التمييز ضد النساء··· حقيقة أميركية
بالنسبة لمناضلة من الموجة الثانية للحركة النسائية مثلي، فإن انتخابات هذه السنة كانت مثل ركوب قطار مدينة الملاهي: مثيرة، ولكنها تبعث على الغثيان· فقد رأينا امرأة مؤهلة تتنافس على ترشيح رئاسي وتفشل، لأسباب ترجع في جزء منها على الأقل إلى الصورة التي قُدمت بها على أنها امرأة خطرة؛ ثم شاهدنا امرأة أخرى تفتقر إلى التجربة إلى حد يبعث على الخجل تُمنح ترشيح حزبها لمنصب نائب الرئيس لأسباب تعزى في جزء منها على الأقل إلى حقيقة أنها كانت بمثابة ''إعلان متنقل'' بالنسبة لمسابقة أجمل سيدة في أميركا· ومثل هذين الحدثين اللذين لم يكن من الممكن التنبؤ بهما لافتان ومهمان لأنهما يذكراننا بالتقدم الذي أحرزناه، كمجتمع وكثقافة، في النضال الذي بدأ منذ قرون من أجل تحقيق المساواة للنساء· واليوم، دخلت الموجة الثانية من الحركة النسائية في مرحلة هدوء، بل انتكاسة· فبعد أربعين سنة تقريباً من جهود ونشاطات الحركة، يعتقد جزء كبير من سكان البلاد أن تلك الثورة الاجتماعية قد نجحت، بينما يعتقد جزء كبير آخر أن ما حققته النساء لا يعدو أن يكون قطرة في محيط؛ غير أن جزءاً ثالثاً مازال يعارض بشراسة القيم التي تدافع عنها الحركات النسائية في مجملها· والحال أن مثل هذا التباين اللافت في وجهات النظر إنما يشير إلى أنه مهما تكن المكاسب التي حققتها النساء، فإنها مازالت قطعاً محل نزاع، ولم تضمن لنفسها الديمومة أو البقاء·
ولاشك أن أحد الأدلة القوية والدامغة على أن التمييز على أساس الجنس مازال موجوداً في الولايات المتحدة هو المعاملة التي عوملت بها هيلاري كلينتون طيلة حملتها من أجل الفوز بترشيح الحزب ''الديمقراطي'' للانتخابات الرئاسية؛ حيث تعرضت للانتقادات اللاذعة والهجومات الشرسة عبر مختلف ولايات البلاد -في الصحف والتلفزيون والإنترنت- بشكل متكرر ومهين، ليس لأنها من ساسة واشنطن، أو بصفتها عضواً في مجلس الشيوخ دعمت حرب العراق، أو لأنها كانت ستصبح فرداً من سلالة حاكمة، وإنما فقط لأنها امرأة· وقد كانت هيلاري توصف بشكل مستمر بأنها متصلبة وعنيفة؛ وانتُقدت لشعرها، وملابسها، وشكلها؛ ووُصفت بأنها امرأة متعجرفة على التلفزيون؛ أما على الإنترنت، فلن يجد المتصفح صعوبة في إيجاد ما كتب عنها'، إضافة إلى مقطع فيديو لرجل في أحد التجمعات يقول لزوجها بيل كلينتون بصوت عالٍ: ''رتب لي ملابسي''·
لقد شكَّل حجم ودرجة استمرار هذه المعاملة ما يشبه الصدمة بالنسبة لأي شخص كان يريد أن يصدق أن كراهية النساء باتت شيئاً من الماضي· ومن المؤلم والمفيد في هذا السياق أن نعرف أنه كان من شبه المستحيل إبداء ملاحظات عنصرية صريحة مماثلة بخصوص باراك أوباما، وذلك لأنك إذا كنت ممن قد يميلون إلى ذلك، فإنه يمكن أن تساورك بالطبع أفكار عنصرية، ولكنك لا تستطيع أن تجهر بها، خلافاً للتمييز على أساس الجنس لأنه لا توجد أية قيود تمنعه· وثمة دليل قوي آخر على أن التمييز على أساس الجنس مازال موجوداً معنا هو ترشيح سارة بالين لمنصب نائب الرئيس على التذكرة ''الجمهورية'' والذي شكل حقاً إهانة لنا جميعاً، رجالاً ونساء على حد سواء· فقد اختيرت بالين، مع إشارة ضمنية إيديولوجية قبيحة، لأنها أصولية مثيرة، وكأن المحافظين كانوا يريدون أن يقولوا لنا: ''أتريدون امرأة؟ حسناً، إليكم امرأة''·
وفي الوقت نفسه فإن رؤية الآلاف من النساء (والرجال أيضاً) ينهضون -عن حق- ليعبروا عن غضبهم ومناهضتهم للتمييز الجنسي الكامن في هزيمة هيلاري وصعود بالين كان أمراً يبعث على الارتياح، حيث دفع هذان الحدثان التوأم الناس إلى مناقشة السياسة والانخراط فيها· فالاحتجاج معيار حقيقي لقياس مدى التقدم الذي أحرزته الحركة النسائية في الواقع· وقد شكل هذا الجانب من السنة الانتخابية مصدر فرح وسرور بالنسبة للكثيرين منا، وتذكيراً مهماً أيضاً بأن الكفاح والنضال من أجل حقوق النساء يظل واحداً من أطول وأقوى الكفاحات في التاريخ البشري· وربما يلزم هنا التذكير بأن تاريخ نضال الحركة النسائية المعاصرة يعود إلى نشر ماري وولستونكرافت في 1792 لكتابها ''الدفاع عن حقوق المرأة''· ففي هذا الكتاب، الذي ألف في أعقاب الثورة الفرنسية، تقول وولستونكرافت إن النساء في حاجة لاستعمال عقولهن أكثر من حاجتهن إلى أن يكن أمهات أو زوجات، تماماً مثلما أن الرجال في حاجة إلى استعمال عقولهم أكثر من حاجتهم إلى أن يكونوا آباء أو أزواجاً· ولاحظوا هنا الفرق في المعنى بين كلمتي: ''بدلاً من''، و''أكثر من''·
ومنذ ذلك الوقت، ظلت الحركة ترفع رأسها، وتفتح فمها، وتبذل مزيداً من الجهود حتى يُسمع صوتها ويفهم ويعمل به، في دورات تتكرر كل خمسين سنة تقريباً· وفي كل مرة، تتم إعادة تسمية مناضلاتها -النساء الجديدات، النساء الغريبات، النساء الحرات، النساء المتحررات··· الخ- ولكنهن في الواقع هن النساء أنفسهن دائماً· وإذا كن يعملن على قضايا مختلفة -حق التصويت، أو الطلاق، التملك، الذهاب إلى كلية الطب- فإن رسالتهن كانت دائماً واحدة: أن الفكرة القائلة بأن الرجال بطبيعتهم يُعملون العقل، خلافاً للنساء، لا تقوم على واقع فطري ولد معنا، وإنما على اعتقاد ثقافي خاطئ، وتلك هي المشكلة الحقيقية· وأعتقد أننا نستطيع أن نقول إن قضية تحقيق المساواة للنساء تثير، في كل مرة، مزيجاً من الخوف والأمل والحيرة، وكلها مشاعر تعد جزءاً من القضية نفسها وتجعل حلها عصياً أكثر من مسألة تحقيق المساواة للأشخاص الملونين· وباختصار: إنه حيال الفكرة القائلة بأنه من الطبيعي أن يكون للنساء دور مساوٍ للرجال في صنع العالم يوجد انقسام داخلي -صراع إرادات اجتماعية- هو في هذه اللحظة أبعد ما يكون عن الحسم· وربما سيحسم يوماً ما· ومهما يكن، فإن عاماً انتخابياً مثل العام الذي عشناه في الولايات المتحدة يجب أن يجعل كل مدافع عن حقوق النساء يتوق إلى مواصلة الضغط في طريقه النضالي الطويل·
فيفيان جورنيك
كاتبة وناشطة سياسية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست