«ويكيليكس»... وثغرات الحرب الأفغانية
عشرات الآلاف من الوثائق العسكرية السرية التي تم نشرها على شبكة الإنترنت يوم الأحد الماضي تؤكد ما يعرفه منتقدو الحرب في أفغانستان منذ بعض الوقت أو يشكّون فيه: أننا نتورط أكثر فأكثر في نزاع طويل وغامض لا فرصة له تقريباً في نهاية جيدة. ولكن إدارة أوباما وحلفاءنا في "الناتو والحكومة الأفغانية ردوا على الوثائق -التي كشفت عنها منظمة مزعجة تعرف باسم "ويكيليكس"(Wikileaks)- بالقول إنها لا تخبرنا أي شيء جديد. وتلك هي المشكلة!
الواقع أنه لدينا منذ بعض الوقت دلائل كثيرة تفيد بأن عناصر داخل أجهزة الاستخبارات الباكستانية تقدم الدعم والتوجيه لحركة "طالبان" المتمردة داخل أفغانستان، رغم أن باكستان يُفترض أن تكون حليفنا في المعركة ضد الإرهابيين. ولئن كانت الوثائق التي تم الكشف عنها مؤخراً لا تقدم دليلاً قاطعاً، فإنها تقدم بالمقابل فكرة عن مدى كثرة الأدلة المتوافرة. وفي هذا السياق، تشير صحيفة "نيويورك تايمز"، وهي واحدة من المؤسسات الصحفية الثلاث إلى جانب "الجارديان" البريطانية و"دير شبيجل" الألمانية -التي اقتسمت معها "ويكيليكس" الوثائق أولا- إلى أن "الجنود الأميركيين في الميدان يتم تزويدهم بكم هائل من القصص والتقارير حول شبكة من المتعاونين الباكستانيين".
والواقع أننا نعرف منذ بعض الوقت أن الولايات المتحدة وقوات أخرى من التحالف تتسبب في إصابات في صفوف المدنيين تؤدي إلى غضب وسخط بين القرويين المحليين وتدفعهم في كثير من الأحيان إلى الانضمام إلى معسكر العدو. والوثائق تكشف فقط عن حلقات لم يتم نشرها من قبل- حادث في أكتوبر 2008 أطلق خلاله جنود فرنسيون النار على حافلة بالقرب من كابول فجرحوا ثمانية أطفال، على سبيل المثال، ومأساة حدثت بعد ذلك بنحو شهرين أمطرت خلالها مجموعة من الجنود الأميركيين حافلة أخرى بالرصاص، مما أسفر عن مقتل أربعة من ركابها وجرح 11 آخرين. كما كنا نعرف أن وحدات القوات الخاصة الأميركية ونظيراتها التابعة لقوات التحالف كان مرخصاً لها اغتيال قادة "طالبان" أو أعضاء "القاعدة". وفي هذا الإطار، تصوِّر الوثائق التي تم تسريبها أنشطةَ وحدة "القتل أو الاعتقال" السرية المسماة فريق 373 - ولكنها بموازاة مع ذلك "تثير أسئلة جوهرية حول قانونية عمليات القتل، وكذلك حول تأثير تكتيك من المرجح أن يقتل ويجرح ويستعدي المارة الأبرياء الذين يحتاج التحالف إلى دعمهم"، مثلما تقول صحيفة "الجارديان".
وفي هذا السياق، تسلط الصحيفة البريطانية الضوءَ على حادث وقع في 2007 عندما انطلق فريق 373، في واد بالقرب من جلال آباد، لاعتقال أو قتل أحد قادة "طالبان"، فبينما كان أفراد "الكوماندو" يقتربون من الهدف، سلط عليهم أحد ضوء مصباحه اليدوي، فطلبوا دعماً جوياً، وسرعان ما هاجمت طائرة (إيه سي 130) المنطقةَ بنيرانها، ليكتشفوا لاحقا أنهم قتلوا سبعة أفراد من الشرطة الوطنية الأفغانية وجرحوا أربعة آخرين.
وبعد ذلك ببضعة أيام، وحسب الوثائق نفسها، قام أعضاء في فريق 373 بإطلاق قذائف على قرية اعتقاداً منهم أن مقاتلا أجنبيا يختبئ فيها، فقتلوا ستة من عناصر "طالبان"، ولكنهم قتلوا أيضاً سبعة مدنيين، جميعهم أطفال. وكان أحدهم مايزال على قيد الحياة عندما وصل المسعفون الطبيون، ويفيد التقرير بأن "المسعفين قاموا على الفور بإفراغ فمه من بقايا الحطام وحاولوا إنعاشه"، ولكن الطفل فارق الحياة بعد 20 دقيقة.
كما كنا نعرف أن الحكومة الأفغانية كان ينخرها الفساد، وفي هذا السياق، تُطلعنا الوثائق التي تم الكشف عنها على جزء من ذلك الفساد - مدى تفشيه ومدى نسفه لثقة الناس.
بيد أن الوثائق تخبرنا بعض الأشياء التي لم نكن نعرفها -أن طالبان، على سبيل المثال، استعملت على ما يبدو صاروخا يتبع الحرارة لإسقاط إحدى طائرات للتحالف في 2007، في وقت كان يقلل فيه المسؤولون الأميركيون من شأن خطر قوات التمرد على طائرات التحالف. والحال أن التقليل من شأن العدو قلما يكون فكرة جيدة.
وعلاوة على ذلك، فإن "مذكرات الحرب الأفغانية"، مثلما تسمى "ويكيليكس" الوثائق، تُبرز عبثيةَ محاولة شن حرب على حركة التمرد في بلد له تقاليد تعود إلى ما قبل 2000 عام في إبداء مقاومة شرسة للغزاة الأجانب. ومثلما أشار إلى ذلك البيت الأبيض بسرعة، فإن الوثائق تغطي الفترة التي سبقت إصدار أوباما لأوامر بتغيير الاستراتيجية. والحق أن الجنرال ماكريستال، القائد الذي وقع عليه اختيار أوباما، بذل ما في وسعه للحد من الإصابات في صفوف المدنيين - ولكن الجنود كانوا يشتكون، على نحو مبرر بعض الشيء، من أنه لا يُسمح لهم بالاشتباك بشكل كامل وملاحقة العدو. وبالتالي، فإن الجنرال بترايوس، الذي كُلف بقيادة المهمة في أفغانستان بعد إقالة ماكريستال، يتعرض لضغوط قوية اليوم للتخفيف من قواعد الاشتباك - وهو ما من شأنه أن يؤدي بكل تأكيد إلى قتل مزيد من المدنيين، وتحول مزيد من الأقارب المكلومين الحانقين إلى متعاطفين مع طالبان.
غير أنه بشكل عام، يمكن القول إن أكثر ما يصدم في "مذكرات الحرب" هو فشلها في إنتاج الصدمة، حيث تُبرز الوثائقُ التي تم الكشف عنها مدى عقم وعبثية إرسال مزيد من الشبان والشابات للقتال والموت في أفغانستان. ولكننا كنا نعرف هذا الأمر، أليس كذلك؟
يوجين روبينسون
محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«واشنطن بوست»