القاهرة (الاتحاد)
لم يكن التحاق الفنان رشدي أباظة بالفن أمراً سهلاً، حيث كان والده اللواء السعيد أباظة يرغب في أن يلتحق مثله بالمجال العسكري، ولكن انشغال الابن بالرياضة أثناء دراسته الجامعية جعله لا يكمل دراسته، وبدأ خلال هذه الفترة عشقه للسينما. وحين أخبر رشدي أباظة والده بأنه ينوي العمل فيها كممثل، رفض الوالد بشدة، ولكن عناد رشدي جعله يستمر في طريقه، وكانت النتيجة اضطراره إلى الابتعاد عن بيته وأسرته لأكثر من 8 سنوات في فترة تشبه القطيعة بينه وبين والده.
وجاءت انطلاقته الأولى في السينما عام 1948، حين اختاره المخرج كمال بركات للمشاركة في بطولة فيلم «المليونيرة الصغيرة» أمام فاتن حمامة وعبدالسلام النابلسي وماري منيب، وجسد فيه شخصية ضابط طيار يرتبط بقصة حب مع فتاة ترفض جدتها زواجه منها لاعتقادها أنه يطمع في ثروتها، ويبتعد عنها، ولكنه بمرور الوقت يقتنع بخطأ تفكيره ويتزوجها. ولفت رشدي في الفيلم أنظار المخرجين والمنتجين، وبدأ ينطلق في أدوار صغيرة ولكنها مؤثرة، مثل أدواره في أفلام «رد قلبي» و«إسماعيل يس في البوليس» و«لا أنام» و«الاسطى حسن» و«جعلوني مجرماً» و«إني راحلة» و«إزاي أنساك» و«بور سعيد» و«طريق الأمل» و«نساء في حياتي» و«أنا وأمي» و«تجار الموت» و«تمر حنة» و«قلوب العذارى» و«صراع في النيل».
وجاءته الفرصة الحقيقية على طبق من فضة العام 1959 حين رفض النجم أحمد مظهر دور «عصمت كاظم» في فيلم «الرجل الثاني» أمام سامية جمال وصلاح ذو الفقار وصباح وإخراج عزالدين ذو الفقار، وانتقل الدور بشكل مفاجئ لرشدي أباظة الذي أبدع فيه إبداعاً لا مثيل له، وكتب شهادة ميلاده كنجم سينمائي في السينما المصرية والعربية.
وتوقف الباحث والمؤرخ وسام أبوالعطا عند هذه المرحلة من حياة رشدي، وقال إنه تعرض العام 1962 لموقف كان له تأثير كبير في حياته، ولولا إيمانه بموهبته وبنفسه كان يمكن أن يعتزل التمثيل، حيث كان يحضر لفيلم «صلاح الدين الأيوبي» الذي كان سيتولى إخراجه عزالدين ذو الفقار والذي كان رشح رشدي لشخصية صلاح الدين الأيوبي، بعدما شاهده في فيلم «واإسلاماه» في شخصية «الظاهر بيبرس»، وفرح رشدي بدور صلاح الدين فرحاً شديداً، وقبض عربوناً من المنتجة آسيا داغر قدره 500 جنيه، وقام بالتأمين على نفسه ضد مخاطر التصوير في بعض المشاهد الخاصة بالمبارزة وركوب الخيل بمبلغ 20 ألف جنيه، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث توفي المخرج عزالدين ذو الفقار قبل تصوير الفيلم الذي تم إسناده وقتها للمخرج الشاب يوسف شاهين الذي قلب موازين الفيلم بالكامل، فغير اسمه من صلاح الدين الأيوبي إلى «الناصر صلاح الدين» وغيّر السيناريو.وأشار المؤرخ السينمائي إلى أن رشدي أصيب بحالة نفسية سيئة، واعتبر أن وفاة عزالدين الذي كان يعتبره والده الروحي في السينما، إشارة نهاية له في السينما المصرية، ولكنه تماسك وقدم أفلاماً كثيرة ترقى لمستوى النجومية، ولكن أصبحت هناك قطيعة شديدة مع يوسف شاهين، وكان رصيده معه فيلم واحد فقط، هو «جميلة بوحريد» الذي قدمه العام 1958.