر بالسعادة لأنها وفقت في اختيار الوقت الذي أقدمت فيه على التقاعد وأنها في الفترة الحالية تعمل من أجل إسعاد أسرتها فضلاً عن أنها من هواة السفر والجلوس في الأماكن الخضراء لذا فهي سافرت إلى العديد من الدول التي لم تذهب إليها من قبل فضلاً عن أنها ترعى الكثير من الزهور والأشجار في مزرعة خاصة بالعائلة وهو ما يجعلها تشعر بأنها تعيش سنوات مختلفة عما عاشته من قبل.

تخطيط للمستقبل
يذكر الشاعر عمر بن قلاله العامري أنه عاش تجربة خاصة مع التقاعد حيث إنه قبل بلوغه الستين بعامين شرع في التخطيط لمرحلة التقاعد وحين استقر بعيداً عن الحياة الوظيفية مارس الكثير من الأدوار داخل المجتمع ومن أبرز الأشياء التي تفرغ لها هي كتابة الشعر حيث ساعدة الفراغ على إنتاج المزيد من الأعمال الشعرية فضلاً عن أنه لم يغفل حياته العملية التي واصلها من خلال أعماله الخاصة التي ازدهرت كونه استطاع أن يوفر الوقت الكافي الذي يجعله ينجح ويستمتع بكل خطوة في عالم المال والأعمال وأنه بفضل الإعداد الجيد لمرحلة التقاعد استطاع أن يعيش أجمل سنوات العمر حيث إنه تقاعد منذ 6 سنوات.