أبوظبي (الاتحاد) - الوسواس القهري بشكل عام، نوع من التفكير-غير المعقول وغير المفيد- يلازم المريض دائماً، ويحتل جزءاً من الوعى والشعور مع اقتناع المريض بسخافة هذا التفكير مثل تكرار ترديد جمل نابية، أو كلمات، أو تكرار نغمة موسيقية، أو أغنية تظل تلاحقه وتقطع عليه تفكيره مما يتعب المصاب. وأحياناً قد يؤذي المصاب نفسه جسدياً كالمصابين بمرض هوس نتف الشعر، وقد تحدث درجة خفيفة من هذه الأفكار عند كل إنسان فترة من فترات حياته، ولكن الوسواس القهري يتدخل ويؤثر في حياة الفرد وأعماله الاعتيادية، وقد يعوقه تماماً عن العمل. يقول الدكتور علي القائمي:»الوراثة إحدى الجذور التي يمكن الإشارة إليها فيما يتعلق بالوسواس الوراثي، أي أن الشخص يكتسب بعض الصفات الوراثية ومنها الوسواس عن طريق الأبوين والأجداد، وأثبتت الدراسات أن حوالي 40% من المصابين بالوسواس قد ورثوه عن ذويهم، كما تلعب التربية دوراً رئيسياً من خلال مرحلة الطفولة. ويعتقد بعض المحققين أن 50% من المصابين بالوسواس تعود جذور حالتهم إلى سن الشباب بالدرجة الأولى ثم إلى مرحلة الطفولة، وهناك دراسات تؤكد أن 80% من المصابين بالوسواس كانوا يعانون في الطفولة من اضطرابات نفسية جراء التقاليد القاسية والمعاملة الجافة أثناء الطفولة. كذلك التزمت والتعنت مع الطفل ومطالبته بسلوك يفوق طاقته أو معاقبته بطريقة غير مقبولة كحبسه في غرفة مثلاً مما يزرع لديه المخاوف ويصور له أشياء غير حقيقية، وكذلك الفطام الفجائي أو التشدد مع الطفل في السن الصغيرة ليتعلم آداب الطهارة والنظافة وما شابه. أو تحقير الطفل وتعريضه للإهانة والتعنيف والتأنيب المتواصل مما يؤدي لنشوء عددٍ من الاضطرابات بشكل تدريجي. كما يتسبب إحساس عدم الشعور بالأمان، أو الحياة المضطربة المليئة بالمخاوف التي عاشوها في الطفولة من قبيل عدم رضا الآباء والمشرفين عن سلوكياتهم ومحاولتهم بذل الجهود المضنية لكسب رضا المربين مما يؤصل لديهم السلوكيات الوسواسية. ويكون وسواس الشخص الكبير أحياناً ناجماً عن كثرة الممنوعات التي تعرض لها في الطفولة أو حتى في سن الحداثة أو الشباب وكثرة المحاذير والقيود على تصرفاته، وهذا لا يعني إطلاق القيد للشباب والأبناء ليفعلوا ما يريدون لكن يجب ألا نركز فقط على سلبياتهم ولكن من المهم تشجيع الجوانب الإيجابية في سلوكياتهم ومنحهم قدراً من الثقة بالنفس. وتتعاضد أحياناً عدة أسباب وعوامل لخلق حالة الوسوسة وتوفير الأرضية الملائمة لظهورها، فولادة طفل جديد في الأسرة يعتبر نعمة لها ، لكنه قد يعتبر نقمة للطفل الأول الذي يفقد كل الاهتمام والحب والذي ينصب في اتجاه أخيه خاصة إذا افتقد الأبوان لمقومات التربية الصحيحة وأشعروه بهذا الإهمال». ويضيف الدكتور القائمي:» توجد دراسات علمية عديدة عن أسر المصابين بالوسواس وهي تظهر نتائج مهمة خطيرة ومنها: أولاً: أن أغلبهم كان لهم آباء يتصفون بالعناد والتعنت في الأوامر التي يصدرونها لأبنائهم وعدم التسامح. ثانياً:كانوا يكثرون من المكاشفات وتقصي عيوب أبنائهم ، فإذا ما وجدوا منهم أدنى زلة سارعوا إلى مكاشفتهم وخلق المواقف المخجلة لهم. ثالثاً:كانوا يتسمون بالبخل حتى إذا ما طلب أبناؤهم شيئاً كان عليهم العناد والإصرار حتى يحصلوا على ما يريدون. رابعاً: كانوا أشخاصا غير متسامحين طعانين لوامين فكان الطفل مضطراً إلى الظهور أمامهم كما يحبون. خامساً: فإن هذه الشروط لا تعني عند وجودها ضرورة الإصابة بالوسواس فهي ليست كافية، بل هناك عوامل أخرى تؤدي للإصابة بالوسواس.