الهند تبحر نحو «شاطئ» مضاعفة النمو بـ «قارب» ارتفاع الطلب المحلي والخارجي
يشهد الناتج المحلي الإجمالي الهندي نمواً سريعاً، مما يجعل العديد من الاقتصاديين العالميين يعتقدون أن النمو الاقتصادي في الهند يقترب ولأول مرة، من مضاعفة أرقام نموه. واذا كان في مقدور الهند السيطرة على التضخم، وخفض الديون، فإنها بالتأكيد ستصبح القبلة الأولى للمستثمرين من مختلف أرجاء العالم. في المقابل، تعاني أوروبا من ثقل الديون، وانخفاض قيمة عملتها، وأميركا من شبح البطالة الذي يخيم على كل ولاياتها، وحتى الصين فإنها تعاني من تدهور قطاعها العقاري.
ويقول وزير المالية الهندي براناب موخيرجي :”يبدو وللمرة الأولى أن الصين على وشك مضاعفة نموها خلال السنوات الخمس القادمة. كما أن نموها لا يتحقق عبر المشاركة الحكومية فحسب، بل عبر العديد من القطاعات المختلفة، والمساهمين في الاقتصاد في كل مناحيه، بما في ذلك القطاع الخاص بنشاطه وحيويته المعروفة”.
وفي واقع الأمر، يعتبر الطلب المحلي القوي، بالإضافة الى الصادرات، من المحركات الرئيسية للاقتصاد الذي حقق نمواً قدره 8.6% في أول ثلاثة أشهر من العام الحالي. وفي ظل ارتفاع المشتريات، نما الناتج الصناعي بنحو 16.3% في الربع الأول. وفي غضون ذلك، كان نصيب قطاع الفنادق والمواصلات 12.4% من النمو، بينما 7.9% لقطاع الخدمات المالية. واستمرت قوة النمو حتى شهر أبريل حيث ضاعفت العائدات الصناعية نموا للشهر السابع على التوالي قدره 17.6%. كما حقق النمو السنوي في السلع الرئيسة طفرة كبيرة بنحو 72.8%، بينما نمت سلع المستهلك المعمرة 37%.
ولم يكن الطلب الخارجي بمعزل عن هذا الحراك الدائر ليساهم أيضاً في انتعاش الاقتصاد الهندي. وارتفعت الصادرات في أبريل 36%، و35% في مايو، عندما قامت الهند بشحن ما قيمته 33 مليار دولار من البضائع والخدمات في أول شهرين من السنة المالية الحالية.
ويقول الوزير براناب “تعتبر هذه المصادر المختلفة من النمو، بمثابة بادرة من بوادر الانتعاش الاقتصادي القوي”. وتتوقع الحكومة الهندية أن يحقق اقتصادها نموا قدره 8.5% في 2010، بينما يتوقع بنك النقد الدولي 8.8%. لكن تصر الحكومة على عدم قناعتها بالنمو ما لم تتضاعف أرقامه.
ويقول برناب “إن نمو 10% يكفي الحكومة بالكاد لتوفير الغذاء، والوظائف، والتعليم والأمن لأفراد الشعب”. لكن لا يتوقع براناب وبقية أفراد حكومته أن يتحقق ذلك المستوى من النمو قبل حلول 2013. وقبل حلول ذلك الوقت، ينبغي على الحكومة التحكم في أوجه صرفها الشيء الذي ساعدها على اجتياز الأزمة المالية، والتحكم في معدلات التضخم.
ويمثل العجز الكبير في الميزانية، وزيادة التضخم تحديا مستمرا لنمو اقتصاد الهند. وبينما يبدو مقبولاً تضخم ميزانية الحكومة المركزية عند 8% من الناتج المحلي الاجمالي، يزيد تضخم ميزانيات الحكومات الإقليمية عن المركزية بنحو 4 الى 5%. وهذا بدوره يقود إلى عجز إجمالي يصل إلى 12 – 13% من الناتج المحلي الاجمالي، مما يجعل وضعها المالي مشابها لنفس الأوضاع التي تعاني منها كل من اليونان، وبريطانيا، وأيرلندا.
ويذكر رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج أن العمل جار في خطة متوسطة المدى لخفض العجز للنصف بحلول 2013- 2014، وانه ليس من المتوقع أن يتأثر الاقتصاد بذلك. فيقول “نحن نشجع وبشدة الاستثمار في البنى التحتية، انطلاقاً من الاعتماد على شراكات القطاعين العام والخاص بقدر الامكان، لتخفيف العبء عن المصادر العامة الشحيحة. ولتحقيق هدفنا الطموح بنمو 9% بحلول 2011- 12، ندرك أن علينا الكثير الذي يجب القيام به”.
وخلال السنوات الخمس الماضية، تضاعفت البنى التحتية في الهند من 4%، الى 8%، وذلك وفقا للبيانات الواردة عن إدارة التخطيط الهندية. وتعرض الحكومة حاليا فرصا استثمارية في قطاع البنى التحتية، تصل الى 850 مليار دولار. ونتيجة لذلك، شهدت صناعات الهند الست التي تمثل القاعدة الرئيسية للبنى التحتية وهي انتاج خام النفط، وتكرير النفط، وانتاج الفحم، والأسمنت، والحديد، وتوليد الكهرباء، نمواً قدره 5% في مايو، بعد نمو 5.4% في أبريل.
وتخطط الهند خلال السنوات السبع القادمة، لاستثمار تريليون دولار في البنى التحتية. وبالرغم من ذلك، فإن الخطة الخاصة بإدارة التضخم، لم تتضح معالمها بعد. وارتفع مؤشر أسعار تجارة الجملة، وهو المعيار الرئيسي لقياس التضخم، بنحو 10.2% في مايو وحده. وشهدت أسعار المواد الغذائية على وجه الخصوص ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 7% حتى 12 يونيو الماضي، وبنسبة 16.9% مقارنة بالسنة الماضية. وحررت الحكومة أسعار الجازولين، كما رفعت أسعار تكلفة الديزل ووقود الطهي التي ستدفع بالتضخم لأكثر من 11%.
ومن شأن عجز الحساب الجاري الذي بلغ 13 مليار دولار في الربع الأول، أن يزيد من ضعف الروبية، التي تعتبر الأسوأ من حيث القيمة بعد الوون الكوري. وبدأ بنك الاحتياطي المركزي الهندي رفع معدلات أسعار الفائدة في مارس الماضي لمحاربة الإنخفاض، وربما يقف النقص في السيولة، أمام القيام بعملية خفض أخرى. ويقول مدير البنك، إن ارتفاع أسعار الفائدة لن يؤثر كثيرا في القضاء على ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
ويذكر وزير المالية أن آثار التضخم الناجمة عن الارتفاع الأخير في أسعار الوقود، ليس من المتوقع أن تدوم طويلاً، وستكون الآثار المباشرة زيادة في التضخم بنحو 0.9%. ويسود نوع من التفاؤل الأوساط السياسية في ان التضخم سينخفض بنحو النصف الى 5–6% بنهاية العام. وفيما يخص الاستثمار في الهند، فبغض النظر عن مقاومة الحكومة للتضخم والديون في الوقت الراهن، إلا أن اقتصاد الهند يعتبر واحدا من أكثر الاقتصادات نشاطاً وقوة في العالم الآن. وفي حالة تأخر التعافي العالمي، لن تعاني الهند بنفس القدر الذي يمكن أن تعانيه الدول الغنية، كما أن أداءها سيفوق غيرها إذا استمر التعافي على وتيرته.
عن «موني مورنينج»
المصدر: أبوظبي