علاء المشهراوي (غزة)

أثارت الموافقة القطرية على تمويل بناء المستشفى الدولي الميداني، بإشراف أميركي إسرائيلي على حدود قطاع غزة، سخطاً عارماً وغضباً واسعاً لدى السلطة الفلسطينية وفي الشارع الفلسطيني، وسط انتقادات واسعة لأهداف المشروع والنوايا الخفية المريبة من ورائه، حيث اعتبره مسؤولون وخبراء جزءاً من الشق الاقتصادي لصفقة القرن، يهدف إلى تكريس وتغذية الانقسام، وإضعاف السلطة الوطنية وتقوية حركة «حماس». ورأى هؤلاء أن تستر قطر خلف العمل الخيري يهدف إلى تمرير أجندة فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وتحقيق آمال وطموحات إسرائيل باستمرار حالة التشرذم الداخلي بين حركتي فتح وحماس، وإضعاف الموقف الفلسطيني دولياً.
ورفضت الحكومة الفلسطينيّة إقامة المستشفى، وأعلنت مؤخراً أن هذا المستشفى الذي تسعى إسرائيل وأميركا إلى إقامته على الحدود الشماليّة لغزّة يأتي في إطار المحاولات المستمرّة لتكريس الفصل بين القطاع والضفّة الغربيّة وتعزيز الانقسام تحت ذرائع إنسانيّة.
وأكّد رئيس الوزراء محمّد اشتيّة أنّه لم يتمّ التواصل مع أحد من أجل التنسيق لإقامة مستشفى دوليّ في شمال غزّة، وقال: «لم ينسّق معنا أحد في خصوص مشروع المستشفى المنوي إقامته بتمويل من مؤسّسة أميركيّة خاصّة، وبموافقة إسرائيليّة على الحدود الشماليّة، ولا نعلم ماهيّة هذه المؤسّسة وإلى من تتبع».
وكانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أوضحت أنّ فريقاً طبّيّاً دوليّاً سيشرف على المستشفى، حيث سيتمّ إنشاؤه من قبل منظّمة أميركيّة، وستقوم قطر بتمويل تكاليفه دون أي تنسيق مع السلطة الفلسطينية إرضاء لحماس. وقالت مصادر إن وفداً طبياً قطرياً قام بشكل سري بمناقشة المخططات لبناء المستشفى الدولي مع حركة حماس، بعد موافقة الحكومة الإسرائيلية رسمياً، ضمن تفاهمات التهدئة بين الاحتلال والمقاومة، على أن يكون التمويل قطرياً. وسيشغّل المستشفى طاقم من الأطباء الدوليين التابعين لمنظمة طبية أميركية تطوعية، حيث يحتوي على 16 قسماً، وتتكون مبانيه من جزأين: الأول مبانٍ وعيادات ثابتة، والثاني عيادات قابلة للتركيب مستوردة، علماً بأن جزءاً من هذه التجهيزات موجود حالياً ضمن مستشفى ميداني على الحدود السورية التركية يتبع للمنظمة التي كانت تقدم خدمات طبية إلى السوريين والأكراد هناك. وحسب المراقبين، فإن المريب في الأمر، أن قطر أصرت على بناء المستشفى رغم رفض السلطة الفلسطينية، ورغم أن الجهات الأمنية في غزة تبدي تخوفاً من المستشفى، خشية أن يكون له أهداف استخباراتية، ولسهولة سيطرة جيش الاحتلال عليه بأي لحظة نظراً لوجوده بشكل متاخم لقاعدة ايريز العسكرية الإسرائيلية، ما يعرض سلامة المرضى والجرحى لخطر الخطف أو القتل، لاسيما أنه سيكون من بينهم نشطاء مسيرات العودة، وهم مطلوبون لجيش الاحتلال.
وقال عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني وليد العوض لـ«الاتحاد»: إن المشاريع التي ترعاها وتنفذها قطر بات من الواضح أنها تندرج في إطار تنفيذ الشق الاقتصادي من صفقة القرن التي تروج لها أميركا وإسرائيل. وأوضح، أنه على الرغم من حاجة أهل قطاع غزة لمثل هذا المستشفى إلا أن مكان إنشائه وطريقة الدخول والخروج منه تجعله تحت سيطرة الاحتلال بالكامل وتعرض المرضى للخطر. وتابع «بات من الواضح أن قطر باتت تتولى رسمياً تنفيذ الشق الاقتصادي من صفقة القرن بالتنسيق مع إسرائيل، والتي رفضها الشعب بشكل واضح وعلني»، وأكد ضرورة عدم التجاوب مع مثل هذه المقترحات رغم الحاجة لها لكونها تهدف لتحقيق أهداف سياسية على حساب مشاريع اقتصادية.
وقال أمين سر هيئة العمل الوطني في قطاع غزة، محمود الزق لـ«الاتحاد» إن التحركات القطرية وإقامة مشاريع دون التنسيق مع السلطة لا يأتي إلا ضمن سياسة التعامل مع غزة ككيان مستقل، وهو أمر خطير، لأنه يندرج ضمن المشروع الأميركي لإنشاء كيان فلسطيني يقتصر فقط على قطاع غزة. وأضاف «حذرنا مراراً من خطورة هذا الأمر، وأكدنا أن هناك مشروعاً واضحاً يتم تنفيذه للوصول للأخطر، وهو تدوير هذه المشاريع التي تنفذ دون التشاور مع السلطة، وتأتي في سياق التعامل مع غزة خارج سياقها الجغرافي، والسياسي الذي يستوجب التنسيق مع الحكومة الفلسطينية». وحذر من خطورة استمرار قطر في هذا النهج، ومحاولات الاقتراب من غزة من خلال المنظور الإنساني، والذي في حقيقة جوهره تنفيذ المشروع الأميركي الذي يسعى لإحداث حالة من التغييب السياسي والوطني، والنيل من الحقوق الوطنية.
وقال المحلل السياسي طلال عوكل لـ«الاتحاد»، إن إنشاء هذا المستشفى على الحدود، رغم حاجة الفلسطينيين لمستشفى شامل، هو أحد مشاريع صفقة القرن التي تم إخراجها بشكل مختلف، من خلال الترويج بأنه جزء من التفاهمات التي تجري بين حركة حماس وإسرائيل. وأضاف: «المال القطري أثبت منذ بدء تدفقه على الفلسطينيين وغزة تحديداً على أنه مال سياسي وغير مستقل، ويأتي في سياق الرضا الإسرائيلي والموافقة الأميركية دون أي تنسيق مع السلطة الفلسطينية». وتابع «نحن أمام مال يدخل تحت عناوين إنسانية لكن أبعاده سياسية وغير مزعج لإسرائيل رغم أنها هي من تحاصر غزة، لكونه يحقق الكثير من أهدافها».
وقال مدير مركز الحوراني الثقافي التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية ناهض زقوت لـ«الاتحاد»: «لقد أخذت أميركا وإسرائيل باللعب مع حركة حماس بمساعدة قطر وأموال قطر، فبعد أن كانت قطر تدفع مباشرة إلى حركة حماس وللمشاريع الاقتصادية، أصبح الدفع من خلال إسرائيل، لكي تتحكم إسرائيل في صناعة القرار الاستراتيجي لحماس».
وأضاف: «تمكنت إسرائيل في لعبة استخباراتية من الحصول على أسماء كل أعضاء حركة حماس مع توقيعاتهم وبصماتهم، وكل هذا بمساعدة المال القطري، ثم ضغطت باتجاه دفع حماس لوقف تسلم المنحة القطرية من خلال التلاعب بالتفاهمات التي قامت على قاعدة: الهدوء مقابل المال، باتجاه الدفع لتغيير القاعدة، المال مقابل العمل، للحصول على مزيد من المعلومات الاستخبارية عن سكان قطاع غزة.. لقد استطاعت قطر بدعم أميركي إسرائيلي تعزيز الانقسام وإطالة أمده، وإخضاع حماس بهدف الوصول إلى ترسيخ حكمها في غزة، وإعلان القطاع ككيان منفصل».