نوف الموسى (دبي)

أن تحمل الشعر بين يديك وتقدمهُ للعابرين، لإغداق الحُب عليهم دون سابق معرفة، هو بحد ذاته شجاعةٌ أنيقة، حد الاهتمام بذائقتهم الحسّية. وقوة الشعر دائماً في أنه الأقدر على الدفع بنا جميعا نحو التجربة، التي ستسقط منّا يوما ما عند تلك الحقيقة التي لا يمكن وصفها أبداً. بهذا الجمال المترامي على أطراف الحياة تبث «رواشن للنشر» دعوات الحضور إلى جلسات «صيف رواشن 2019» للاستماع إلى القصيدة، باعتبارها ممراً ساحراً للاستواء على المعنى في أن «لكل شاعر هناك مريدا»، بحسب ما عبر عنه معتز قطينة، مؤسس الدار لـ«الاتحاد»، خلال أمسية شعرية، قُدمت مساء أول من أمس، بالتعاون مع «كتّاب كافيه»، في دبي، أطلت فيها الشاعرة إيمان محمد، عبر ديوان «غُرفة مواربة» وديوان «إن غابت السدرة وإنْ ابتعد البحر»، وكشف فيها الشاعر أحمد محجوب «السيرة الذاتية لعَبْدِ السوء.. الخروج من الحبيبة».
«كعاشقٍ في الطريق، كشجرةٍ عامرة بذاتها، وَسِع مكانك للعوامْ، صدقني الطريق هو التدبر».. يقرأ أحمد محجوب لأول مرة قصائده التي طُبعت دون أن يعلم، من قبل معتز قطينة الذي أقر بأهمية أن يبحث بنفسه عن النصوص الجيدة، قائلاً: «سنعيد الشعر إلى موضوعه الطبيعي، أُهمل لأكثر من 20 أو 30 سنة، بوهم أن الناس يعيشون حالياً أشياء أخرى غير إدراكهم للقصائد، إلا أن ما لمسناه من تفاعل الحضور مع أمسياتنا لشعراء يكتبون لأول مرة، يقلب المعادلة تماماً».
يضحك أحمد محجوب بين كل قصيدة يقرأها، ويلمح للحاضرين بمدى أثر تجربة القراءة نفسها عليه في الأمسية: «جئتُ هنا لأرى كيف سيبدو الأمر عليّ بيني وبين القصيدة وبينكم». واللافت جداً ما ذكره محجوب عن ذلك الارتياب للسؤال الذي قد تُولده القصيدة بعد تقديمها للجمهور.
«يربطون أصابعي بخيوط الصوف الملونة، الخيوط التي صبغتها فتيات قريتي البعيدة، المنسية والمخفية، بين الجبال الشاهقة.. يشدون الخيوط يعقدونها بعناية.. عقد كثيرة ومتراصة.. ومتراكمة.. يدقونها ويجدلون أطرافها.. حتى تصير يداي سجادة عظيمة».
في هذه اللحظة بالذات من قراءة إيمان محمد لقصيدتها التي قُدمت ضمن مشروع «هيتروتوبيا أبوظبي» الفني، حيث عُرضت في سوق السجاد، تساءلت كثيراً عن التحول في قصيدتها، خاصةً أنها أقبلت علينا منذ البداية بقصيدة «هناك من نخشاه من فرط الحب»، تقول فيها: «كيف تنكسرُ شوكة الغضب داخلكَ كلما فتحتْ هي باب الحديث معك؟ كيف تبكي أمامها بكبرياء الرجال حينما تربتُ هي على وجع شيخوختكَ؟ كيف تترُكها هكذا تسير على الحبال المعلقة وتكتفي بالرقية والدعاء وأنت تراها تبتعد؟».
تتأمل إيمان نفسها بعد كل قصيدة، بهدوء جداً، «مثل هذه المدينة المغزولة بماء البحر»، وتقول: «هناك قصائد تتكون فيَّ الآن، أتركها للوقت وللفضاء واللحظة. الديوان الجديد يحتاج بالطبع لقرار الجلوس أمام الأوراق والمواجهة التامة».