شاركت الإمارات مؤخراً في ندوة “المكتشفات الأثرية الحديثة في مجلس التعاون لدول الخليج العربي”، التي أقيمت في العاصمة السعودية الرياض، ومثل الإمارات في الندوة التي تضمنت أوراقاً وبحوث عمل متخصصة، كلاً من الباحث عيسى يوسف من دائرة الإعلام والثقافة بالشارقة، والباحث علي المقبالي من هيئة السياحة والثقافة بأبوظبي. ولإلقاء الضوء على أهداف الندوة وتوصياتها والبحوث والمعلومات الآثارية التي قدمتها الهيئات المختصة في الإمارات، التقت “الاتحاد” عيسى يوسف مراقب المسح والتنقيبات في إدارة الآثار بـ”ثقافية الشارقة”، والذي أشار بداية إلى أن انعقاد الندوة أتى بناء على قرارات الاجتماع الثاني عشر لأصحاب السعادة الوكلاء المسؤولين عن الآثار والمتاحف في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والذي عقد في مدينة دبي العام الماضي، وأقر الاجتماع إقامة ندوة سنوية لآثار الخليج تستضيفها الدول الأعضاء بالتناوب، ويدعى لها باحثون من كل دولة لتقديم أورق عمل، وتم اختيار المملكة العربية السعودية لاستضافة الندوة المخصصة لهذا العام. وحول الأهداف المستقبلية للندوة، أوضح يوسف أن الندوة تهدف إلى تحقيق التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي في مجال الآثار وتسليط الضوء على آخر المكتشفات الأثرية في دول المجلس ونشر نتائجها، وذلك من خلال مشاركة باحثين متخصصين في مجال الآثار من دول المجلس. مشاركة الإمارات وحول المشاركة الإماراتية في الندوة، قال عيسى يوسف “إن دولة الإمارات من خلال دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة وهيئة السياحة والثقافة بأبوظبي، خطت خطوات سريعة في السنوات الأخيرة في مجال الآثار، وتنوعت مكتشفات الفترات الحضارية من خلال هذا النشاط الأثري، وتنوعت البعثات الأثرية من خلال هذا التنوع الحضاري، وعملت بعثات عدة، بالإضافة إلى الفريق المحلي للتنقيب في الكشف عن الكثير من اللقى والدلائل والمواقع والمدافن التي تعبر عن عمق وقدم الاستيطان البشري في الدولة. مكتشفات الشارقة وحول المكتشفات الأثرية الحديثة في إمارة الشارقة والتي تطرق لها بحثه المخصص للندوة، قال يوسف “إن عملية البحث المنظم عن مواقع العصور الحجرية في إمارة الشارقة أدت إلى اكتشاف مهم، تمثل بالعثور على أداة من الكوارتز كانت تستعمل لأغراض التقطيع والفرم، وذلك في منطقة فيلي الواقعة في القسم الأوسط من أراضي الشارقة، وربما يُقدر عمر هذه الأداة إلى مليوني عام، ويعتقد بأنها استعملت من قبل الإنسان منتصب القامة”. وأضاف أن التنقيبات والمسوحات أشارت إلى وجود أدوات من العصر الحجري القديم الأوسط، مثل المقاشط المشذبة وشظايا ذات شكل دائري تقريباً وأدوات على شكل ساطور، وجميع هذه الأدوات تؤرخ إلى حوالي 120 ألف سنة مضت. وأكد يوسف أن المكتشفات الأثرية التي تحققت حديثاً في منطقة جبل فاية في المنطقة الوسطى من الشارقة دلت على وجود تعاقب زمني يضم مواد تعود إلى العصر البرونزي، وأن الأدوات الحجرية المكتشفة تميزت بوجود ما يماثلها من المجاميع الحجرية المكتشفة في شرق أفريقيا، وقد أُرخت أقدم الطبقات في فاية بواسطة طريقة تحليل النظائر المشعة بفترة الدفء الجليدي الأخير قبل حوالي 125 ألف سنة مضت. وتطرق يوسف إلى مكتشفات العصر الحجري الحديث، وقال إن اكتشاف مجاميع حضارية تعود إلى فترة العصر الحجري الحديث أصبح الآن شيئاً مؤكداً من خلال وجودها في عدد من المواقع الأثرية في إمارة الشارقة، ومن المواقع ذات الأهمية سفوح جبل البحيص في المنطقة الوسطى من الشارقة وموقع جبل فاية. وتابع “إن الفترة المؤرخة ما بين 4100 إلى 1300 قبل الميلاد موثقة جيداً في عدد من المواقع والمباني الدفينة، وقد تم تنقيب عدد من القبور العائدة إلى فترة حفيت وأم النار ووادي سوق، ونشير بشكل خاص إلى القبور التي تم تنقيبها عند سفوح جبل بحيص وسفوح جبل فاية والتي احتوت لقى أثرية مهمة وتميزت بطابعها المعماري الفريد”. توصيات الندوة وحول التوصيات التي خرجت بها الندوة، أشار عيسى يوسف إلى أن أهم التوصيات تمثلت في ضرورة تواصل هذه اللقاءات والندوات التي تؤكد الروابط التاريخية القديمة بين دول مجلس التعاون، كما أوصت اللجنة بضرورة إنشاء قاعدة بيانات للمواقع الأثرية في المنطقة، وتأكيد الزيارات والتبادل المعرفي بين الباحثين الخليجيين، ونشر البحوث التي قدمها المتخصصون في هذا الحقل الحيوي والمتجدد أثناء الندوة من أجل توثيق هذه البحوث وتعميم جوانبها المعرفية والتثقيفية والسياحية، سواء على المستوى العام أو على المستوى الأكاديمي، نظراً للقيمة الثقافية والحضارية المهمة التي يتضمنها علم الآثار والاكتشافات الجديدة التي تقدم دلائل ومؤشرات ملموسة حول طبيعة المناخ وطبيعة المجتمعات البشرية في المنطقة خلال تلك العهود السحيقة. وعي جديد وعن تفعيل دور وحضور علم الآثار في الدولة، أشار عيسى يوسف إلى أن هناك وعياً جديداً وانتباهاً جدياً بدأ يتشكل حول أهمية علم الآثار، وتمخض هذا الانتباه كما أشار في إنشاء متاحف بجودة عرض عالية في إمارات الدولة المختلفة، كما أن ربط السياحة بالآثار والتراث الثقافي بات أمراً ملحوظاً وملموساً على أكثر من صعيد وجهة، وقال يوسف “إن الجهات الثقافية في الدولة قامت مؤخراً بإدراج وضم بعض المواقع الآثارية المهمة في الإمارات إلى قائمة التراث العالمي، ما سيكون له مردود سياحي واقتصادي كبير في المستقبل”.