سرقة 24 ألف درهم من راشد عيسى قبل النهائي
رافقت الاتحاد منتخب الشباب بطل آسيا، في رحلة تستحق التسجيل، وفيها ما فيها من الخفايا والأسرار التي قد تكشف بعضاً من تفاصيل الإنجاز الأبيض الذي تحقق في السعودية، وطوال 16 يوماً، هي المدة التي قضيناها مع منتخب الشباب، كانت هناك حكايات عديدة لم تعرف طريقها إلى الصحف، لكنها بقيت مختزلة، كدليل على عظمة الإنجاز الذي تحقق للكرة الإماراتية بتربعها على عرش آسيا لأول مرة في تاريخها، إضافة إلى التأهل إلى كأس العالم·
وربما كثر الحديث في الفترة السابقة عن وحدة الفريق وروح الأسرة التي تربط بين جميع أفراده، وهو قول قد يظن من يقرأه أنه معتاد في مثل هذه الحالات وبعد الإنجازات، ولكن من يرافق الفريق يدرك حقيقة هذه المقولة المتأصلة في نفوس الجميع، فهم بالفعل أسرة، وعندما يتحدثون جميعاً عن هذه النقطة يجمعون على أنهم قضوا سوياً من الوقت، مالم يقضونه مع أسرهم طوال الفترة التي كانوا فيها مع الناشئين، وحتى الشباب، ويلخص مترف الشامسي مدير الفريق هذا المعنى حين يقول: إنه لم يراقب نمو أطفاله الصغار، مثلما راقب المنتخب في أطواره المتعددة، وإنه كان يضطر أحيانا للابتعاد عن بيته بالشهور، باستثناء فترات هي أشبه بالترانزيت، ما بين مهمة وأخرى، وأنه لطول الفترة التي قضاها مع الفريق كان يشعر بالفعل أنه مع أبنائه، ولذا كان قاسياً عليهم في بعض الأحيان لكن ذلك بدافع أبوي، ومثلما يريد من الناس أن يقولوا عن أبنائه ونعم ابن فلان ، كان يريد من الجميع أن يقولوا ونعم ابن الإمارات ·
وروح الأسرة هذه كانت تطل من وجوه اللاعبين، سواء في التدريبات أو في الملعب أو الفندق، وكثيراً ما كان مشهد التعاون سمة لافتة بين اللاعبين، ففي المطعم مثلاً، من الوارد أن يحضر لاعب لزميله ما يريد، أو يساعده في شيء ما، هم بالفعل تربوا كأسرة وبهذه الروح وهذا الحب خاضوا أعظم تحد، كان حديث القارة الآسيوية·
أيضاً يحسب للجهازين الفني والإداري، أنه أرسى دعائم الانضباط والالتزام بين اللاعبين، فكل شيء بحساب وبموعد، والبرنامج الموضوع كان ينفذ بحذافيره، وكثيراً ما كان مطعم الفندق يشهد واقعة شبه مكررة بعد المباريات، حين ينسى لاعب ما طبيعة الأكل الذي عليه أن يتناوله، وتأخذه شهيته إلى قطعة من الحلوي، وهنا نجد مهدي علي مدرب الفريق ينتفض من مقعده، لينادي على طبيب الفريق، ويسأله: هل سمح للاعب بذلك، وسرعان ما يهرول الدكتور جلال غالي الطبيب والصديق لجميع اللاعبين، ومعه بقية أعضاء الطاقم الطبي إلى اللاعب لإثنائه عن محاولته، وإقناعه بالاكتفاء بـ سلطة الفاكهة للتحلية، وأن عليه الصبر حتى يكمل المهمة، وعندها سيصبح بإمكانه أن يأكل ما يريد·
أيضاً امتد الانضباط إلى بقية الأمور الأخرى، وكثيراً ما كان مترف الشامسي يطلب من إدارة الفندق منع قنوات بعينها عن غرف اللاعبين، خاصة في الأوقات الحساسة قبل المباريات، وبصفة خاصة قنواتنا المحلية الرياضية التي وسعت من تغطيتها بعد تأهل الفريق للنهائيات، وخشي مدير الفريق أن يسهر اللاعبون لمتابعة هذه القنوات، الأمر الذي قد يؤثر على لياقتهم الذهنية، أما التليفونات والاتصالات مع الأهل فهي بحساب، وتمنع قبل وقت كاف من المباريات·
والفترة التي قضاها اللاعبون وبقية أعضاء الجهازين الفني والإداري معاً، حولت المنتخب الشاب إلى ما يشبه المدرسة، فكل شيء تم تعليمه للاعبين، حتى مشاعر الفرح بعد تسجيل الهدف كان متفقاً عليها، وكان التأكيد على ضرورة أن تعكس فرحة اللاعبين حمدهم وشكرهم لمن منحهم النصر، فكان الاتفاق على أن السجود لرب العالمين، هو تعبير منتخب الإمارات عن فرحته·
ويحسب للجهازين الفني والإداري أنهما أبقيا اللاعبين بمعزل عن كافة شؤونهم· بمعنى أنه من الوارد أن يحدث خلاف في الرأي بين أعضاء الجهازين الفني والإداري في أي شأن من الشؤون، ولو حدث ذلك، فاللاعبون أبعد ما يكونوا عن ذلك، ولا يمكن أن تصل أجواء هذا الخلاف، لأن كل أعضاء الجهازين في الملعب، وحدة واحدة، يواصلون عملهم بنفس الروح وبنفس الحماس، لتظل الأسرة هي العنوان·
وقبل كل المباريات كان طبيعياً أن تعلو حدة الطوارئ، حيث يعود مهدي علي مع لاعبيه من التدريب ليجلس معهم في محاضرة، تم الإعداد لها من قبل وتتناول ما يمكن أن نسميه تشريح الفريق الخصم من خلال شرائط تم إعدادها مسبقاً، وتمثل ملخصات لمباريات المنافس، وللحق يحسب للطاقمين الإداري والإعلامي المعاونين تفانيهما في هذا الشق، وكان يضم ناصر التميمي عضو لجنة العلاقات العامة والإعلام باتحاد الكرة، وعمر العطار المسؤول الإعلامي للبعثة وياسر محمد سليمان المحاسب باتحاد الكرة، والذين شكلوا وحدة معاونة بإخلاص للجهازين الفني والإداري، تلبي كافة احتياجاتهم حتى يتفرغوا للمهمة الكبرى·
وقد كان مهدي علي يتعامل مع تسجيلات مباريات المنافسين بحرفية عالية، وكان ذلك يكلفه في بعض الأحيان السهر حتى الصباح في غرفة مترف الشامسي، ومعهما بقية أعضاء الجهازين الفني، والإداري والنجم ياسر سالم، حيث تتم مشاهدة كافة المباريات للمنافس، وبعدها يتم إعداد ملخصات تركز على مواطن القوة والضعف، حيث يتم التركيز على الثغرات التي يمكن اختراقها، وكذلك المناطق التي تحتاج إلى عمل وجهد وتكتيك جديد، وفي اليوم التالي يشاهد اللاعبون هذا الجهد في لقطات تمثل واقع الفريق الذي سيواجهونه، ودور كل منهم في التصدي له·
ومن المواقف الأخرى التي شهدتها البعثة يوم سرقة مبلغ مالي من راشد عيسى لاعب الفريق بلغ 24 ألف درهم، كانت حصيلة مكافآته عن مباريات الدور التمهيدي الثلاث، وحدث ذلك يوم مغادرة الفريق من الخُبر إلى الدمام للعب بقية مبارياته بالأدوار النهائية، حيث منح عيسى الرقم السري لخزينته للمرافق ليحضر له المبلغ من الخزينة، وفي الغرفة اكتشف المرافق أن الخزينة مفتوحة، وتم إجراء تحقيق بالفندق، غير أن التحقيق لم يكشف شيئاً، وهو ما كان سبباً بعد ذلك في ادخار بقية المكافآت للاعبين حتى لا تتم سرقتها· وكان طلال السيد مسؤول لجنة العلاقات العامة باتحاد الكرة قد زار البعثة في رحلة خاطفة من أجل توصيل الدعم المادي القادم من الاتحاد، بعد أن واصل الفريق مشواره بنجاح في البطولة·
بقي راشد الزعابي رئيس البعثة، وقائد هذه المنظومة الناجحة والذي كان في اجتماعات يومية ببقية أعضاء البعثة للاستقرار على كافة الأمور، والذي كان لإدارته الناجحة مفعول السحر في رفع معنويات اللاعبين ليواصلوا مشوارهم حتى النهاية بنجاح منقطع النظير، ومعه بالطبع محمد عبيد حماد المشرف على الفريق والذي كان لا يبخل بنصائحه، سواء للجهازين الفني أو الإداري أو اللاعبين، خاصة وأن خبراته كبيرة كلاعب دولي سابق وإداري صاحب تجربة ثرية·
المنتخب الأول كان حاضراً
أبوظبي - يمكن القول إن المنتخب الأول كان حاضراً بقوة في منافسات البطولة الآسيوية، وإن النتائج التي حققها في التصفيات المونديالية، كان لها أثرها في إنجاز الأبيض الشاب، خاصة وأن منتخبنا خلال البطولة التقى قوتين كرويتين حققتا الفوز على المنتخب الأول، وهما كوريا الجنوبية والسعودية، وبالطبع فإن أجواء الثأر تحيط بمثل هذه المباريات، لأن ذلك يكون مختزلاً في نفوس اللاعبين، حتى ولو اختلفت المناسبة، وحتى لو كان هناك فارق بين منافسات الكبار والشباب، وقد تمكن الأبيض من الفوز على كوريا الجنوبية 1/2 وعلى السعودية بهدف نظيف·
عدم الترشيح من الإعلام أحد الأسباب
أبوظبي - كان عدم ترشيح الأبيض الشاب من الإعلام في البطولة، أحد الأسباب وراء ما تحقق، وهو ما أكده مهدي علي مدرب الفريق، غير أنه ليس السبب الرئيسي، لكنه بالطبع لم يضع اللاعبين تحت ضغط من البداية، حيث إن معظم الإعلاميين في النهائيات الآسيوية، كانوا يضعون منتخبنا كثالث أو رابع في مجموعته، وبعد التأهل إلى ربع النهائي ظنوا أن مواجهة السعودية هي آخر محطات الأبيض، وبعد الفوز على الأخضر، أصبح الأبيض محط أنظار الجميع وتسابق الإعلاميون إلى مقر إقامة البعثة لتغطية كل شاردة وواردة وإجراء حوارات مع أعضاء البعثة واللاعبين·
سؤال أضحك مهدي
أبوظبي - خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب مباراة استراليا وتأهل الأبيض للمباراة النهائية، وجه أحد الإعلاميين سؤالاً إلى مهدي علي بدا غريباً، ولم يضحك مهدي وحده، وإنما كل من كانوا بالقاعة، حيث سأله الإعلامي: ألا تعتقد أن الظروف خدمت منتخبكم، ورد مهدي بتساؤل له دلالته: فزنا على العراق الحائزة على اللقب 5 مرات، وعلى كوريا الجنوبية الفائزة به 9 مرات، وعلى سوريا التي حازته مرة، وعلى السعودية التي فازت به مرتين، وإذا لم تكن هذه الفرق قوية، فمن القوي ؟، وأردف قائلاً: نحن لم تخدمنا الظروف، وإنما نحن من خدمنا أنفسنا، وقدمنا كرة جماعية هجومية مكنتنا من الفوز بجميع مبارياتنا، وكانت مجموعتنا، إضافة للمجموعة الأولى، هما الأقوى في البطولة·
اتحاد الكرة والتدخل في الوقت المناسب
أبوظبي - بالعودة إلى الفترة التي سبقت البطولة، يمكن القول إن تدخل اتحاد الكرة بعد البطولة الدولية وقراره بإسناد المهمة إلى مهدي علي بدلاً من التونسي خالد بن يحيى، كان مناسباً، ويحسب للاتحاد بقيادة محمد خلفان الرميثي رئيس الاتحاد، وبرغم أنها بدت مغامرة إلا أنها كانت مغامرة محسوبة، وتنم عن معرفة بمسيرة الفريق ومراحل تطوره·
وقد كانت هذه المرحلة بمثابة تساؤل دائم للإعلاميين في البطولة، الذين كانوا يسألون مهدي علي دائماً عن سر عودة الفريق خلال الفترة القصيرة التي تولى خلالها المهمة، وكان رد مهدي علي الدائم، أنه لا يملك عصاً سحرية، وكل ما حدث أنه عاد بالفريق إلى الطريقة القديمة التي كانوا يلعبون بها قبل أن يتولى خالد بن يحيى المسؤولية، ووضع اللاعبين في المراكز التي اعتادوها، إضافة إلى أنه يعرف كل شيء عن هذه المجموعة من اللاعبين، منذ أكثر من عامين، وعلاقته بهم تتجاوز حدود مدرب ولاعبين، كما أنه كثف بعض الشيء من العمل البدني، ووضحت ثمار هذا العمل خلال البطولة·
المصدر: أبوظبي